"حميميم وطرطوس" ثم "تدمر".. نماذج للنفوذ العسكري الروسي بسوريا في مواجهة الإرهاب
الثلاثاء 29/نوفمبر/2016 - 11:07 ص
طباعة

يبدو أن روسيا قد قررت توسيع نفوذها العسكري إلى أقصى درجة في الداخل السوري، فبعد الانتشار الواسع في قاعدة "حميميم" العسكرية الروسية على الساحل البحرى السوري- تواصل القوات الروسية تعزيز انتشارها العسكري في بريًّا داخل الأراضي السورية، خاصة في ريف حمص الشمالي، وهو ما بدأ خلال شهري أكتوبر ونوفمبر 2016م، ليكشف الأمر عن توسيع القوات الروسية حاميتها العسكرية في مدينة "تدمر" لتصبح القاعدة الروسية الأكبر في سوريا بعد قاعدة حميميم الجوية وما حولها.

وقد استطاعت روسيا توسيع نفوذها العسكري في منطقة تدمر، فبعد سيطرة القوات الروسية على منطقة الفنادق اتخذتها مقراً لقيادة لقواتها هناك، بالإضافة إلى توسيع قاعدتها البرية وتدشيمها بالسواتر الترابية والمتاريس والحواجز الهندسية، كما قام الروس بجلب دبابات متطورة من طراز t-90 وعربات جند حديثة إلى تدمر، بالإضافة إلى نشر عدد كبير من قطع المدفعية المتطورة ذاتية الحركة وراجمات الصواريخ الحديثة، كما عملت القوات الروسية وخلال الفترة الماضية على الاستيلاء على رءوس التلال الحاكمة في الجبال التدمرية غربي تدمر، وأقامت فيها ساحات لهبوط المروحيات ونصبت في بعضها مواضع دفاعية أمامية دائمة التمركز، كما نشرت نقاط عسكرية في مناطق سيطرة النظام حول حقلي شاعر وجزل النفطيين، بالإضافة إلى نشر قوات برية وقوات خاصة في منطقة حويسيس الغنية بالنفط والغاز والتي تقع إلى الشمال من مطار التيفور العسكري بـ 30 كم وإلى الشرق من منطقة جب الجراح بحوالي 35 كم.

وتتكون تلك النقاط العسكرية الروسية في منطقتي شاعر وحويسيس- من مجموعات من القوات الخاصة الروسية التي تعمل مع مروحيات النقل والإنزال من طراز mi-8 الحديثة ومروحيات الدعم الناري من طرازmi-24 التي تسمى الدبابة الطائرة، والتي تستطيع أن تحمل مجموعة من العناصر المسلحة يصل عددها إلى 10 أفراد بكامل عتادهم والمروحيةmi-28 التي تسمى صائد الليل، وقد جهزت القوات الروسية النقاط التي تمركزت بها في منطقة حويسيس وشاعر بالسواتر الترابية والتجهيزات الهندسية، بالإضافة إلى تجهيز نقاط لهبوط وإقلاع المروحيات، بالإضافة لتجهيزات للرؤية الليلية وعربات قتالية مجهزة بأسلحة الرمي المباشر لقوات المشاة، كما نقلت القوات الروسية سرباً من حوامات الدعم الناري mi-24 يقدر عدده بـ12 مروحية، بالإضافة إلى أربع مروحيات قتالية من طرازmi-28 وعدد غير ثابت من مروحيات النقل القتالي طراز mi-8 إلى مطاري الشعيرات والتيفور العسكريين؛ وذلك من أجل حماية ودعم هذه المجاميع الروسية المنتشرة في تلك المنطقة التي تمتد لأكثر من 60 كم ابتداء من تدمر وحتى منطقة حويسيس.
وأُنشئت لهذه المروحيات قاعدة رئيسية في مطار الشعيرات، بالإضافة إلى مجموعات كوماندوس للتدخل السريع ضمن المطار، وأنشئت أيضًا قاعدة انطلاق ثانية لهذه المروحيات في مطار التيفور، وتم تخزين كميات كبيرة من الذخائر الخاصة بها هناك؛ من أجل العمل انطلاقاً من مطار التيفور في الوقت المناسب، كما استكملت القوات الروسية مبانٍ خاصة في القسم الشرقي من مطار التيفور بريف حمص، يتمركز فيها عناصر جوية من ضباط وصف صباط وفنيين؛ وذلك للعمل على استقبال وتذخير المروحيات، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة يقدر عددها بـ 200 عنصر من القوات الخاصة، مع العلم أنه لا أحد مخولاً له بالدخول إلى تلك الأبنية من غير الروس، حتى أعلى المستويات في المطار، وأن حركة المروحيات الروسية دائمة بشكل يومي ولا يطلع على المهام التي تقوم بها أي جهة سورية.

