التفاهم (التركي- الروسي).. عندما تتوافق المصالح على "جثة " الوطن السوري
الإثنين 05/ديسمبر/2016 - 12:57 م
طباعة

في الوقت الذي تتناقض فيه مصالح روسيا وتركيا بشكل مباشر في الصراع السوري نجدهما يحاولان التفاهم حول نقاط محددة كنوع من توافق المصالح على "جثة" الوطن السوري، ففي الوقت الذي اتفقت فيه مصالح أنقرة وموسكو حول حلب لم تحقق الاجتماعات التي تُعقد في العاصمة التركية أنقرة بين مسئولين روس وقيادات عسكرية في فصائل المعارضة المسلحة برعاية تركية- أي تقدم يذكر؛ نتيجة إصرار روسيا على خروج عناصر "فتح الشام" و"أحرار الشام" من مدينة حلب مقابل التوصل إلى اتفاق يقضي بإيقاف القصف، وإدخال المساعدات الإنسانية، وإجلاء الجرحى من أحياء حلب الشرقية.

مصدر معارض في شمال حلب أكد أن الطرف الروسي "متمسك بإخراج قائمة من 900 مقاتل يقول إنهم يتبعون فتح الشام لقاء تنفيذ بنود الاتفاق الإنسانية"، وأن أعداد مقاتلي "الجبهة" في أحياء حلب الشرقية "يعدون أقل من 400 مقاتل؛ ما يعني أن الروس ضموا مقاتلي أحرار الشام ومقاتلين آخرين يتبعون فصائل أخرى إلى قائمتهم للمقاتلين الذين يشترط خروجهم من المنطقة وهذا يعني عمليا أن الروس، غير جأدين في التوصل إلى هدنة، وأطفأوا محركات التباحث حول هدنة إنسانية؛ كونهم يزيدون شروطهم تعجيزًا، فبعد أن اقتصرت الشروط السابقة على خروج مقاتلي فتح الشام، اليوم يضع عراقيل إضافية، وليست هناك ضمانات بألا يوسع الطرف الروسي قائمته أكثر".
وكشف "محمد الشامي" القيادي في حركة "أحرار الشام"، أن الاجتماع حضره 13 شخصاً يمثلون فصائل المعارضة، وممثلون للروس والأتراك، وغابت عنه فصائل المعارضة المدعومة أمريكياً، ولم يحضره أحد عن النظام السوري والإيرانيين، وأن اتفاق قد طرح لخروج مقاتلي (جبهة فتح الشام) من حلب عبر ممرات إنسانية إلى إدلب، مقابل وقف القصف ، والسماح بإدخال مساعدات إنسانية عبر معبر الكاستيلو بضمانة الحكومة التركية، ولكن سرعان ما نفى قائد في جيش حلب التابع لفصائل الثوار الأنباء التي تناقلتها وسائل إعلام مقربة من "النظام " حول تسليم الثوار أنفسهم لقوات الأسد وقال القائد العسكري، الذي طلب عدم ذكر اسمه، لوكالة الأنباء الألمانية: "ننفي بشكل قاطع تسليم أي من الثوار نفسه لقوات النظام، وإن هذه الأخبار الكاذبة".

وجددت المعارضة السورية مطالبة المجتمع الدولي بالتحرك لوقف الهجوم على شرق المدينة، ودعت الهيئة العليا للمفاوضات الممثلة لأطياف واسعة في المعارضة السورية في بيان لها "مجلس الأمن وكل الدول الصديقة والمجتمع الدولي عامة إلى الاضطلاع بمسئولياتهم والعمل الفوري؛ لإيقاف القصف والمجازر التي تتعرض لها مناطق عدة في سوريا وحلب بشكل خاص، مع السعي الحثيث لإدخال المساعدات الإنسانية غير المشروطة" بعدما "أصبحت حلب مدينة منكوبة مهددة بكارثة كبرى".
تؤكد مصادر متطابقة، أن المصالحة التركية الروسية بدأت تنعكس على قواعد الصراع في سورية، وأن ما يمكن وصفه بـ"استدارة" أنقرة، جاءت مدفوعة بضخامة الخسائر التي تتعرض لها البلاد من الإرهاب الذي يقوده خصوصا تنظيم "داعش"، وتقول صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية: إن حدوث تغيير على موقف تركيا أبرز المؤيدين للمجموعات المسلحة في سورية.. إن أنقرة مستعدة لاتخاذ خطوات من شأنها أن تغير مسار "الحرب الأهلية" في سورية وإن تركيا منذ نشوب الصراع في سورية عرفت بموقفها المؤيد "للمتمردين" الذي يقاتلون ضد الجيش/ السوري، ولكن المشاكل الداخلية في البيت التركي تحث أنقرة على البحث عن حل وسط، مع لاعبين آخرين في الأزمة السورية مثل روسيا، التي تدعم "الرئيس السوري بشار الأسد" وختمت صحيفة "فاينانشال تايمز" مقالها بأقوال أحد قادة المعارضة المعتدلة السورية: "الآن أنا سعيد لهذا... ربما سيبقى الأسد في السلطة خلال الفترة الانتقالية، ولكنه قد يعني أيضًا أن تركيا ستعود (للمعارضة) المعتدلة".

