بعد إقرار قانون "الحرس العراقي".. ثغرات تُكرس استقلالية الحشد الشعبي
السبت 26/نوفمبر/2016 - 08:03 م
طباعة

بالتزامن مع الانتصارات التي يُحققها قوات الجيش العراقي وميلشيا "الحشد الشعبي" على تنظيم "الدولة" المعروف بـ"داعش" في العديد من قرى مدينة الموصل – معقل التنظيم الإرهابي في العراق - أقر مجلس النواب العراقي (البرلمان) اليوم بأغلبية أعضائه قانونا يعتبر فصائل الحشد الشعبي وتشكيلاته "كيانات قانونية تتمتع بالحقوق وتلتزم بالواجبات باعتبارها قوة رديفة وساندة للقوات الأمنية العراقية".
وتمكنت قوات الحشد الشعبي خلال الفترة الماضية من حسم الكثير من المعارك التي خاضتها ضد تنظيم "داعش" في العديد من المناطق العراقية، بينها الأنبار وتكريت والفروجة وحالياً الموصل، إلا أنه خلال خوض "الحشد الشعبي" تلك المعارك اتهم بارتكابه انتهاكات طائفية ضد الأسر السنية في تلك المناطق، وقد أدان الأزهر في عدد من بياناته ممارسات ميلشيا الحشد الطائفية.
خطورة الإجراء القانوني الأخير تكمن في أنها تُدشن لمرحلة جديدة من تكريس حالة تقسيم العراق إلى كيانات مسلحة بناء على اعتبرات الهوية، خاصة أن القانون الجديد أعطى لقوات الحشد الحق في الحفاظ على هويتها وخصوصيتها ما دام لا يشكل ذلك تهديدا للأمن الوطني العراقي، ورغم أن تلك الصياغة اعتبرها مراقبون ضمانة لعدم إضفاء صفة الاستقلالية الكاملة لقوات الحشد، إذ ان القانون أباح بتلك الصياغة حل تلك القوات طالما هددت الأمن الوطني العراقي، استبعد آخرون ذلك الطرح واعتبروا أن الانتصارات التي حققتها قوات الحشد خلال الفترة الماضية جاءت بشكل رئيس على حساب الجيش العراقي الوطني، حيث اهتمت الحكومات العراقية الشيعية طيلة لافترة الماضية على تقديم كل أشكال الدعم لقوات الحشد حتى وغن كان ذلك على حساب الجيش الوطني العراقي.

وتعرضت قوات الحشد الشعبي منذ بداية تأسيسها إلى انتقادات واسعة بعد ثبوت انتهاكها جرائم طائفية، إلا أن سلوكيات الحشد الشعبي تحسنت كثيراً خاصة بالتزامن مع تحرير مدينة الموصل أكبر المدن السنية العراقية ومعقل تنظيم "داعش"، ما جنب القوات انتقادات الكثير من المنابر الدولية.
وينص القانون المُثير للجدل، والذي جاء التصويت عليه وسط اعتراض من (اتحاد القوى العراقية السنية) الذي انسحب اعضاؤه من الجلسة احتجاجا على اقراره على ان فصائل الحشد الشعبي وتشكيلاته "لها الحق في الحفاظ على هويتها وخصوصيتها ما دام لا يشكل ذلك تهديدا للأمن الوطني العراقي"، كما نص القانون على أن "تُحدد العناوين والمسميات للتشكيلات التي تندرج تحت مسمى فصائل وتشكيلات الحشد الشعبي" من قبل "لجنة الامن والدفاع النيابية وبالتنسيق مع مكتب القائد العام للقوات المسلحة العراقية على ضوء توفر الاجراءات التي يتطلبها ذلك".
كما أجاز القانون لفصائل الحشد الشعبي وتشكيلاته "ممارسة مهامها وانشطتها العسكرية والامنية بطلب وايعاز من القائد العام للقوات المسلحة العراقية (رئيس الحكومة التي طالما كان شيعياً منذ الغزو الأمريكي للعراق في 2002) وبالتنسيق معه ابتداء واستمرارا عند وجود تهديدات أمنية تستدعي تدخلها الميداني"، ما يعني بذلك أن القانون أعطى لقوات الحشد الاستقلاقلية التامة، عن الجيش، ليكون قوة أمنية ثالثة في العراق هي (الجيش وقوات الحشد الشعبي والشرطة المدنية العراقية).

