مدخل لفهم طبيعة انتشار الإخوان في السودان وعلاقتهم بالتنظيم الأم
الأحد 11/نوفمبر/2018 - 03:43 م
طباعة
مقدمة:
شهدت العلاقات المصرية السودانية في الآونة الأخيرة بداية من النصف الثاني لعام 2018، حالة من التواصل الإيجابي والهدوء، انعكس في زيارات متبادلة لكبار المسئولين في البلدين توج بلقاءين في القاهرة والخرطوم بين الرئيسين السيسي والبشير، واعلان كلا الطرفين عن حرصهما ورغبتهما في تحسين العلاقة الحيوية والممتدة بين الدولتين والشعبين.. وهو تطور ايجابي ومهم للمصالح والروابط العميقة بين مصر والسودان.. وفي المقابل فإن تخفيف أجواء التوتر والتلاسن بين البلدين لا يلق ارتياحا أو قبولا من جماعة الإخوان المسلمين وكافة التيارات الدينية المتشددة والارهابية، بل يزيد من هواجسها ومخاوفها، خاصة عناصر وقيادات جماعة الإخوان والجماعة الإسلامية المصرية التي اتخذت من السودان ملجأ ومأوى، عقب تورطها في مخططات وعمليات ارهابية ضد مصر.
وتشكل جماعة الإخوان في السودان حاضنة أساسية للتنظيم الأم في مصر، خاصة بعد أن نفضت يدها من الدعوة لتنشغل بالعمل السياسي، وأصبحت ملاذًا آمنًا للإخوان الهاربين من مصر بعد ثورة 30 يونيو 2013م ونحاول في هذه الورقة البحثية التعرف على الجماعة منذ انتقلت تلك الدعوة إلى السودان، وشرع أنصار الفكر الإخواني في نشره، حتى غمر الفكر الجديد كل أرجاء البلاد خلال سنوات قلائل لتتحول السودان مع مرور الوقت معقلًا للتنظيم الدولي الداخلي والوافد.
وقد شكل سقوط الإخوان في مصر ضربة موجعة لجميع الحركات الإسلامية في العالم العربي؛ لأنهم يدركون بأن هذا السقوط سيلقي بظلاله على جميع الأنظمة الإسلامية العربية وترك صورة سيئة جدا عن الإسلام السياسي، خصوصا وأن المنطقة قد شهدت نظاماً فاشياً في إيران، والذي تمثل أيضًا بالإسلام السياسي والتي طبعت أبشع انطباع عن تلك الأنظمة.
أولًا: النشأة والتأسيس :
يمكن اعتبار عام 1944 هو بداية التأسيس لجماعة "الإخوان" في السودان، عندما ثم أرسل حسن البنا وفداً من إخوان مصر، لاستطلاع الأمر في السودان ونشر الدعوة، وكان من بين هذا الوفد الطالب السوداني جمال الدين السنهوري الطالب في كلية الحقوق؛ حيث طاف بعدة مدن يدعو ويبشر باسم الإخوان المسلمين، شارحاً أفكار الإخوان، وبعد عامين أرسل البنا إلى السودان وفداً عالي المستوى، برئاسة السكرتير العام للإخوان المسلمين عبد الحكيم عابدين، وطاف هذا الوفد الإخواني كل مدن السودان الكبيرة، رافعاً راية الدعوة إلى الإسلام باسم الإخوان المسلمين وخلال تلك الفترة تم اتصال بين البنا وعلي طالب الله ودارت بينهما مكاتبات، كوّن على إثرها "طالب الله" أول أسرة للإخوان، مستوحياً برنامجه إلى حد ما من منهج الإخوان في مصر.
في أبريل 1949، ظهر أول فرع للإخوان في السودان، خلال دراسة الطلاب السودانيين في مصر، حيث تعرف الكثير منهم على أيديولوجيا "الإخوان"، وأخذوا يبشرون بها في السودان، وخلال الأربعينيات بدأ نشاط مجموعات الإخوان داخل الجامعات السودانية وكان الطلاب الجامعيين هم الدعم الأكبر للحركة، وحاول التنظيم الوليد في السودان توحيد المجموعات المقتنعة بالفكر الجديد، تحت منظمة واحدة؛ حيث أقيم مؤتمر عام 1954م، وتم تسمية المؤتمرين باسم الإخوان المسلمين، وكان عبارة عن مجموعات مختلفة ممثلة للإخوان لها نفس الفكر، وصوت المؤتمر على إنشاء منظمة موحدة تتبنى أفكار الأب الروحي لجماعة الإخوان حسن البنا. (1)
في نفس الوقت نشأت عام 1949 في كلية جردون التذكارية (التي أصبحت جامعة الخرطوم عام 1956) حركة إسلامية موازية أطلقت على نفسها مسمى حركة التحرير الإسلامي، وكان من أبرز قادتها محمد يوسف محمد وبابكر كرار، وقد التقى قادة الحركة بوفد زائر من حركة الإخوان في عام 1952 وتحاوروا معه مطولًا حول اقتراح بالالتحاق بالحركة بحيث تصبح فرعًا لها بالسودان على غرار ما تم في الأردن وسوريا والعراق وغيرها، ولكن اللقاء انتهى بدون اتفاق؛ حيث أصر السودانيون على ضرورة الاحتفاظ باستقلالهم، مبررين ذلك بحساسية أعضائهم ذوي الخلفية المهدوية من أي شيء له علاقة بمصر.
