مؤتمر السياسات العالمية التاسع العالم بعد نجاح ترامب والموقف من الارهاب
الثلاثاء 22/نوفمبر/2016 - 06:07 م
طباعة


أكثر من ٢٥٠ شخصية سياسية وفكرية وأكاديمية تداعت الى الدوحة بدعوة من المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية وبالتعاون مع وزارة الخارجية القطرية، للمشاركة في أعمال "مؤتمر السياسات العالمية" الذي اختار رئيسه تييري دو مونبريال عقد طبعته التاسعة في العاصمة القطرية هذه السنة في توقيت ملائم لمواكبة أحداث المنطقة عن قرب، خصوصا أن المؤتمر يحرص على مناقشة التحديات الجيوسياسية والاقتصادية والمالية التي تواجه العالم من الشرق الاوسط الى آسيا كما افريقيا، وهذه السنة كان للولايات المتحدة الاولوية على أجندة النقاشات بعد الصدمة التي احدثها انتخاب الجمهوري دونالد ترامب رئيسا، انطلاقا من ترددات هذا الانتخاب على العالم وفي الأخص على الاتحاد الاوروبي وتماسكه في وجه الكيمياء المستجدة مع الزعيم الروسي فلاديمير بوتين.
وقد ناقشت جلسة "الاتحاد الأوروبي : ماذا بعد" أزمة اللاجئين وضعف أوروبا على الصعيد الأمني وعدم وجود سياسة متماسكة بشأن الهجرة واللاجئين والعيوب التي يتسم بها اتفاق شنجن وعواقب ذلك على بقية العالم.
واتفق المتحدثون على وجود أزمات داخلية وخارجية تواجهها أوروبا منها الخلاف مع روسيا بسبب الاضطرابات في شرق المتوسط وإفريقيا وشبه جزيرة القرم ونشاطها العسكري في سوريا وانتقال آثار هذه الأزمات إلى الداخل الأوروبي وتهديدها لاستقراره إضافة إلى المشاكل الداخلية التي بدأت تتوسع بين البلدان الأوروبية وبعضها البعض وبين الاتحاد الأوروبي والدول المجاورة.

إليزابيث جيجو عضو البرلمان الأوروبي
وأوضح السيد ريتشارد تشارنيسكي نائب رئيس البرلمان الأوروبي أن هناك عدم يقين في سياسة واشنطن من قبل الأوروبيين خاصة بعد انتخاب السيد دونالد ترامب رئيسا للإدارة الأمريكية ،مؤكدا أن "أمريكا لا يمكن الاستغناء عنها في مفهوم الغرب وفي ظل حالة التردي التي يعيشها الاتحاد الأوروبي منذ اتفاق روما ، فالأزمات التي تضربه هي الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية سواء الأزمات الاجتماعية أو الثقافية أو بروز الأنانية وإعلاء الهوية الوطنية في كل دوله".
وأضاف أنه على الاتحاد الأوروبي التقدم في السياسة الخارجية وبذل المزيد في توحيد هذه السياسة وقبول الواقع الذي تعيشه دول الاتحاد مع ضرورة التصدي لجميع التحديات الأمنية وتخطي الأزمات التي تواجه بلدانه وبناء سياسة موحدة ليست خاصة باللاجئين والهجرة غير الشرعية فقط بل بالاقتصاد والتقشف وتجاه البلدان المجاورة وخاصة روسيا.. مع المساهمة في العولمة وتحسين الحدود والاستثمار في إفريقيا "المورد الأول للمهاجرين غير الشرعيين" والبحث عن شركاء في هذا الإطار لتحقيق المصالح الوطنية للاتحاد ورفع صوت أوروبا في السياسة الخارجية.
من جانبها اعتبرت إليزابيث جيجو عضو البرلمان الأوروبي، ورئيس مفوضية العلاقات الخارجية في الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وانتخاب ترامب رئيسا للولايات المتحدة أحدثا زلزالا في الاتحاد الأوروبي، لكن هناك فرصة لتعزيز العلاقات بين الطرفين، "شريطة أن يتحلى الزعماء بالإرادة والشجاعة".
وشددت على أنه آن الأوان لأوروبا أن يكون لها سياسة خارجية موحدة ليس في مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية واللجوء فقط بل في التعامل مع الدول المجاورة والقضايا العالمية الكبرى، وكذلك تأسيس سوق موحدة، وإطلاق حرية التنقل، وباقي الحريات، مع عدم التخلي عن خصوصيات الاتحاد الأوروبي.. مشيرة إلى نجاح الاتحاد في تعزيز السياسة والروابط الداخلية، ومنها العملة النقدية الموحدة والبرلمان الأوروبي والقوانين المنظمة وخطوط النقل والمواصلات وغيرها .
وحثت دول الاتحاد الأوروبي على الاستثمار في أفريقيا ودول جنوب الصحراء لمكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية مشيدة بدور دولة قطر في مجال الاستثمار بأفريقيا وخلق فرص عمل للشباب العاطلين هناك.