القانون يخول لفصائل الحشد الشعبي وتشكيلاته "حق استخدام القوة اللازمة والقيام بكل ما يلزم لردع التهديدات الأمنية والارهابية التي يتعرض لها العراق وكذلك لتحرير المدن من الجماعات الإرهابية وحفظ أمنها والقضاء على تلك الجماعات الارهابية وعلى كل من يتعاون معها وتحت اي مسمى كان"، وهنا انتقاد آخر للقانون الذي لجوء كذلك إلى العبارات المطاطة التي تفتح الباب أمام انتهاكات ربما تكون محتملة في حق التجماعات السنية في العراق تحت زاعم دعم الإرهاب.
كما ألزم القانون الحكومة العراقية ومجلس النواب بتهيئة "مستلزمات واحتياجات فصائل وتشكيلات الحشد الشعبي العسكرية وغيرها مما يتطلبه قيامها بأنشطتها الأمنية والعسكرية في حال وقوع التهديد الأمني للعراق أو ما يتطلبه بقاؤها في حالة الجاهزية التامة لردع تلك التهديدات"، كما نص القانون على أن "يتمتع أفراد ومنتسبو فصائل وتشكيلات الحشد الشعبي وضحايا الأعمال العسكرية منهم بذات الراتب والحقوق التقاعدية والامتيازات التي يتمتع بها أقرانهم من منتسبي وزارتي الدفاع والداخلية".
والتشكيلة القيادية لهيئة الحشد تضم 53 فصيلاً مسلحا، أبرزها البدلاء وسرايا السلام والنجباء والعباس وأبو الفضل العباس والإمام علي وسيد الشهداء وجند المرجعية وقوات وعد الله وكتائب الامام الحسين والنجباء وسرايا عاشوراء وسرايا الجهاد، فضلاً عن نحو 20 فصيلا صغيرا، من المقرر أن يندمج باختياره، مع أي فصيل آخر يرغب به ، في حين ستبقى كل من “كتائب حزب الله” و”بدر” و”العصائب” خارج هذه الهيكلية.
ووفق أحدث الإحصائيات فإن أعداد القوات المشكلة لهيئة الحشد الشعبي بعد التدقيق في أسماء المقاتلين الفعليين، إلى نحو 80 ألفا، ومن المُقرر أن يحصل كل منهم على مبلغ شهري كمرتب حكومي، يبلغ 910 آلاف دينار عراقي (نحو 800 دولار)، ويمكن القول أن القانون الجديد جعل من “الحشد الشعبي” قوة موازية لجهاز مكافحة الإرهاب العراقي، وقد تشكلت قوات “الحشد الشعبي” بناءً على فتوى “الجهاد الكفائي” التي أصدرها المرجع الديني الاعلى علي السيستاني، منتصف عام 2014، بعد سيطرة تنظيم (داعش) على عدة محافظات ومدن عراقية.

نزعات الاستقلال التي تظهر دائماً في حديث "الحشد الشعبي" تظهر دائماً في تصريحات قياداته الذين يعتبرون “الحشد الشعبي تأسس بفتوى من السيستاني، ولا يمكن أن يحل أو يتفكك إلا بفتوى أخرى منه، ولا قدرة للعبادي أو غيره على تفكيكه، وأنّ القرار اليوم يمثل عملية تنظيم لا أكثر، والحديث عن اكتساب الحشد صفة رسمية مجرد تأطير كلام.
ولايمكن الحديث عن تحول "الحشد الشعبي" إلى قوات نظامية بعيداً عن مباركة إيران التي طالما اعتمدت على دعم وتشكيل ميلشيا في الدول المجاورة تخدم مصالحها التوسعية في المنطقة، كما هو الحال لبنان حيث دعمت "حزب الله" على حساب الجيش اللبناني الوطني، ما دفع "حزب الله" إلى التفرد بالجنوب اللبناني، كما دعمت إيران ميلشيا جماعة الحوثس في اليمن، وهي الآن من اكبر داعمي "الحشد الشعبي".
لذلك هناك حالة واسعة من المخاوف إزاء الخطوة القانونية الأخيرة في العراق، إذ أنها ربما تُعزز من استقلالية قوات الحشد وأن الحكومات العراقية المقبلة ربما ستعمل على دعم الحشد الشعبي على حساب الجيش العراقي، ما يُؤدي في النهاية إلى مزيد من الاحتقان والتوتر في العراق على أساس طائفي.
إرهاصات ومساعي إيران تشكيل حرس ثوري عراقي على غرار حرسها الثوري، جاء في مطلع يونيو 2015، حيث اقترح الجنرال محسن رفيقدوست، القائد السابق للحرس الثوري الإيراني، وأحد أبرز مؤسسي الحرس بعد ثورة عام 1979، على الجهات الحكومية التي تدير العراق حاليًا تشكيل "حرس ثوري عراقي"، وقال رفيقدوست إن بلاده على استعداد في المساهمة بقوة في تشكيل الجيش المرتقب، ونقل تجارب إيران إليه، لاسيما وأنها على معرفة واسعة بخارطة الجيش العراقي، والميليشيات الداعمة لها.
الدعوات الإيرانية في السنوات القليلة الماضية للحكومة العراقية بتحويل ميليشيات الحشد الشعبي، إلى حرس ثوري يوازي المعمول به في إيران، يأتي في خضم تعاظم قوته العسكرية والسياسية، لتبقى ذراعًا أساسيا لإيران في المنطقة، وعليه، فإن الجهات الإيرانية المعنية بتشكيل القوة أعدت خطة للحكومة العراقية تتمركز حول آليات تحويل الحشد الشعبي إلى قوة عسكرية موازية للجيش العام في العراق، حيث كشف مسئول لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني، محمد صالح جوكار، عن جزء من الخطة الإيرانية، ونقلها إلى العراق.

وتعاظمت الفكرة مع تصاعد وتيرة الاشتباكات مؤخرًا مع (داعش)، واستثمار ضعف الحكومة العراقية وجيشها في مواجهة الفصائل والأحزاب المعارضة لها، وبالتزامن مع الظروف السياسية والأمنية المعقدة في المنطقة تجد إيران الوقت مناسبًا لإعلان مرحلة تأسيس الحرس الثوري العراقي.