ريحانة جباري تعيد فتح ملف الانتهاكات الإيرانية لحقوق الإنسان
الأربعاء 29/أكتوبر/2014 - 12:56 م
طباعة

في انتهاك واضح لحقوق الانسان و الحق في الدفاع عن الحياة ، قضت محكمة ايرانية بإعدام الشابة ريحانة جباري ، التي اضطرت لقتل موظف سابق في الاستخبارات العامة بعدما اعتدى عليها جنسيا ً .
المحكمة الإيرانية لم تأخذ في اعتبارها كل الظروف و ملابسات الجريمة و أصرت على اعدام ريحانة يوم السبت الماضي ، بعد وفاة ريحانة أخرجت أمها الرسالة التي كانت كتبتها الفتاة اليها تصف فيها كم الألم و الاضطهاد الذي تعرضت له ، تقول فيها :
" عزيزتي شوليح، علمت اليوم أنه قد جاء دوري الآن لمواجهة القصاص. أنا متألمة أنك لم تعلميني بنفسك أنني قد وصلت إلى الصفحة الأخيرة من كتاب حياتي. ألا تظنين بأنني كان يجب أن أعرف؟ تعرفين كم خجولة أنا من حزنك. لماذا لم تعطيني الفرصة لتقبيل يدك ويد أبي؟
سمح العالم لي أن أعيش لمدة 19 عاماً. وكانت تلك الليلة المشؤومة هي الليلة التي كان يجب أن أقتل فيها. كان سيتم إلقاء جسدي في ركن من أركان المدينة، وبعد بضعة أيام، كانت الشرطة سوف تستدعيك لمكتب الطبيب الشرعي للتعرف على جثتي، وهناك كنت ستعلمين أيضاً أنني تعرضت للاغتصاب. القاتل لم يكن ليتم العثورعليه لأننا لا نمتلك ثرواتهم وقوتهم. ومن ثم كنت سوف تقضين حياتك في معاناة وعار، وبعد سنوات قليلة كنت سوف تتوفين نتيجة هذه المعاناة، وكان كل شيء سينتهي هناك.
رغم ذلك، ومع تلك الضربة اللعينة، تغيرت القصة. جسدي لم يلق جانباً، ولكن في قبر سجن إيفين وعنابره الانفرادية، والآن في السجن الذي يشبه القبر في شهرراي. ولكن تعرفين جيداً أن الموت ليس نهاية الحياة.

لقد علمتني أن أحدنا يأتي إلى هذا العالم لاكتساب الخبرات وتعلم درس، وأنه مع كل ولادة توضع مسؤولية على كتف شخص ما. لقد تعلمت على الشخص أحياناً القتال. أتذكر عندما قلت لي إنه لخلق قيمة ينبغي على المرء أن يثابر حتى لو كان عليه أن يموت.
أنت علمتني أنه عندما أذهب إلى المدرسة ينبغي علي أن أكون سيدة في وجه النزاعات والشكاوى. هل تذكرين كم كنت شديدةً بشأن الطريقة التي نتصرف بها؟ وكانت تجربتك صحيحة. ولكن، عندما وقع هذا الحادث، تعاليمي لم تساعدني. تقديمي إلى المحكمة جعلني أبدو وكأنني قاتلة بدم بارد ومجرمة بلا رحمة. لم أذرف الدموع. لم أتسول. لم أبك في داخلي منذ أنني كنت واثقة بالقانون.
ولكنني واجهت تهمة أنني غير مبالية في مواجهة الجريمة. معاملتي للحيوانات فسرت على أنني أميل إلى أن أكون صبيا، والقاضي حتى لم يكلف نفسه عناء النظر إلى حقيقة أنه في وقت الحادث كان لي أظافر طويلة ومصقولة.
كم متفائل هو من كان ينتظر العدالة من القضاة! لم يشكك حتى في حقيقة أن يدي ليست خشنة مثل يد ملاكم. وهذا البلد الذي أنت من زرعت حبه في داخلي، لم يكن يريدني أبداً، ولا أحد دعمني عندما كنت تحت ضربات المحقق أبكي وأسمع أكثر المصطلحات إهانةً. وعندما نزعت عن نفسي علامة الجمال الأخيرة، وحلقت شعري، كوفئت بـ 11 يوماً في الحبس الانفرادي.
عزيزتي شوليح، لا تبكي على ما تسمعينه الآن. في اليوم الأول الذي قام به وكيل الشرطة بإذائي من أجل أظافري فهمت أن الجمال ليس أمراً مرغوباً في هذا العصر. لا جمال المنظر، جمال الأفكار والرغبات، الكتابة اليدوية الجميلة، جمال العيون والرؤية، ولا حتى جمال صوتٍ جميل.
أمي العزيزة، لقد تغيرت أيديولوجيتي، أنت لست مسؤولة عن ذلك. كلماتي لا تنتهي، وأعطيتها كلها لشخص ما حتى عندما أعدم من دون وجودك ومعرفتك، يعطيها لك. ولقد تركت لك الكثير من المواد المكتوبة بخط اليد كتراث لي.
ومع ذلك، أريد شيئا منك قبل موتي، وعليك أن تقدمي لي هذا الشيء بكل قوتك وبأي شكل من الأشكال. في الواقع هذا هو الشيء الوحيد الذي أريده من هذا العالم، هذا البلد ومنكم.
أمي الطيبة، أكثر شيء عزيز علي في حياتي، أنا لا أريد أن أتعفن تحت التراب. لا أريد لعينيّ أو قلبي الشاب أن يتحولوا إلى غبار. توسلي بحيث يتم ترتيب أنه، وبمجرد أن يتم شنقي، سوف يتم أخذ قلبي والكلى والعيون والعظام وأي شيء يمكن زرعه بعيداً عن جسدي ويعطى لشخص يحتاج إليه كهدية. لا أريد أن يعرف المتلقي اسمي، أن يشتري لي باقة ورد، أو حتى يقوم بالدعاء لي.
أنا أقول لك من أعماق قلبي إنني لا أريد أن يكون لي قبر لتأتي إليه وتحزني وتعاني. أنا لا أريدك أن تقومي بارتداء الملابس السوداء علي. وابذلي قصارى جهدك لنسيان أيامي الصعبة. وامنحيني للريح لتأخذني بعيداً.
العالم لم يحبنا. والآن أنا استسلم لذلك وأحتضن الموت. لأنه في محكمة الله سوف أقوم باتهام المفتشين، وسوف اتهم القاضي، وقضاة المحكمة العليا في البلاد الذين ضربوني عندما كنت مستيقظة، ولم يمتنعوا عن مضايقتي.
في العالم الآخر، إنه أنا وأنت من سيوجه التهم، وغيرنا هم المتهمين. دعينا نرى ما يريده الله. أنا أحبك."
جذور الإنتهاكات

