حرب الاستنزاف تتجدد بين الأطراف المتصارعة في حلب السورية
الثلاثاء 06/ديسمبر/2016 - 01:07 م
طباعة

يبدو أن الأطراف المتصارعة في حلب السورية مصرة على حسم الصراع بينها بمزيد من القتل والتدمير؛ حيث تم استعادة السيطرة على حي "الميسّر" الحلبي من قبل المعارضة المسلحة فيما اعتبر التقدّم الأول لهم أمام قوات النظام السوري، منذ أن بدأت عملية قضم الأحياء الشرقية قبل نحو أسبوع، بعد حصار دام مدة 100 يوم، شهدت فيه حلب المحاصرة كافة أنواع القصف.

الطبيعة الجغرافية لمناطق حلب المحاصرة، طبيعية متشابكة ومعقدة، ويصعب السيطرة عليها، وهذا ما يفسر هدوء الجبهات الداخلية (النظيرة لجبهات النظام داخل المدينة) لحلب على مدار 5 سنوات لم يحاول فيها الطرفان التقدم ولو بضعة أمتار، وذلك أن كلا الطرفين يعرفان عواقب التوغل والاقتحام؛ حيث استقرت الحدود الفاصلة بين المنطقتين في حلب، على شكل معين منذ نهاية العام 2012، بعد معركة الفرقان التي دخلها لواء التوحيد بقيادة عبد القادر الصالح، وحررت الأجزاء المعروفة من حلب المحررة، ولم تطرأ على تلك الخريطة إلا بضعة تغيرات طفيفة، منها ثكنة هنانو التي سيطر عليها الثوار لمدة يومين فقط ثم استعادها النظام، وحي الإذاعة الاستراتيجي الواقع على تلة مرتفعة؛ حيث استطاع النظام استعادتها آنذاك بعد فترة، وبقيت المناطق الأخرى على حالها، وبقي الخط المرسوم بين الطرفين واحداً هادئاً لم يتغير على مدار سنوات أربع.
وبدأت قوات الأسد عمليتها للسيطرة على الأحياء الشرقية قبل نحو أسبوع وتحديداً في يوم الأربعاء 30 أكتوبر وذلك بعد أشهر من الحصار والتجويع، لتبدأ من حي مساكن هنانو الواقع في الجزء الشرقي الشمالي من مدينة حلب (ككل)، وسيطرت عليه خلال يومين فقط وكشفت مصادر عن سهولة السيطرة على الحي، إنه من الأحياء التي تعرضت لقصف عنيف على مدار السنوات السابقة، وبات شبه فارغ من السكان، كما أن عامل المفاجأة لعب دوره أيضاً للثوار الذين لم يمتصوا الصدمة إلا بعد يومين أو ثلاثة عقب ذلك توغلت قوات النظام وسيطرت على حي "جبل بدرو، واقتربت من حي الصاخور، المواجه بطبيعة الحال لحي "سليمان الحلبي" المسيطر عليه من قبل النظام على الجهة الغربية، وبالسيطرة على الصاخور، قسمت قوات الأسد المناطق المحررة إلى جزئين (شمالي وجنوبي) الأصغر فيهما كان في الشمال، وضم الحيدرية، وبستان الباشا، والشيخ فارس، والهلّك.

وسرعان ما انسحب الثوار من تلك المناطق- الضعيفة بطبيعة الحال- وذلك بعد دخول قوات الـ YPG ومشاركتها النظام بقتال المعارضة المسلحة، من طرف حي الشيخ مقصود، فسقطت تلك الكتلة الشمالية برمّتها خلال يومين، بما فيها حي الصاخور وشكّل الانسحاب ونزوح المدنيين عبئاً جديداً على الأحياء الجنوبية؛ كونها استقبلت ساكني تلك الأحياء الساقطة بيد النظام، وأحدث ذلك كارثة إنسانية لانعدام توفر المساكن لهؤلاء، فضلاً عن الوضع المأساوي أصلاً لمجمل المدينة وتابعت قوات النظام التقدم، وسيطرت على حي "الميسّر، والقاطرجي، وقاضي عسكر، كما سيطرت على كتلة مباني المشافي التي التي تضم مشفى العيون، ومشفى الأطفال، تاركة حي الشعار الذي أبدى مقاومة شديدة بيد الثوار، وكاد ذلك الحي أن يقع في جيب مشابه للذي حدث في المناطق الشمالية.
وفي صباح يوم الاثنين 5-12-2016م شنت المعارضة المسلحة أول عملية هجوم على قوات الأسد والميليشيات المساندة لها، ونفذت عملية استشهادية، أسفرت عن تحرير مشافي العيون والأطفال، واستعادة السيطرة على حي "الميسّر والقاطرجي" وأجزاء من "قاضي عسكر" ليدخل الصراع مرحلة جديدة قد تكون مرحلة استنزاف طويلة لن يخرج منها النظام بسهولة بحسب مراقبين كما نفذت كتائب الثوار عدة عمليات، واستطاعت السيطرة على أحياء "كرم الطحان" و"دوار الحاووظ"، فضلاً عن تدمير عدة عربات وناقلات جند للنظام وبذلك يبقى نحو 25 ألف متر مربع هو تقريباً حجم المناطق المتبقية بيد الثوار حتى الآن، وهي مساحة ضخمة، وتضم عشرات الأحياء، والتي يتطلب اقتحامها من قبل النظام حرب استنزاف طويلة قد تمتد لسنوات حسب مصادر عسكرية.

