الدولة المدنية وهواجس الدولة الدينية في مجلة الثقافة الجديدة

الأربعاء 02/مايو/2018 - 12:18 م
طباعة الدولة المدنية وهواجس
 
تقدم مجلة الثقافة الجديدة من حين لاخر ملفات مهمة جدا في مجالات الفكر وتجديد الخطاب الدينى .وللاسف الشديد فهذه المجلة المهمة بحق  يصعب العثور علي اعدادها لانها تطبع كميات قليلة ومازال سعرها بسيط جدا " جنيهان " ومن منطلق اهمية ما تقدمها هذه المجلة نتمني من وازرة الثقافة دعمها بشكل جاد وطبع المزيد من اعدادها لتكون متاحة للقاريء حتى لو ارتفع سعرها  .والعدد الاخير صدر رقم (331) من مجلة "الثقافة الجديدة"، التى تصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، ويرأس تحريرها الشاعر سمير درويش،ضم  ملف تحت عنوان: مفهوم الدولة المدنية، شارك فيه كل من: الدكتورة سامية سلام، والدكتور محمد عبده أبو العلا، والدكتور صابر عبد الحكيم حداد، والدكتور حمدى الشريف، والدكتور محمود عرابى، وهانى عبد الفتاح، وأيمن محمد رجب، ووليد عبد الماجد كساب.
وحمل مدخل رئيس التحرير عنوان "عن ضرورة الدولة المدنية"، ومنه: "الدولة المدنية ليست ضد الدين بالضرورة، كما أن الداعين إليها ليسوا كفارًا، ولكنها تعنى -فى أبسط تعريفاتها- أن الدين شأن شخصى، علاقة بين العبد وربه سيسأل عنه وحده يوم الحساب، ولا يحق -لذلك- لإنسان أن يجبر آخر على اعتناق دين دون آخر، ولهذا فإن الدولة التى توجد على أساس جغرافى حديث، تضم أناسًا لهم اعقادات شتى، يتبعون الديانات التى يقتنعون أنها الأسلم والأحق، يجب أن تقف -كسلطة مدنية- على مسافة واحدة من الجميع".
ويقول الباحث محمد عبده ابو العلا في مقال بعنوان " ما الدولة المدنية " ؟ ان الدولة ولدت مدنية فميلاد الدولة المدنية يعني ميلاد المجتمع المدني من حالة طبيعية ذلك المجتمع الذي يخضع للتنظيم السياسي اي يخضع لنسق من القواعد العامة " مباديء الدستور"  التى تكفل السلام والعيش المشترك بين جميع اعضاء المجتمع علي اختلاف الوانهم واديانهم وانتماءتهم السياسية والايدلو جية والثقافية  والحكومة المدنية هي التي تصون وتعزز المجتمع المدني بهذا المعني وفي حالة تقصيرها او عدم قيامها بهذه المهمة فانها نصبح عبئا علي المجتمع بل خطرا علي السلم العام ووحدة نسيج المجتمع 
اما الدكتور صابر عبد الحكيم حدد فكتب مقال بعنوان الملامح العامة للدولة المدنية في مصر "اكد فيه ان الدولة المدنية تستند علي خمسة مقومات هب المواطنة – سيادة القانون – عدم التمييز بين المواطنين-الحرية واحترام حقوق الانسان –والتدوال السلمي للسلطة  والمواطنة في جوهرها تعني التسامح واحترام الاخر وقبوله رغم تنوعه واختلافه .وفي مصر الحديثة ظهرت الافكار الاصلاحية التي ترفض السلطة الدينية وتدعو الي الدولة المدنية ولا شك ان هذه الافكار الاصلاحية كانت ضربة قوية المدافعين عن الخلافة العثمانية  وهذا ما اثار الحركة الاسلامية التي هبت بقوة للدفاع عن الخلافة الاسلامية الضائعة وهو ما كان حاضرا بقوة في كتابات رشيد رضا وابي الاعلي المودودي وحسن البنا وعبد القادؤر عودة وسيد قطب الذين اكدوا جميعا علي حاكمية الله ومعاداتهم لمفاهيم الديمقراطية والحقوق المدنية التي اعتبروها بضاعة غريبة لا تناسب الاسلام والمسلمين واحتدم النقاش في مصر الحديثة عندما تبنت النخبة المثقفة وقتئذ نظرية ( الامة هي مصدر السلطات )وبعد ثورة يوليو 1952 ظهرت اصوات من الذين عاشو وتعلموا في اورويا تطالب بالدولة المدنية وعاد المفهوم ايضا يعد ثورة يناير لمواجهة الاسلامين  .وهذا الصراع مازال قائما 
وكتب الدكتور محمود عرابي مقال بعنوان " الدولة المدنية وثقافة التعايش " وقال فيه لا يمكن ان تنموا او تتطور المجتمعات في ظل الصراعات بين العرقيات والايدلو جيات والاديان  والدولة المدنية هي دولة تحافظ وتحمي كل اعضاء المجتمع علي اختلاف انتماءتهم  وقد واجهت مصر بعد 25 يناير وبعد فترة حكم المجلس الاعلي للقوات المسلحة تقلدت جماعة الاخوان المسلمين مقاليد الحكم وحاولت السيطرة علي مفاصل الدولة ولكنها عجزت عن القيام بدولة دينية 
ومن المقالات المهمة التى ضمها العدد مقال هواجس الدولة الدينية الذى كتبه وليد عبد الماجد كساب وجاء فيه 