مثلت الثورة الإسلامية التي اندلعت في إيران أواخر السبعينيات نقطة فاصلة في تاريخ المنطقة وتاريخ الدولة نفسها، و هو ما أثر بشكل كبير على منظومة حقوق الإنسان التي انتهكت بممارسة القمع و العنف تجاه الأقليات السنية أو القمع الكبير الذي مورس على المرأة، و قد أعادت قضية ريحانة مرة أخرى الحديث عن انتهاكات إيران لحقوق الإنسان، ما يعيد إلى الأذهان، فكرة بناء الدولة على أساس ديني دفع بالأساس بعدم احترام حقوق الفرد.
الثورة الإيرانية
كان عام 1979 مرحلة فارقة في تاريخ دولة ايران، مع بدايات هذا العام تم الإطاحة بحكومة الشاه رضا بهلوي بالضبط في 11 فبراير 1979 ، بعدها أعدمت القيادة الثورية أعضاء النظام القديم، بما في ذلك كبار الجنرالات.
النظام الذي سيستحيل بعدها اسلاميا ً صرفا قام بتشكيل لجانًا ثورية في جميع المحافظات، وكان آيات الله محمد رضا مهدوي كاني رئيس اللجان الثورية المركزية المؤقتة للثورة الإسلامية.

في أول شهرين، قتل أكثر من 200 من كبار المسؤولين المدنيين في حكم الشاه عقابًا لهم وللقضاء على خطر الانقلاب، ووافقت محكمة طهران على أول أربع أحكام بالإعدام في حق جنرالات الشاه في فبراير 1979.
وكان هؤلاء الجنرالات هم مهدي رحيمي، القائد العسكري لطهران، ورضا ناجي، الحاكم العسكري لأصفهان، ونعمت الله نصيري، رئيس السافاك ومنوشهر خسروداد، جنرال في القوات الجوية، وقد تم إعدام الجنرالات الأربعة رميًا بالرصاص على سطح المقرات التي أصبحت فيما بعد تابعة لآية الله الخميني في 15 فبراير.
بعدها في 7 إبريل 1979، تم إعدام رئيس الوزراء الإيراني السابق أمیر عباس هویدا، وبعدها بيومين، في 9 إبريل تم إعدام عشرة من كبار المسؤولين في نظام الشاه، من بينهم اثنان من الجنرالات وأحد الوزراء في طهران.
وكان من بين الذين نُفذ بهم حكم الإعدام القائد العام للقوات الجوية أمير حسين ربيعي. وفي 11 إبريل أيضًا، تم إعدام وزير الخارجية السابق عباس علي خلعتبري وعشرة مسؤولين آخرين شنقًا في طهران، في 8 مايو أعدم ما مجموعه 21 من المسؤولين الإيرانيين السابقين، بما في ذلك ثلاثة سياسيين سابقين على مستوى عالٍ. وتمثل هؤلاء في كل من جواد سعيد المتحدث السابق باسم المجلس، وغلام رضا كيانبور وزير الإعلام السابق، ومحمد رضا عاملي طهراني وزير التعليم السابق. وفي 9 مايو، تعرض ثمانية أشخاص من بينهم مسؤول يهودي بارز، ووزير الإعلام السابق عبد الحسن سعداتمند للإعدام شنقًا ليرتفع عدد القتلى إلى 119 منذ فبراير 1979. وفي 23 يوليو 1979، أعدم خمسة رجال آخرين في محافظة خوزستان. وبذلك، يصبح إجمالي عدد القتلى 363 قتيلاً جراء عمليات الإعدام منذ فبراير 1979.
النظام الجديد يتجه ضد الأقليات