ولكن هذا التمنع لم يدم طويلًا، خاصة وأن الطبيعة الهلامية للتنظيمات المتنافسة شجعت التداخل بينها؛ حيث كان بعض أعضاء حركة التحرير يرتادون منتديات حركة الإخوان التي كان يتزعمها علي طالب الله، ويقرءون رسائل البنا وغيرها من أدبيات الإخوان، بينما كان المنتمون للإخوان يتعاونون مع الحركة، وقد نتج عن هذا انجراف غير مرئي من الحركة باتجاه الإخوان، لدرجة أنه صار من الصعب التمييز بين التيارين، وقاد هذا بدوره إلى استقالة زعيم حركة التحرير الإسلامي بابكر كرار في أواخر عام 1952 احتجاجًا على هذا التقارب من الإخوان. وفي أغسطس 1953 قرر كرار العودة وتدبير "انقلاب" ضد الإخوان؛ حيث دعا لاجتماع حضره قرابة أربعين من أنصاره قرر إعادة التأكيد على اسم حركة التحرير الإسلامي وبرامجها التي تتمحور حول الاشتراكية الإسلامية، وأكد الاجتماع على رفض اسم الإخوان المسلمين، كما قرر فصل أعضاء القيادة المتعاطفين مع الإخوان وقد أدى هذا التحول إلى اضطراب شديد في عضوية الحركة (أو بالأحرى الحركات) المتداخلة واستقالات جماعية وفترة من عدم الوضوح. وقد جرت محاولة لحسم هذه الخلافات بعقد مؤتمر آخر في أغسطس 1954، اشتهر بمسمى مؤتمر العيد، قرر تسمية الحركة رسميًّا باسم الإخوان المسلمين وانتخب لها قيادة جديدة على رأسها أمين عام محمد خير عبد القادر.
ولكن هذا الإجراء أدى إلى مزيد من الاضطراب والانشقاقات؛ حيث أعلنت مجموعة كرار انفصالها وأطلقت على نفسها اسم الجماعة الإسلامية (تحول الاسم فيما بعد إلى الحزب الاشتراكي الإسلامي)، بينما اعترضت مجموعة علي طالب الله على المؤتمر ونتائجه وتمسك طالب الله بشرعية قيادته للحركة بسند تكليف البنا له، وقد قامت وفود مصرية بزيارتين للخرطوم في عام 1955 للوساطة بين المتنازعين، وكنتيجة لذلك تمت تسوية الخلافات جزئيًّا وتم انتخاب قيادة جديدة من أنصار طالب الله؛ حيث أصبح المحامي الرشيد الطاهر بكر المراقب العام وتحت قيادة الطاهر قادت الحركة حملة ناجحة لتشكيل ما عرف بـ "الجبهة الإسلامية للدستور" قادت حملة لحشد الدعم السياسي والشعبي لفكرة الدستور الإسلامي، واستمرت قيادة الرشيد الطاهر للحركة حتى عام 1959؛ حيث ألقي القبض عليه بتهمة تدبير محاولة انقلابية ضد حكومة الفريق إبراهيم عبود التي كانت قد جاءت إلى الحكم بدورها بانقلاب عسكري في العام السابق وقد صدمت حكومة عبود الرأي العام السوداني بتنفيذها حكم الإعدام في خمسة من العسكريين المشاركين في المحاولة الانقلابية في سابقة هي الأولى في السودان المستقل، ولكن الرشيد الطاهر الذي ضبط وهو ينقل بيان الانقلاب في سيارته الخاصة نجا من الإعدام وحكم عليه بالسجن خمس سنوات، وقد أدى سجن الطاهر إلى اضطراب جديد في أمور الحركة؛ حيث تبرأ زملاؤه في القيادة مما قام به، بحجة أنه لم يخطرهم بالتفاصيل كما أنه أشرك ضباطًا شيوعيين في المحاولة وعليه قرر هؤلاء تنحية الطاهر من منصب القيادة وإنشاء قيادة جماعية. (2)
ومنذ ذلك التاريخ تغير اسم جماعة الإخوان إلى المسميات التالية:
1- جبهة الميثاق الإسلامي 1964 - 1969
وكانت عبارة عن تحالف إسلامي بين الإخوان المسلمين والسلفيين والطريقة التجانية الصوفية، وتكون هذا التحالف لخوض انتخابات 1964، هذا التحالف لم يلغ اسم الإخوان المسلمين بل كانوا جزءا منه، وكان يقود المكتب التنفيذي حينها الراحل محمد صالح عمر وزير الثروة الحيوانية.