ما إن قامت ثورة الخامس والعشرين من يناير وأجريت الانتخابات النيابية مسفرة عن فوز كبير للإسلاميين في مصر حتي بدأ الحديث عن الدولة الدينية والحكم الثيوقراطي‏..وشرعت كثير من القوي السياسية والفكرية في التخويف من الإسلاميين, أحيانا عن جهل منها بأصول الحكم في الإسلام, وأحيانا أخري عن تعمد واضح لطمس الحقائق وإظهار الخصوم بوصفهم متهمين.
وقبل الاسترسال في هذه القضية لابد أن نشير إلي أن( الدولة الدينية)- كما يراها الغرب- صورة مستنسخة لما كان عليه نظام الحكم الذي عرفته أوروبا إبان العصور الوسطي, حيث ساد الاعتقاد بأن الحاكم مفوض من الله ووكيل له في أرضه, ومن ثم لا تجوز مخالفته ولا مراجعة قرراته ولا الخروج عليه أو عزله, وهو ما جعل للكنيسة اليد الطولي في الحكم, فقد كانت تشرع وتعاقب وتحاكم وتفعل ما تريد باسم الدين, فتأخرت أوروبا في وقت كان العالم الإسلامي ينعم فيه بنهضة حضارية لم تشهد الدنيا نظيرا لها آنذاك, حتي إن شوارع الأندلس كانت تضاء ليلا قبل أن يعرف العالم كله إنارة الشوارع.
والحقيقة أن( نظرية التفويض الإلهي)- بمعني أن يزعم الحاكم أنه مفوض من قبل السماء, ملحوظ بعنايتها- ليست منتجا إسلاميا; بل عرفت قبل ذلك في الهند والصين, ومصر الفرعونية, والإمبراطورية الرومانية, وغيرها من حضارات العالم القديم, ويكفي أن نعلم أن أول من سك مصطلح( الثيوقراطية-Theocracy) هو جوزيفوس فلافيوس(JosephusFlavius) في القرن الأول الميلادي لوصف الحكومة القائمة عند اليهود.
أما( الدولة) في التصور الإسلامي فالأمة فيها هي الحاكمة وهي مصدر السلطة, ولم لا؟! فهي التي تختار حاكمها وتشير عليه, وتنصح له وتعينه, وتعزله إذا ضل أو حاد عن جادة الطريق, والخليفة في الإسلام ليس نائبا عن الله, ولا وكيلا له في الأرض, كما كان الحال في( أوروبا الظلام); بل هو وكيل الأمة ونائب عنها. ولذلك فقد نص الفقهاء المسلمون علي أن الإمامة أو الخلافة عقد بين طرفين هما الأمة والحاكم, وبالتالي فإن كل ما يصدر عن الحاكم من تصرفات إنما يستمد شرعيته من إرادة الأمة, وهو ما يعرف في الاصطلاح الدستوري الحديث بأن الأمة مصدر السلطات.
إن الشواهد التاريخية علي بطلان الحكم الديني في التصور الإسلامي كثيرة نذكر منها:
أن مبدأ الشوري يهدم فكرة الحكم الديني من أساسها, ولو كان النبي- صلي الله عليه وسلم- حاكما مفوضا من قبل الله تعالي لما أمر بمشاورة أصحابه. ورغم هزيمة المسلمين في غزوة أحد بسبب مخالفتهم أمر الرسول صلي الله عليه وسلم, فقد جاء التوجيه القرآني حاثا له علي الاستمرار في مشاورة أصحابه; قال تعالي:( وشاورهم في الأمر) لتأكيد المبدأ وترسيخه كأهم أدوات الحكومة الإسلامية.
أنه لا عصمة لأحد في الإسلام, ولا يتصور أن أحدا يملك التفويض الإلهي دون أن يكون معصوما من الخطأ!! كما أن الإسلام لا يعرف الكهنوت ولا الوساطة بين العبد وربه.
عندما تولي أبوبكر الصديق رضي الله عنه- الخلافة خطب خطبته الشهيرة التي قال فيها:( إنما وليت عليكم ولست بخيركم... فإن أصبت فأعينوني وإن أخطأت فقوموني). إن الخليفة هنا يؤكد أنه بشر من البشر يصيب ويخطئ, وأنه في الحالين جميعا يحتاج إلي مساندة الأمة: دعما ومؤازرة عند الصواب, ومراجعة وتقويما عند الخطأ.
شهدت بعض فترات الحكم الإسلامي توظيفا خاطئا للدين وانحرافا واضحا عن تصوره لنظام الحكم, كما حدث أيام الدولة الفاطمية الشيعية التي خاطب أحد شعرائها الخليفة الحاكم بأمر الله( ت114 هـ) قائلا:
ما شئت لا ما شاءت الأقدارفاحكم فأنت الواحد القهار
إلا أن ذلك لا يمثل حقيقة الحكم الإسلامي, وهو أمر عارض لا يقاس عليه, فأي منهج لا يعيبه سوء تطبيقه بأي حال من الأحوال.
وهكذا يتبين لنا أن الخلاف بين الدولة الدينية والدولة المدنية في صورتها الإسلامية خلاف بين نقيضين لا مجال للمقارنة بينهما; ومن ثم تبدو الدعوة إلي دولة( لائكية) لا دين لها أمرا غير مقبول, تماما كما أن الدعوة إلي دولة دينية علي الطراز الأوربي في عصورها الوسطي الظلامية أمر غير مقبول.
إن الدولة التي نريد هي الدولة التي أجمل أمير الشعراء أحمد شوقي خصائصها قائلا:
والدين يسر والخلافة بيعةوالأمر شوري والحقوق قضاء

شارك