بعد نجاته من الموت.. من وراء اغتيال الملا عبد السلام ضيف في كابل؟
السبت 24/ديسمبر/2016 - 01:43 م
طباعة

نجا القيادي السابق في حركة طالبان الأفغانية الملا عبد السلام ضعيف، صاحب الكتاب الأهم عن الحركة وهو بعنوان "حياتي مع طالبان"، من هجوم مسلح استهدفه قرب مقره في العاصمة كابول، وهو ما يشير الي وجود نية لتصفية السجين السابق في سجن " جوانتنامو" ربما يكوم من الحركة التي كان أحد قيادتها او من عناصر من تنظيمات أخرى كتنظيم القاعدة و"داعش".
محاولة اغتيال الملا ضعيف:

وقد نجا القيادي السابق في حركة طالبان الأفغانية ومؤلف كتاب "حياتي مع طالبان" الملا عبد السلام ضعيف، مساء الجمعة13 ديسمبر، من هجوم مسلح استهدفه قرب مقره في العاصمة كابول، حينما كان في طريقه إلى المسجد.
وطبقا لما ذكرته وكالة "باجوك" الأفغانية السبت، نقلا عن نصرة الله، أحد سكان المنطقة، إنهم سمعوا طلقات نارية، بالقرب من منزل ضعيف، الليلة الماضية وهرع السكان إلى منازلهم بسبب الخوف، بالتالي لم يعرف أحد ما حدث بعد ذلك.
من جهته، قال صديق مقرب من ضعيف، يدعى محمد حسن حقيار، إن المبعوث السابق لطالبان لدى إسلام أباد وسجين "جوانتنامو" سابقا دائما ما كان يتوجه إلى المسجد، لأداء صلاة العشاء.
وأوضح، أن المهاجم انتظر ضعيف لاستهدافه، وهو في طريقه إلى المسجد، لكنه لم يكن في مسكنه، الليلة الماضية وكانت قد تمت دعوته لمكان ما.
وهاجم مسلحون على دراجة نارية منزل السيد ضعيف، وأطلقوا النار على غرفة الحراس ثم رموا قنبلة يدوية قبل أن يفروا من المكان.
وأدى الهجوم، بحسب مواقع أفغانية، إلى مقتل أحد حراس ضعيف.
من هو الملا ضعيف؟

الملا عبد السلام ضعيف هو أحد القيادات البارزة في حكومة طالبان وكان سفير النظام في باكستان، كما أنه أمضى فترة سجن لمدة 4 أعوام في معتقل "جوانتنامو" الأمريكي ومن ثم أطلق سراحه بطلب من الحكومة الأفغانية.
والملا ضعيف هو ابن قرية صغيرة اسمها زانغي اباد في محافظة بانجاوي في الجنوب الافغاني، احد اهم معاقل حركة طالبان الافغانية، لعائلة فقيرة.
وقد جاءت نشأة ضعيف في وقت كانت فيه افغانستان تشهد تحولات مهمة اجتماعية وسياسية، من ناحية انتشار الشيوعية بعد انقلاب محمد داوود ابن عم الملك ظاهر شاه اثناء تواجد الاخير للعلاج في ايطاليا.
وقد تقلي التعليم الديني، حيث كان والده اماما وعالما بالدين، وارسله لمدرسة القرية لتعلم مبادئ الدين. وبعد رحيل الاب عام 1975 في قرية رانعزيران، انتقل عبد السلام ضيف واخته الى اقاربهم في قرية اخرى.
وعندما غزا الاتحاد السوفيتي افغانمستانم كان عمره 11 عاما عندما غزا، مما اضطره للرحيل مع اقاربه الى باكستان والعيش في مخيمات اللاجئين، ويصور حياته هناك حيث تنقلت العائلة مع الكثيرين من مخيم الى اخر حتى استقرت في مخيم اسمه تشامان.
وفي عام 1983 وهو في عمر الخامسة عشرة والوصول الى قندهار، انضم الي الجهاد الافغاني ضد الاتحاد السوفيتي، حيث انضم الى جماعة من جماعات المجاهدين وقاتل لعدة اشهر ، ثم بحث عن جماعة لطالبان ينضم اليها وسمع عن وجود قائد طالباني يقاتل في "نيغليم" ووجد في قيادة ملا محمد صادق اخوند وضعا احسن بالنسبة له كمتدين، فهو يطلعنا على اختلافات جماعات المجاهدين من ناحية القيادة والعمل وكذا من ناحية الاهداف والطموحات، ولكنه يتحدث عن تعاون بين جماعات المجاهدين فيما بينها.
وفي فترة تدربه وقتاله مع طالبان قاتل على عدة جبهات في شمول وارغاناباد ومحلجت وزلخان ولكن اكثر معركة واقساها لطالبان كانت في مطار قندهار قرب خشاب عام 1988. وهي المعركة التي استشهد فيها العديد من أفراد طالبان وقادتها. ويصف ضعيف هنا طبيعة المعارك التي خاضتها الحركة مع السوفييت وتوازن القوى بين الطرفين من ناحية العدة القليلة في جانب جماعته والعتاد الكثيف من جانب السوفييت. واثناء هذه الفترة رشحه قائده لتلقي دورة عسكرية نظمتها ادارة المخابرات الباكستانية لجماعات محددة من المجاهدين وجاءت نتاجا لعلاقة قائده مع أحد قادة الجهاد الافغاني عبدالرسول سياف وهذه العلاقة الاولى التي ستتبعها مواجهات بينه وبين المخابرات الباكستانية التي يؤكد في ثنايا الكتاب انه ظل يراوغ ويؤكد استقلاليته عنها حتى عندما كان وزيرا للحرب وسفيرا لطالبان في اسلام اباد. من المواقف التي تشير لاختلاف طالبان عن الاخرين ان الملا لطيف اسد قندهار.
وبعد رحيل السوفييت واقتتال المجاهدين فيما بينهم، فقرر السفر الى باكستان حيث اقام قرب كويتا وهناك عمل في التجارة والبناء وواصل تعليمه، ولم تنقطع علاقته بقندهار التي اصبحت اقطاعيات لأمراء الجهاديين، ولكن عاد ملا ضعيف مرة اخرى الى افغانستان عام 1992 حيث اختار العمل كإمام في مسجد يعود للحاج كوشيكار اكا في قرية صغيرة لم يتجاوز عدد سكانها خمسة عشر تقع في حدود منطقة بانجاوي.
في طالبان