ولعل حرص الروس على تأسيس قاعدة عسكرية لهم في منطقة تدمر يعود إلى الأسباب التالية:
1- لا تريد روسيا تكرار خسائرها الفادحة في تلك المنطقة؛ حيث سبق وخسر الروس خمسة مروحيات قتالية من طراز mi-28 صائد الليل وهي الأحدث في روسيا، ويبلغ ثمن الواحد منها 40 مليون دولار أمريكي واحدة في سقطت في منطقة القريتين ليلا أثناء تنفيذ مهمة قتالية وقتل طياريها بتاريخ 12/4/2016 وأربعة في مطار التيفور في 15/5/2016 بعد حريق كبير نتج عن أخطاء فنية أدت إلى أضرار كبيرة جداً في المطار، بالإضافة إلى خسارة مروحية طراز mi24 في مطار التيفور أثناء الحريق ذاته كما تعرضت مروحية قتالية من طرازmi-35 إلى السقوط من قبل تنظيم داعش قرب صوامع الحبوب في تدمربتاريخ 9/7/2016، وأدى سقوطها لمقتل طاقمها و10 عناصر كوماندوس عليها، كذلك دمرت مروحية أخرى من طراز mi-24 بصاروخ م/د من قبل تنظيم داعش في منطقة حويسيس بتاريخ 3/11/2016 بالإضافة إلى خسائر كبيرة جدًّا من الذخائر التي احترقت في مطار التيفور أثناء الحريق الكبير، فضلًا عن مقتل ضباط وعناصر من القوات الروسية يقدر عددهم بـ 12 رجلًا في تلك المنطقة، بينهم ضابط برتبة هذا العام، وتعتبر هذه الخسائر الأضخم للروس في سوريا وتبلغ نسبتها أكثر من 80% من مجمل خسائرهم منذ تدخلهم عسكرياً في سوريا.
2- تعد تلك المنطقة هي الأغنى في سوريا بالغاز والثروات الباطنية والأثرية والفوسفات.
3- تغطية نفقات التدخل العسكري الروسي في سوريا من خلال الاستفادة من ثروات تلك المنطقة.
4- الأهمية الاستراتيجية الكبيرة لتلك المنطقة في العمليات العسكرية الروسية البرية في حال اتخاذ الروس قرارًا مباشرًا بالتدخل البري الشامل.

يُذكر أنه سبق وكشف ناشطون سوريون عن وصول أكثر من 100 عسكري روسي إلى مطار مدينة القامشلي على متن طائرة تابعة للنظام؛ حيث تم نقل العناصر الروسية لاحقاً إلى الفوج 154 في تل طرطب جنوب القامشلي، وكانت شبكة "CNN" قد نقلت عن مسئولين أمريكيين رصدهم لتحركات لروسيا في شمال شرق سوريا في إطار خطة روسية، على ما يبدو، لإقامة قاعدة عسكرية لها هناك، وقال مسئول أمريكي للشبكة: إن أمريكا رصدت عناصر من العسكريين الروس في مطار مدينة القامشلي؛ حيث قال: "لا نعرف بالضبط نيتهم، ولكنها تحركات نقوم بمراقبتها عن قرب".
وهو ما أكد عليه الوزير المناوب في الحكومة التركية ووزير التربية "نابي أوجي، قائلًا: إن قوات روسية، ترافق قوات النظام السوري في تحركاتها، ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة الأخيرة، خصوصاً في مدينة القامشلي، شمال شرقي سوريا، وإن قوات روسية أخرى، ترافق قوات النظام، ومسلحي منظمة "حزب الاتحاد الديمقراطي" (في مدينة القامشلي، شمال شرقي سوريا وإن حكومة بلاده حصلت على معلومات، تفيد بوجود قوات عسكرية روسية، إلى جانب قوات النظام السوري، ومسلحي منظمة "الاتحاد الديمقراطي".

مما سبق نستطيع التأكيد على أن قاعدة "حميميم" ثم قاعدة "طرطوس" وها هي تدمر والقامشلي ما هي إلا محاولات روسية لتمديد نفوذها العسكري إلى أقصى درجة للسيطرة على المناطق الاستراتيجية في سوريا، لمواجهة التنظيمات المسلحة المعارضة للنظام السوري.