2- جبهة الميثاق الإسلامي أو الإخوان 1969 - 1979
في عام 1969 تم انتخاب د. حسن الترابي أمينًا عامًّا لجماعة الإخوان المسلمين، وخرجت قلة من الجماعة رافضة هذا الانتخاب، منهم محمد صالح عمر والشيخ محمد مدني سبال والشيخ جعفر الشيخ إدريس والشيخ برات الذي كان يكفر د. الترابي ويدعو الناس لعدم الصلاة خلفه والشيخ علي جاويش وكانوا بعد ذلك النواة لجماعة الإخوان الحالية، وبعد عقد المصالحة الوطنية دخلت الأحزاب- ومنهم الإخوان- الحكم 7/7/1977، وقام الترابي بحل تنظيم الإخوان المسلمين.
3- الجبهة الإسلامية القومية 1986 - 1989
شكل الدكتور حسن عبد الله الترابي الجبهة الإسلامية القومية، ولم يكن كثير من الناس يفرقون فعليًّا بين الإخوان المسملين وبين حسن الترابي، وكانت أهداف الترابي الرئيسية هي أسلمة المجتمع وتأسيس حكم الشريعة الإسلامية في السودان، واخترق البرلمان والحكومة والجيش والمنظمات المحلية والإقليمية ومنظمات رعاية المرأة والشباب وقامت الجبهة بإنشاء منظمات الرعاية الخاصة بهم، مثل شباب البناء ورائدات النهضة، كما أقاموا الحملات التعليمية لأسلمة المجتمع من خلال الدولة وفي نفس الوقت قاموا بالسيطرة على مؤسسات إسلامية خيرية من أجل الترويج لأفكارهم والتي أدت لنشر أفكارهم في المجتمع، واستفادوا من مشاركتهم للرئيس النميري 1979 حتى 1985 في التمكين الاقتصادي والاجتماعي، وفازت بـ 51 مقعدًا في البرلمان السوداني، وحلت في المركز الثالث بعد حزبي الأمة والاتحادي الديمقراطي.
في عام 1989 حل الترابي الجبهة الإسلامية ليتسنى له الانفراد الكامل بالسلطة، ولكن تبين له بعد ذلك الخطأ الفادح الذي قام به، خاصة في المعركة التي قادها ضد الرئيس حسن البشير في عام 1999 .(3)
هذا الدور السياسي الانشقاقي للإخوان كان سبب الانتكاسة التي واجهتها الحركة وقيادة الترابي لها شخصيًّا تحديدًا؛ حيث إن تجربة الحكم العسكري في حكومة الإنقاذ التي رأسها الفريق عمر حسن أحمد البشير كانت لها محصلة سلبية على العمل الإسلامي عمومًا، وعلى الحركة السودانية خصوصًا فقد شابت التجربة ممارسات تعسفية من النوع الذي كان الإسلاميون وما زالوا يشكون من وقوع مثله من الحكومات العلمانية، بما في ذلك إقصاء الخصوم وانتهاكات حقوق الإنسان ورفض النهج الديمقراطي وكان لوقوع هذه الممارسات في وقت تشكو فيه أكثر الحركات الإسلامية من المطاردة والتهميش أثر سالب، من حيث إنه منح خصوم هذه الحركات حجة ضدها؛ حيث دأب هؤلاء على الإشارة إلى النموذج السوداني باعتباره الدليل على أن الحركات الإسلامية غير جادة في دعاواها في التعايش مع الآخرين وإفساح المجال لهم في المشاركة السياسية فيما إذا جاءوا إلى الحكم، واعتبر الخصوم هذه حجة كافية للاستمرار في نهج الإقصاء المتبع ضد القوى الإسلامية، من جهة أخرى فإن الاستيلاء على السلطة شجع قيادة الحركة على الاستغناء عن أجهزتها ومؤسساتها والاعتماد بدلًا من ذلك على مؤسسات الدولة، وخاصة أجهزتها الأمنية والاتجاه إلى تذويب الحركة في الدولة، وقد أدى هذا إلى تضعضع الحركة وضمور أجهزتها وسريان الفساد والانتهازية في صفوفها.