وفي اجتماع عقد في سانغيسار عام 1994 تم تشكيل حركة طالبان، حيث اقترح ملا محمد عمر، ومولوي محمد عطا وملا عبيدالله كقادة للحركة طالبان الوليدة، وتم تعيين مولوي عبدالصمد قائدا للحركة فيما اختير ملا محمد عمر قائد عسكريا لها.
وبعد سيطرة حركة طالبان على معظم افغانستان عمل ملا ضعيف في مؤسساتها في هيرات وكابول حيث عمل بوزارة الدفاع ونائبا لوزير الدفاع ووزيرا للصناعات الخفيفة والمعادن وفي وزارة المواصلات العامة، وفي عام 2000 عين كسفير لحكومة طالبان في باكستان 2000 التي ظل فيها حتى انهيار الامارة الاسلامية لحركة طالبان علي يد القوات الامريكية وحلفائها وتم اعتقاله من قبل السلطات الباكستانية في 2002 وتسليمه الي الولايات المتحدة وترحليه الي سجن جوانتانامو وحتي الافراج عنه في 2005 وعاد الي كابول.
"حياتي مع طالبان":

وللملا عبد السلام ضعيف كتابان، هما كتابه الأول "صورة جوانتانامو" ،وكاتب اخر هو "حياتي مع طالبان"، والذي أماط الملا عبدالسلام ضعيف، اللثام عن الكثير من الأسرار الهامة التي اعتبرها المحللون في الغرب بالغة الأهمية لصدورها عن شخص مهم داخل الحركة، كان واجهتها في التفاوض مع الغرب ونقل أخبارها وقراراتها للاعلام العالمي.
وبدأ كتابه بتصحيح ما اعتبره خطأ شائعا بأن "طالبان" ظهرت لأول مرة عام 1994 عندما تردد اسمها في الاعلام كمجموعة تحاول بسط الأمن والاستقرار في معقلها بقندهار التي صارت فيما بعد عاصمة دولتها السياسية ومقر أميرها الملا عمر.
ويقول ضعيف إن "طالبان" جمع في اللغة البشتونية للمفرد "طالب" وهو تعبير موجود منذ نشأة المدارس الدينية في أفغانستان التي يدرس فيها طلاب العلم الشرعي.
ويوضح أنه انضم إليها في فترة مبكرة من عمره لانجاز التزاماته الدينية وتحرير وطنه من الاحتلال السوفياتي في الثمانينيات، قائلا إن "طالبان" كانت بالنسبة له مختلفة عن فصائل حركات المجاهدين الأخرى، فقد كان اعضاؤها من الطلاب والمدرسين الشرعيين يقاتلون السوفيات من أجل عقيدتهم، فيما كان "المجاهدون" الآخرون يفعلون ذلك من أجل المال والأرض.
وخاض في الحياة الداخلية لطالبان قائلا إن الانخراط فيها يعني أكثر من كونه "مجاهدا" فهي تفرض تعليمات صارمة على كل مقاتل يحارب تحت لوائها بدون استثناء.
من أكثر الفصول إثارة تلك التي يتطرق فيها عبدالسلام ضعيف لأسرار الضغط على طالبان لتسليم زعيم القاعدة أسامة بن لادن بعد تفجيرات نيويورك وواشنطن في 11 سبتمبر.
