دراسة حديثة: تركيا لا تريد مواجهة داخل إدلب وهدفها منع الأكراد من تحقيق طموحاتهم
السبت 14/أكتوبر/2017 - 02:02 م
طباعة
كشفت دراسة جديدة عن التحرك التركي الجديد فى ادلب السورية يطرح دلالة مهمة تتعلق بأن ثمة تحولاً نسبيًا في الأهداف أو الأولويات التركية داخل سوريا، من دعم المعارضة السورية المختلفة ضد نظام بشار الأسد إلى المواجهة مع الأكراد. واللافت هنا، أن هذا المتغير كان كفيلاً بدعم التقارب مع إيران، وهو ما بدت تجلياته واضحة في الترتيبات المشتركة التي توصل إليها الطرفان للتعامل مع تداعيات نتائج الاستفتاء الذي أجراه إقليم كردستان العراق في 25 سبتمبر الفائت.
وقالت الدراسة التى جاءت عنوان (أولويات متغيرة: أهداف تركيا من التدخل العسكري في إدلب) الصادرة عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة يوم الخميس, 12 أكتوبر, 2017 يتواصل الحشد العسكري التركي في محافظة إدلب السورية، في أحدث تمركز عسكري شرقي البلاد، وفقًا لتفاهمات الجولة السادسة من محادثات الآستانة، التي ركزت على إنشاء رابع منطقة لخفض التصعيد والتي تشارك فيها تركيا للمرة الأولى. وقد زعمت أنقرة أن قيامها بهذا الدور الجديد يهدف إلى تحسين الأوضاع الإنسانية للمدنيين، إلا أن الهدف الأهم الذي تسعى الأخيرة إلى تحقيقه يتمثل في الحيلولة دون تأسيس المشروع الكردي المتاخم لحدودها من منطلق اعتبار ميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) التي تتمدد في تلك المناطق منظمة إرهابية، بما يعني أن تركيا تسعى من خلال تدخلها العسكري في إدلب إلى عزل الأكراد ومنعهم من الوصول سواء إلى مناطق داخل سوريا خاصة عفرين غربي حلب، أو إلى الحدود المشتركة مع تركيا.
وتابعت هذا التحرك التركي الجديد يطرح دلالة مهمة تتعلق بأن ثمة تحولاً نسبيًا في الأهداف أو الأولويات التركية داخل سوريا، من دعم المعارضة السورية المختلفة ضد نظام بشار الأسد إلى المواجهة مع الأكراد. واللافت هنا، أن هذا المتغير كان كفيلاً بدعم التقارب مع إيران، وهو ما بدت تجلياته واضحة في الترتيبات المشتركة التي توصل إليها الطرفان للتعامل مع تداعيات نتائج الاستفتاء الذي أجراه إقليم كردستان العراق في 25 سبتمبر الفائت.
لكن تظل هناك تحديات عديدة قد تواجهها تركيا في محاولاتها تحقيق أهدافها، رغم الاستعدادات التي أبدتها وتكتيكات التحرك والانتشار التي تعمل بها، ينصرف أبرزها إلى تأثيرات هذه الخطوة على العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تشهد توترًا ملحوظًا، بسبب التباين في التعامل مع الدور الذي تقوم به الميليشيات الكردية داخل سوريا، وهو التوتر الذي قد يتفاقم في حالة ما إذا اندلعت اشتباكات واسعة بين القوات التركية والكردية خلال الفترة القادمة. فضلاً عن التصعيد المحتمل بين التنظيمات الإرهابية والمسلحة في هذه المنطقة، والذي قد يؤدي إلى انهيار الترتيبات الأمنية التي تم التوصل إليها.
ملامح متعددة:
تركز تركيا تواجدها العسكري في ثلاث مناطق: الأولى، هى منطقة التمركز في منتصف إدلب، وهى المنطقة التي تشكل مركز قيادة العمليات الرئيسي داخل سوريا الذي يشهد تعزيزات عسكرية متوالية وصلت إلى نحو 850 عسكريًا. والثانية، هى منطقة هطاى التركية المتاخمة للحدود المشتركة مع سوريا وأقرب نقاط التماس مع إدلب، حيث ينتشر فيها نحو 25 ألف من القوات التركية. والثالثة، ستكون باتجاه عفرين، بهدف حصارها عسكريًا وعزلها عن نقاط التواصل مع باقي المناطق التي يطمح الأكراد في ضمها إلى "روج آفا".