من جهته، توقع عز الدين سلامة قائد تجمع "فاستقم كما أمرت"، أحد الفصائل السورية المعارضة المسلحة، أن تقدم أنقرة بعض التنازلات في الأزمة السورية، قائلا: "ستكون هناك تسويات وتنازلات فيما يتعلق بالأكراد والثوار، لكن الأتراك لن يتخلوا بشكل كامل عن المعارضة (في سورية) هذه الأمر لا يصب في مصالحها في حين يثق قادة آخرون في المعارضة السورية أن أي تغيير في سياسة تركيا فيما يخص الأزمة السورية، سينعكس بشكل أساسي على التنظيمات الإسلامية الراديكالية وفسّر عزل أنقرة مؤخرا لممثل الأجهزة الأمنية المسئول عن سوريا من منصبه، كمؤشر على إمكانية تخلي تركيا عن المعارضة المتشددة في سورية، والتي ترفض تأييد أي صفقة مع بشار الأسد، وأن الجانب التركي مستعد للتوصل إلى حل وسط مع موسكو.
ويقول الخبير بالشأن التركي محمد حلبي: إن التقارب بين موسكو انقرة سوف ينعكس على الأزمة السورية، وربما نشهد تغيير فيما يخص المشهد السوري، وربما نجد دعم روسي لمطالب أنقرة حول المنطقة الأمنة، وقد يصل التقارب التركي الروسي لأعلى مستوياته في الملف السوري، وإن هذا التقارب يأتي بسبب استياء تركيا من سياسة الولايات المتحدة في سوريا والخلاف حول الورقة الكردية، والدعم الأمريكي اللامحدود للأكراد في إقامة مشروعهم على الحدود التركية السورية وما دفع تركيا للمبادرة على التصالح مع روسيا هو الحفاظ على أمنها القومي والعمل على تقوية اقتصادها أكثر؛ لأن العمليات والتفجيرات الإرهابية الأخيرة التي ضربت تركيا أثرت على قطاع السياحة والاقتصاد بشكل عام.

ومن جهة أخرى يرى المحلل السياسي منصور الأتاسي أن حكومة أوردغان لاحظت أن التقارب مع روسيا ومع إسرائىل يسمح لها بلعب دور اكبر في الحياة السياسية في المنطقة.. وخصوصًا وأنها لم تستطع أن تحقق الأهداف التي أعلنتها مثل تحقيق منطقة آمنة ومنع الدول الكبرى من التعامل مع حزب صالح مسلم.. وأيضًا في تصديها لداعش الذي بدأ يضرب بقوة في تركيا وأن تركيا تتأمل في هذه المصالحات التي اندفعت إليها مع إسرائيل وروسيا- وقريبًا مصر- ستحقق لها دورًا إقليميًّا مقرراً، مستفيدة من علاقاتها المميزه مع السعودية وقطر.
مما سبق نستطيع التأكيد على أنه في الوقت الذي تتناقض فيه مصالح روسيا وتركيا بشكل مباشر في الصراع السوري نجدهما يحاولان التفاهم حول نقاط محددة كنوع من توافق المصالح، وأن هذا التوافق سيكون- بلا شك- على "جثة " الوطن السوري.