الخيارات الصعبة أمام مسيحيي الشرق في رسالة بطريرك الكلدان

الخميس 22/ديسمبر/2016 - 05:36 م
طباعة الخيارات الصعبة أمام
 
أصدر البطريرك روفائيل ساكو بطريرك الكلدان رسالة عيد الميلاد، وتضمنت الرسالة إشارة إلى خيارات صعبة يعاني منها المسيحيون في الشرق، وخاصة في العراق، وجاء فيها: 
1- "أيتها الأخوات، أيها الإخوة، وسط همومِ العراقيين والسوريين وأبناء المنطقة؛ حيث الأطفال والمدنيون ضحايا الحرب القاسيّة، وملايين الأشخاص يهجّرون من بيوتهم، ويشرّدون من أرضهم ويعيشون مأساة حقيقية، والبيوت والبنى التحتية تدمّر، ها هو عيد ميلاد السيد المسيح يأتي من جديد ليُذَكِّرَنا بأهميَّة السلام والحاجة الماسّة إليه: "المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام". نداء يهدف إلى شحن همتنا وحماسنا لبناء السلام العادل والدائم لكلّ البشر، وترسيخ أواصر الأخوة والعيش معًا بعيداً عن التعصب والتطرف وأعمال العنف.
2- بشرى الرعاة في ليلة الميلاد هي بشرى لنا: "أبشركم بفرح عظيم ولد لكم اليوم مخلص هو المسيح الرب" (لوقا 2/10-11). إذًا لنوكل ذاتنا إلى هذه النعمة التي تمنحنا الطمأنينة والفرح. هذه بشرى وليست محضّ تمنِّ. إنها عنوان مشروع حياةٍ يُحقِّقُهُ من يقوى على فهمه ويجد فيه مسرّته، ومن له الشجاعة للمضي به إلى الأمام، يحققه من يولد من علُ، من الله، أي من يقف أمام ربه يطهِّر قلبه وفكره، ويوسع في داخله محبةَ الله ومحبة الآخرين!
3- أيتها الأخوات، أيها الإخوة، في ميلاد المسيح، يريد الله أن يكون إلهاً إنسانيا، لذلك دعي عمانوئيل، أي الله معنا، ويُريدُ من الأزل وإلى الأبد أن يكون الهاً بشريًّا، ولا يريد أن يكونَ الهاً من دون البشر. وقصةُ يسوع هي قصة الله بكلِّ أُلوهيَّتِه في سبيلنا، ومن أجلنا ومعنا لنكون أشخاصا أحرارا وسعداء. في الميلاد نرتل: ليلة الميلاد يُمَّحى البغضُ، ينبت الحب، تدفن الحرب. عندما نسقي عطشان كأس ماء، عندما نكسي عريان ثوب حب، عندما نجفف الدموع من العيون، عندما نملأ القلوب بالرجاء، نكون في الميلاد. عندما أقَبِّل رفيقي دون غش، عندما تموت فيَّ روحُ الانتقام، عندما يزول من قلبي الجفاء، عندما تذوب نفسي في كيان الله، أكون في الميلاد. إذا حين نخرج من نمط التفكير المتخلف ونعيش قيم المحبة والفرح هذه فيما بيننا نكون في الميلاد.
4- الميلاد يهدف إلى ارتقاء الإنسان والإنسانيّة والكون إلى حياةٍ جديدة، ومستقبل أفضل، كما دعا البابا فرنسيس قائلا: "فنعيش حياة عنوانُها السلام الذي تطمح له الإنسانية جمعاء وتنتهي فيها الحروب والصراعات". لذلك بات ضروريا أن يعمل المسئولون على مستوى العراق وعلى مستوى الإقليم على تحقيق الوفاق والوئام وبناء دولة مدنية حقيقية تحترم قيم المواطنة وحقوق الإنسان أيا كان، وتعيد النظر في المناهج التربوية القائمة وإرساء ثقافة جديدة ثقافة التنوير والأخلاقية الحميدة لكي تصبح قيمًا يتأسس عليها كل مجتمع سليم.
5- في هذا الميلاد وهذه السنة الجديدة 2017 التي سندشنها بعد أسبوع، أدعوكم إلى تكثيف صلواتكم من اجل وقف الحرب والآلام التي يُعاني منها الناس وخصوصا المدنيون في العراق وسورية واليمن وليبيا وفي كل مكان، وانطلاقاً من هذه الهموم أدعو المسئولين في العالم إلى أن يتحركوا بعزم في إرساء أسس السلام والعدالة وحماية حياة الناس وكرامتهم.
6- أيتها الأخوات، أيها الإخوة، بهذه المناسبة يطيب لي أن أعرب لكم عن تهانيّ وتمنياتي القلبية بعيد الميلاد المجيد، وعن قربي منكم. إنني في هذا العيد أضم صلاتي إلى صلاتكم ورجائي إلى رجائكم ليكون هذا العيد منعشًاً لآمال شعبنا في العودة إلى دياره وأرض أجداد وتاريخه وذاكرته. وهنا أود أن اشكر كل من مد يده للتخفيف عن معاناة المهجرين، واخص بالذكر حكومة إقليم كردستان والجمعيات الخيرية الكنسية والمجتمع المدني، كما اشكر أبطال الجيش العراقي والبيشمركة والحشد الشعبي والوطني وأبناء المكون المسيحي في تحرير كامل الأراضي العراقية التي احتلها تنظيم داعش.
7- أيتها الإخوات، أيها الإخوة، إنني أشعر بقلقكم وألمكم ومعاناتكم، وأفعل مع إخوتي الأساقفة والكهنة كل ما في وسعي للتخفيف عنكم. وفي هذه المرحلة المفصلية احثكم على التشبث بأرضكم والحفاظ على دوركم، والاستمرار في علاقتكم مع كافة مكونات المجتمع العراقي. وبدل الانكفاء على الذات والخوف والهجرة العشوائية، أشجعكم على الانخراط في المؤسسات الإنسانية والتربوية والاجتماعية والصحية والسياسية وغيرها بهدف المساهمة في إشاعة وتعزيز قيم التسامح وقبول الآخر والاحترام المتبادل والتلاقي والتعاون في إطار من الوحدة والتنوع لبناء أسس متينة لمجتمع مدني بعيد عن منهجية المحاصصة، يشرِّف بلدنا ويخدم مواطنينا.
8- هذه خيارات صعبة، هي مشروع بقاء أمام خطر ظهور صراعات جديدة تقسم الوطن والمواطنين، خيارات ينبغي أن تتحول إلى رسالة تعبر عن مشيئة الله لنا، وعلينا قبولها وتفعيلها بفرح لتتحول إلى منبع خير وسلام وازدهار. وإن كنيستنا سوف لن تألو جهدا لدعم هذا المشروع المنشود مع المرجعيات الدينية المسلمة ومنظمات المجتمع المدني وكل ذوي الإرادة الطيبة. عيد مبارك وكل عام وأنتم والعراق، وإقليم كوردستان والعالم بألف خير.

شارك