وتشير بعض التقارير التركية والسورية، خاصة القريبة من قوى المعارضة، إلى أن هناك تنسيقًا بين قوات تابعة لـ"الجيش السوري الحر"، والتي قد يصل عددها إلى نحو 1500 مقاتل، وبين القوات التركية، التي سوف تشرف على العمليات العسكرية التي ربما تشارك فيها الأولى، حيث يبدو أن "الجيش السوري الحر" يرى، وفقًا لتلك التقارير، أن هذا التكتيك يمكن أن يعزز من قدرته على العودة إلى مناطق النفوذ التي تنتشر فيها بعض قوى المعارضة والتنظيمات الإرهابية.
وقد اندلعت اشتباكات بين بعض المجموعات التي تنتمي إلى "هيئة تحرير الشام"، التي تحظى بالنفوذ الأقوى على الساحة في إدلب وبين مقدمة القوات التركية في منطقة كفر لوسين على الحدود بين سوريا وتركيا، إلا أن تقارير أخرى كشفت بعد ذلك أن هذه الاشتباكات كانت محدودة، بل إنها لم تستبعد وصول تلك المجموعات إلى تفاهمات مع القوات التركية، وهو ما يمكن أن يفسر تأخر الدخول العسكري لإدلب، والذي كان متوقعًا منذ عدة أسابيع، حيث ترجح اتجاهات عديدة أن يصل الطرفان إلى اتفاق على تجنب التصعيد بينهما.
خطوات استباقية:
تسعى تركيا إلى منع تأسيس "كوباني جديدة" حسب تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي قدم تبريرات عديدة للتدخل العسكري التركي في إدلب منها منع التهديدات الأمنية التي يمكن أن تتعرض لها تركيا من تلك المنطقة.
ويبدو أن تركيا تحاول في هذا السياق ربط منطقتى عفرين وإدلب إلى جانب قطع الطريق على اتصال المناطق الكردية في الحسكة وقامشلى وعفرين، وهو ما ألمح إليه الرئيس أردوغان بقوله أنه "لن يسمح بإقامة ممرات للإرهاب على حدود البلاد الجنوبية"، وأكد عليه أيضًا رئيس الوزراء بن على يلدريم بالإضافة إلى وزيري الخارجية والدفاع، بما يزيد من احتمالات اندلاع مواجهات عسكرية مع ميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية"، في حال واصلت أنقرة مساعيها لضم عفرين، التي تشكل لديها أولوية قصوى في مشروعها الحالي، خاصة وأنها شهدت قبل أسابيع أيضًا انتخابات "الكومونات" الكردية (مجالس الأحياء)، والتي تمثل أولى خطوات التقسيم الإداري للإقليم الذي يسعى إليه الأكراد.
تحديات محتملة:
لكن هذه الجهود التي تبذلها تركيا في المرحلة الحالية قد تواجه تحديات رئيسية ثلاث: يتمثل أولها، في تزايد احتمالات تصاعد حدة التوتر في العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي ما زالت تعول على الميليشيات الكردية في الحرب ضد تنظيم "داعش". وينصرف ثانيها، إلى صعوبة تأمين الأطراف في إدلب، خاصة أن التوتر الذي تتسم به العلاقة بين "الجيش السوري الحر" وفصائل "هيئة تحرير الشام" ربما يهدد الترتيبات القائمة، وهو ما قد يفرض مزيدًا من الضغوط على تركيا التي سوف تواجه في هذا السياق خيارات ضيقة، لا سيما في ظل تزايد احتمالات استمرار التوافق مع "هيئة تحرير الشام" التي حشدت مقاتليها في أطمة الحدودية شمال إدلب، بعد أن وجهت تهديدات إلى "الجيش السوري الحر" بالدخول في مواجهات مسلحة مع مقاتليه.
ويتعلق ثالثها، بالتداعيات المحتملة التي قد يفرضها الصدام العسكري مع الميليشيات الكردية على العلاقات مع روسيا، التي يفترض أن تمارس دورًا في الفصل بينهما على الحدود طبقًا لما أسفرت عنه المحادثات التي أجرتها الأخيرة مع كل من إيران وتركيا في الآستانة.
وفي النهاية، يمكن القول إن تركيا تبدو حريصة على عدم المسارعة بالدخول في مواجهات مفتوحة داخل إدلب في الفترة الحالية، انتظارًا لما سوف تسفر عنه التفاهمات الأخيرة التي قد يتم التوصل إليها مع الأطراف المختلفة، سواء إيران وروسيا ونظام الأسد، أو الميليشيات الإرهابية والمسلحة. فضلاً عن أن أولوياتها الحالية لا تتمثل في مواجهة تنظيمات إرهابية مثل "هيئة تحرير الشام"، وإنما تركز على منع الأكراد من تحقيق طموحاتهم، بشكل يدفعها إلى التريث من أجل استشراف ردود فعل الأطراف المعنية تجاه تصعيدها المحتمل ضد الميليشيات الكردية في المرحلة القادمة.