وتضم تلك المناطق أحياء "باب النيرب، المرجة، الصالحين، المعادي، الكلاسة، الفردوس، كرم الدعدع، السكري، باب المقام، الميسر، القاطرجي، الشعار، قارلق، القطانة، قاضي عسكر، باب الحديد، جب القبة، أغيور، بستان القصر، العامرية، صلاح الدين، الزبدية، المشهد، الأنصاري الشرقي"، وتتميز تلك الأحياء وغيرها أيضاًـ بطبيعة جغرافية معقدة، تتداخل فيها البيوت والأبنية، وتتشابك الطرق بشكل غير مستقيم، ما يجعل الطريق وعرة أمام قوات النظام السوري بعد أن صنع وجود المعارضة المسلحة لمدة 5 سنوات في تلك المناطق، خبرة وعلم بطبيعة تلك الأرض، وما تم تجهيزه عبر تلك السنوات، قد يكون عائقاً حقيقياً أمام قوات النظام التي ستدخل حرب استنزاف لا خروج منها.
هذا في الوقت الذي أعلن قائد غرفة عمليات (فتح حلب)، الرائد "ياسر عبد الرحيم" عبر تسجيل صوتي بث على موقع "تويتر" يوم الاثنين 5-12-2016م، عن بدء الاستعدادات لعمل عسكري جديد من ريف حلب لفك الحصار عن أهالي مدينة حلب، متوعداً بمفاجآت من العيار الثقيل خلال أيام قليلة، وقال عبد الرحيم: "نعلم أن البلاء قد عظم، وأن الجهد قد بلغ بكم مبلغا عظيما، ولكنها لحظات التحول العظمى في تاريخ الأمة، لحظات يقف فيها أهل السنة اليوم في معركة وجود، في وجه تآمر دول العالم علينا، فإما أن نكون أو لا نكون، إما أن نعيش أحرارا، وإما أن نعود عبيدًا خدمًا للطائفيين الحاقدين ومن معهم وصحيح أن أخطاءً قد حصلت، وتقيراً وفوضى سببت لنا كثيراً مما نرى، ولكن هذا لا يعني ان نضيع هذه الأوقات الخطيرة بالتلاوم والمعاتبات والشتائم، في النهاية هؤلاء المجاهدون هم أبناؤكم وإخوانكم، وهم نتاج تربيتكم وثمار غرسكم، وها هم اليوم يبذلون مهجهم وأرواحهم ذوداً عنكم".

وعلى الرغم من نجاح الجيش السوري في السيطرة على نصف أحياء حلب الشرقية من الجهة الشمالية، وهو الآن يتقدم صوب الأحياء الأكثر اكتظاظا وتكدسا- إلا أن الأمر يثير مخاوف الأمم المتحدة التي وصفت، الوضع بالمخيف، وقال مسئول كبير بالتحالف العسكري الذي يقاتل دعمًا للحكومة السورية: "إن المرحلة التالية من حملة حلب قد تكون أشد صعوبة، خاصة وأن المناطق التي هي خارج السيطرة مكتظة سكانيًّا، وأنه رغم ذلك فإن الجيش مصر على استعادة شرق حلب بالكامل قبل تسلم الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب السلطة في يناير، في إطار جدول زمني تدعمه روسيا".
وأعرب رئيس العمليات الإنسانية في الأمم المتحدة ستيفن أوبراين عن غاية القلق على مصير المدنيين؛ بسبب الوضع المقلق والمخيف في مدينة حلب قائلا: "إن التقارير الأولى تشير إلى أن حوالي 16 ألف شخص نزحوا، والكثير منهم يواجهون أوضاعًا صعبة، ومن المرجح أن آلافًا آخرين ليس لديهم من خيار سوى الفرار في حال استمرت المعارك وازدادت حدة في الأيام المقبلة، وأن حوالي عشرة آلاف منهم توجهوا إلى غرب حلب، فيما فر ما بين أربعة آلاف وستة آلاف نحو حي الشيخ مقصود تحت سيطرة القوات الكردية ولا يشمل هذا العدد، الآلاف من المدنيين الذين نزحوا داخل الأحياء الشرقية خلال الأيام الثلاثة الأخيرة، ويعيشون ظروفًا مأساوية".

مما سبق نستطيع التأكيد على أنه يبدو أن الأطراف المتصارعة في حلب السورية مصرة على حسم الصراع بينها بمزيد من القتل والتدمير، وأن الضحية دائمًا هي الشعب السوري الذي يقتل يومياً.