دونالد-ترامب
وأكدت عضو البرلمان الأوروبي ضرورة العمل على الاستقلال الاستراتيجي في قطاع تكنولوجيا المستقبل والاستثمار في شقيه المدني والعسكري وكذلك العمل على الاستقلال الاقتصادي للمنظومة الدفاعية للاتحاد.. مشيرا في الوقت نفسه إلى أهمية إجراء حوار مكثف ومعمق مع روسيا لأنها جارة لأوروبا "وفرضت وجودها على الأرض وتعرف ميزان القوى على الأرض وتتعامل معه بشكل جيد".
ولم يغب في الوقت عينه ملف الإرهاب والحرب في الموصل والرقة عن كلمات الحضور الذين لم يخفوا قلقهم من استمرار الخطر "الداعشي" من جهة ومن التفكك الذي يتعرض له العالم العربي والإسلامي نتيجة تفتيت الحدود ومساعي التقسيم التي ترتسم مهددة الأقليات الطائفية في كيانها ووجودها.
من لبنان، شارك النائب الأول لحاكم مصرف لبنان الدكتور رائد شرف الدين، الى جانب رياض تابت والدكتور سمير نصر العضوين في المعهد الفرنسي. وكان لشرف الدين كلمة في جلسة الاقتصاد والتمويل عرض فيها تجربة المصرف المركزي وسياساته وهندساته المالية الرامية الى تحفيز النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية. إذ أشار الى أن المصارف المركزية انتقلت بعد أزمة ٢٠٠٨ الى وضع سياسات مالية غير تقليدية بعدما باتت غير ملزمة بتحقيق الاستقرار المالي. وقال إن المركزي خلال العقدين الماضيين لم يدخر جهدا للحفاظ على مرونة المصارف وسط مخاطر سياسية نتيجة الأوضاع الداخلية والإقليمية تهدد القطاع، وذلك عبر حزمة من الحوافز وهندسات مالية أدت الى تعزيز الاحتياط ليبلغ ٤١ مليار دولار وضخ مليار دولار في السوق.
التحول الأميركي: ماذا بعد ترامب؟ سؤال شغل الحضور ولا سيما انه لا يزال متعذرا على العالم فهم كيف سيترجم الرئيس الأميركي الجديد المواقف التي اتخذها إبان حملته الانتخابية، وهي مواقف صادمة في مواضيع دقيقة وحيوية ومهمة للعالم بدءا من إعلانه عزمه على إسقاط الاتفاق النووي او اعادة النظر في حلف الأطلسي او توجهه الى إجراءات حمائية انعزالية، او رفضه لقمة باريس حول التغير المناخي او توجهه الى التحالف مع الرئيس الروسي وإتمام صفقة معه على حساب أوروبا.
وكان واضحا من كلمات المتحدثين ان القلق كبير على علاقة أوروبا بالولايات المتحدة وعلى الشراكة الأطلسية وعلى احتمال تفكيك حلف الأطلسي ومقاربة الارهاب والتطرف وأزمات الشرق الاوسط، والمقاربة الجديدة التي أرساها حول الشعبوية في وجه العولمة والتبادل الحر، انطلاقا من شعار إعادة العظمة الى أميركا على قاعدة أميركا اولا.
والواضح ان كل هذه المواقف التي أطلقها ترامب ستؤثر بشكل كبير على صورة الولايات المتحدة في العالم، وستساهم في التأثير على الانتخابات الرئاسية والتشريعية في عدد من دول أوروبا التي ستشهد هذه السنة انتخابات، بدءا من فرنسا مرورا بالنمسا وهولندا وألمانيا حيث الخوف من تعاظم حظوظ وصول "الشعبويين" الى السلطة بعد ظاهرة ترامب.
مكافحة الارهاب

النائب الأول لحاكم مصرف لبنان الدكتور رائد شرف الدين
لم تخرج الجلسة المخصصة لموضوع مكافحة الارهاب بأي خلاصات جديدة يمكن البناء عليها، رغم المقاربات الواقعية التي أعطيت لمفهوم الارهاب وتطوره منذ أحداث ١١ سبتمبر. ذلك أن المتحاورين يتمترسون وراء اقتناعاتهم ومواقف بلادهم.
هكذا كانت حال الروسي سيرغي كاراجانوف الرئيس الشرفي للمجلس غير الحكومي لسياسات الخارجية والدفاع الروسية الذي عكس موقف بلاده من نظام الأسد مبررا تدخلها في سوريا بأنه لدعم الدولة في وجه الارهاب، وهكذا كان موقف مدير "قناة العرب" الإخبارية جمال خاشجقي عاكسا بدوره موقف بلاده من النظام. لكن المداخلات لم تخل من التركيز على النوع الجديد للارهاب المتمثل بإرهاب المنظمات، في حين ذهب بعضهم الى اعتبار ان المطلوب ليس فقط القضاء على المنظمات الإرهابية وإنما ايضا على الدول والانظمة التي ترعاها او تؤمن لها البيئة الحاضنة.