خريطة للتيارات السياسية قبل الثورة
النظام الاسلامي الآن بدأ يرسخ جزوره في السلطة مطمئنا ً للقضاء على النظام القديم، وجهته التالية كانت ناحية الأقليات و التيارات السياسية الأخرى و التي شاركت في الثورة ذاتها، وفي أغسطس 1979، بدأت المحاكم في عقد محاكمات لأفراد الأقليات العرقية في البلاد الذين شاركوا في المظاهرات المناهضة للحكومة، وأسفرت المحاكمات عن إصدار أحكام بالإعدام واسعة النطاق.
وثقت منظمة العفو الدولية 2946 حالة إعدام في 12 شهرًا بعد إقالة أبو الحسن بني الصدر الرئيس الايراني الذي تم اقالته، وفي العام التالي، رصدت قائمة جمعتها حركة مجاهدي خلق 7746 شخصًا كانوا قد فقدوا حياتهم إما بالإعدام شنقًا، أو في اشتباكات بالشوارع، أو تحت وطأة التعذيب في فترة قصيرة من يونيو 1981 إلى سبتمبر 1983.
و وفقًا للمؤرخ إرفاند أبراهاميان، قامت المحاكم الثورية بإعدام أكثر من 8000 معارض بين يونيو 1981 ويونيو 1985؛ وقد كانوا بشكل رئيسي أعضاء بحركة مجاهدي خلق، وكان من بينهم الفدائيون والأكراد وأنصار حزب توده والجبهة الوطنية وأنصار شريعتمداري. ... وقد كانت حصيلة الوفيات بين الثوار أكبر بكثير من الموالين للحكم الملكي.
ترسيخ مفهوم الدولة الدينية

أقرت المادة الثانية في الدستور الجديد للبلاد قيام الجمهورية الجديدة على انشاء دولة دينية صرف تعتمد على مبدأ ولاية الفقيه، تقر المادة أن نظام الجمهورية الإسلامية يقوم على أساس:
1- الإيمان بالله الأحد (لا إله إلا الله) وتفرده بالحاكمية والتشريع، ولزوم التسليم لأمره.
2- الإيمان بالوحي الإلهي ودوره الأساس في بيان القوانين.
3- الإيمان بالمعاد ودورة الخلاق في مسيرة الإنسان التكاملية نحو الله.
4- الإيمان بعدل الله في الخلق والتشريع.
5- الإيمان بالإمامة والقيادة المستمرة، ودورها الأساس في استمرار الثورة التي أحدثها الإسلام.
6- الإيمان بكرامة الإنسان وقيمته الرفيعة، وحريته الملازمة لمسؤوليته أمام الله.
في هذا السياق يقول الكاتب الأردني المتخصص في الشأن الإيراني محجوب الزويري ان تجربة حضور الدين في المشهد السياسي في إيران عبر طبقة العلماء أو رجال الدين تعد لافتة للانتباه عبر مستويات متعددة، أهما و أولها يتعلق بفرض التدين على الحيز العام عبر سياسات تبناها النظام السياسي الجديد .
و يرى الزويري أن هذا الفرض أو الترويج نقل نمط التدين من الحياة الشخصية للأفراد إلى الحيز العام ودفع الناس إلى التركيز على هذا الحيز العام إما خوفا من السلطة أو أملا في جني منافع من السلطة.
وفي كلتا الحالتين تراجعت حالة التدين التي يعيش فيها الإنسان قدرا من الانسجام مع النفس سواء في حيزه الخاص أو عندما يخرج للحيز العام الذي هو المجتمع بكل إشكالاته وتعقيداته.
أما المستوى الثاني فهو استخدام الدين في الترويج إلى أن المواقف السياسية بما فيها المتعلق بالسياسة الخارجية، في هذا المستوى سعى النظام السياسي أن يمتد بقاعدته الشعبية الى خارج الحدود، و بذلك طرح نفسه بديلا ً دينيا ثوريا ً كما يدعي عن النموذج التقليدي المتواجد المتمثل في المملكة العربية السعودية وهذا جعلها تهديدا حقيقيا في نظر جيرانه وغير جيرانه.
المستوى الثالث أن فكرة التدين اصبحت مرتبطة بالنظام السياسي ومؤسساته لاسيما كانت التعليمية وغير التعليمية منها .
حقوق الأقليات