ويقول إن فرانسيس فيندريل مندوب الأمم المتحدة اجتمع معه في مكتبه ليناقشه في أمر تسليم بن لادن مؤكدا له أن طالبان يجب أن تحترم قرارات المنظمة الدولية.
ورد عليه بأنه ليس الشخص المؤهل للتحدث في هذا الموضوع، سائلا بدهشة لماذا يجب على "إمارة أفغانستان الإسلامية" تسليمه لأمريكا، بينما ليس بينهما اتفاقيات قانونية لتسليم الأشخاص، بالاضافة إلى كونه يمثل الأمم المتحدة، فكيف يدعم مطلبا بلا أي أسس قانونية.
وأضاف أن فيندريل لم يجب على سؤاله، لكنه قال له "اسمع.. القرار تم اتخاذه، وإذا لم تسلموه فأمريكا ستأخذه بالقوة".
وفي "جوانتامو" يتعرض عبدالسلام ضعيف للفترة التي قال إنه تعرض فيها للتعذيب والانتهاكات المنافية لحقوق الانسان عندما تم سلمته باكستان للولايات المتحدة عام 2002 وتم ترحيله إلى سجن غوانتامو وهي المرة الثانية التي يتحدث فيها عن الاهانات البالغة والضرب الشديد الذي تعرض له هناك، بعد كتابه الأول.
وبدا حانقا بشدة على الاستخبارات الباكستانية التي سلمته بعد أن أخذته من بيته المجاور للسفارة في إسلام آباد، قائلا إنه شخص دبلوماسي لم يرتكب أي ذنب، والمفروض أن القوانين الدولية توفر له الحماية.
ضعيف الذي يعيش الآن تحت الحراسة في بيت متواضع غرب العاصمة كابل، يقدمه سيرته الذاتية في "حياتي مع طالبان" بما يعد سيرة ذاتية للحركة وشاهدا تاريخيا على الأحداث التي عاشتها أفغانستان، وعرضا لطبيعة طالبان الحقيقية بأسلوب روائي، كبدبل عن الرؤية التقليدية السائدة.
قام بترجمة الكتاب إلى الانكليزية أليكس استريك فان لينشوتن، وفيلكس كوين، حيث قامت باختيار وتجميع المواد ووضع تأريخ زمني دقيق، وتوفير قائمة بالشخصيات والخرائط الإقليمية والتسلسل الزمني لحياة ضعيف، وأمضيا أربع سنوات يدققان في المذكرات لضمان توثيقها بأدلة دامغة ولكي يتجنبا ما قد يعتبره البعض دعاية لطالبان.
من وراء استهداف الملا ضعيف:

يبدو ان استهداف ضعيف ربما ياتي من قبل رفقائه في حركة طالبان، والذي شهد كثيرا من تأسيسها واقترابه من مؤسس الحركة الملا عمر، أو من قبل خصومه من التيارات الاسلامية والمتشددة المختلفة، من القيادات التي شاهدت مرحلة الجهاد ضد الغزو الافغاني او دخلت في صراع مع حركة طالبان خلال فترة (1996-2001) والتي سيطرت الحركة علي اجزاء كبيرة من الدولة الافغانية، او الجماعة الارهابية كتنظيم "القاعدة" او تنظيم "داعش" او الجماعات الأخري، وهو ما يشير إلي أن الملا ضعيف كان هدف لبعض خصومه من السياسيين والدينيين لإسكات صوته عما يعرفه من اسرار عن طالبان والجماعات الجهادية.