كان من الواضح أن مسلك السلطة الجديدة الإيرانية يتجه نحو قمع الأقليات السياسية و بالطبع الأقليات الدينية حيث أن الدولة كلها مبنية على فكرة الاسلام السياسي و الذي لا يقبل الاختلاف العقائدي، الخطير في الأمر هو وضع التمييز الديني فيا طار دستوري ينفي حقوق الأقليات الموجودين داخل الدين الاسلامي مثل السُنة، فالمادة الثالثة عشرة تنص على :
الإيرانيون الزرادشت واليهود والمسيحيون هم وحدهم الأقليات الدينية المعترف بها، وتتمتع بالحرية في أداء مراسمها الدينية ضمن نطاق القانون، ولها أن تعمل وفق قواعدها في الأحوال الشخصية والتعاليم الدينية.
يبرز هنا الكيل بمكيالين، ايران تتحدث عن انتهاكات حقوق الانسان في المملكة العربية السعودية بينما هي تضرب بعرض الحائط حقوق السنة على أراضيها، هنا يمكن الاشارة الى قضية الأهواز .
و الأهواز هي عاصمة ومركز محافظة خوزستان التي تقع شمال غرب إيران، دخلها الجيش الإيراني في 1952، بسبب غنائها بالموارد الطبيعية من النفط والغاز، والأراضي الزراعية الخصبة
و قد تمت عمليات اضطهاد ممنهجة ضد سكان منطقة الأهواز عبر وسيلتين، الأولى هي زيادة نسبة غير العرب في الأحواز وتغییر الأسماء العربية الأصلية للمدن والبلدات والأنهار وغيرها من المواقع الجغرافية، مع التهجير الجماعى للقبائل العربية وإحلالها بأخرى فارسية لتغيير التركيبة السكانية في المنطقة، وفرض المذهب الشيعى قسرا على السكان الباقين، ومنع أهل السنة من إقامة المساجد والشعائر على المذهب السنى .
الوسيلة الثانية هي عمليات القتل الممنهج التي يقوم بها الجيش الإيراني للأهواز والتنكيل بهم وبنسائهم، واعتقالهم و قد شهدت السجون الإيرانية موت آلاف الثوار الأحراز و كانت من أشهر هذه العمليات الوحشية هي مجزرة المحمرة 1979 بعد الثورة الخمينية، و التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من السنة.
النساء: الأقلية الأكثر تضررا ً

يثار هنا أيضا ً بشكل بارز قضية ريحانه جباري التي أثيرت مؤخرا ً، من المعروف أن أكثر فئة تضررت تحت الحكم الاسلامي الإيراني هي النساء، النساء تم فرض حزمة من الأحكام عليهن بحجة تطبيق الشريعة كانت أولها الزي و فرض الحجاب عليهن و التعامل معهن باعتبارهن مواطن ثان و فرض أشياء عجيبة جدا ً وصلت لحظر مشاهدتهن لمباريات كرة القدم !
و الأزمة هنا في قضية جباري أنها تقع في خانتي أقليات الأولى كونها سنية من الأهواز و الثانية كونها امرأة .
و بدأت حكاية ريحانة جباري في يوليو 2007، وكان عمرها 19 عاما عندما تم استدراجها للعمل في شقة في طهران بوصفها مهندسة ديكور، وعندما وصلت للعمل، قالت إن أحد الرجال حاول الاعتداء عليها جنسيا، وطعنته دفاعا عن نفسها بسكين وقتلته.
تم الحكم على جباري بالإعدام في 2009 لأنها قتلت الجراح مرتضى عبد العلي سربندي الموظف السابق في وزارة الاستخبارات، وقد حفلت مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة الحسابات السعودية على تويتر، بالانتقادات لحكم الإعدام بحق جباري، قائلين إنها أعدمت لأنها تنتمي للمذهب السني .
و مع حملات الضغط من الرأي العام العالمي على السلطات الإيرانية بوقف هذا الحكم فقد نفذت الحكومة حكم الإعدام في ريحانة يوم السبت الموافق 14 أكتوبر في دلالة خطيرة على انتهاك صريح لحقوق الانسان وسلب المرأة حقها في الدفاع عن نفسها حيال الاعتداء الجنسي عليها .