وقد انكشفت الحركة انكشافًا تامًّا حين انفجر الصراع بين قياداتها، وحاول كل طرف الاستعانة بالدولة لحسم الخلاف، وظهر بسرعة أن الحركة لم يعد لها كيان أو وجود يذكر خارج الدولة وأجهزتها، وقد انتهى الأمر بالدولة- بزعامة الرئيس البشير ونائب الترابي سابقًا علي عثمان محمد طه- إلى أن تحيد التنظيم وتشل فاعليته وتحوله إلى جهاز من أجهزة الدولة، ولا يبدو مستقبل التنظيم مشرقًا في ظل الأوضاع السائدة والضغوط الخارجية؛ من أجل تفكيك حكومة البشير عبر صفقة سلام مع المتمردين الجنوبيين تؤدي إلى انتخابات عامة لن يكون حظ الإسلاميين فيها كبيرًا، وهذا يعني أن وصول الحركة إلى السلطة قد أصبح وبالًا عليها من وجوه كثيرة، وأنها لن تترك لتنعم بما استثمرته في سعيها إلى السلطة واستئثارها بها.
ولعل المفارقة الثانية التي تستدعي التوقف عندها هي أن الجناح المنشق الموالي للتنظيم الدولي حقق مكاسب من تصدع حركة الترابي؛ حيث إن الجناح المناوئ للترابي قد سعى إلى الاستعانة بحركة الإخوان المسلمين السودانية، وقد أصبح أحد أبرز رموزها الدكتور عصام البشير وزيرًا في الحكومة، وقد اعتبر الإخوان فيما حدث تأكيدًا لسلامة نهجهم هم وإدانة لأسلوب ونهج الترابي الذي كشف- حسب رأيهم- عن ثغرات أخلاقية خطيرة في الحركة ونهجها ومسلك كوادرها. (4)
ثانيًا: العلاقة بين إخوان السوادن والتنظيم الأم في مصر:
ظل الإخوان المسلمون السودانيون مستقلين عن ما يسَمِيُّ تنظيمهم الأم في مصر، وأفلحوا في جعل حركتهم نسخة سودانية من الأيديولوجية الإخوانية وذلك للأسباب التالية:
1- الاحتفاظ باستقلاليتهم وذاتيهم الخاصة وخوفهم من أن يؤدي أي اتحاد لهم مع إخوان مصر تلقائيا إلى خسرانهم لحلفائهم الأنصار الذين كانوا يعادون كل ما يأتي من مصر.
2- استغلال واجهة المنظمات المختلفة ورغبة الإخوان في الوصول لأوسع الدوائر الممكنة، خاصة في أوساط أتباع الطريقة الختمية
3- اختراق الأحزاب السياسية الأخرى من خلال بعدهم عن إخوان مصر حتى يجدوا لهم مواضع أقدام فيها، وليعلموا ما يجري في داخلها. (5)
وأدى مرور الحركة بفترات اضطراب كبيرة إلى عدم التوازن بين الحركة الدعوية لإصلاح المجتمع- والتي تتطلب انتشارًا دعويًا في جميع فئات المجتمع لتتكون على إثره قاعدة صلبة يقوم عليها البناء الإسلامي المتين والحكم الإسلامي الراشد وما بين النشاط السياسي المحموم الذي يتطلب حركة يومية تحصر همها ونشاطها في كسب الأصوات والمعارك الانتخابية والتحالفات السياسية، كما أدى غياب الدور الواضح للحركة في مصر في رعاية الدعوة في السودان، إلى أن الحركة في الخرطوم صارت محلية لا تتنامى وفق رعاية الإخوان، وأثناء نمو الجماعة بالسودان كان الإخوان في مصر في السجون والمعتقلات، وحينما تم تأسيس التنظيم العالمي في بداية السبعينيات كان الترابي- الذي سيطر على الجماعة- لا يريد أي صلة بالحركة الأم في مصر تنظيمياً وتربوياً وفكريا، وهذا ما جعل الحركة العالمية تتهيب حركة الترابي وتنظر إليها بعين الريبة والشك على الرغم من اتصال الدعم المعنوي والمادي، وانقطعت هذه الصلة في عام 1988م حينما حاول الترابي أن ينشئ تنظيماً موازياً للتنظيم العالمي ووصفته الجماعة الام آنذاك بـ"تنظيم الضرار"، وأصبحت حركة الترابي منفلتة وبعيدة عن النبض الإخواني العالمي المتحد. (6)
وعقب قيام ثورات الربيع العربي ووصول الإخوان الى الحكم في مصر ثم عزل محمد مرسي اتخذت الجماعة موقفًا حادًّا من عزله؛ حيث اعتبرت جماعة الإخوان المسلمين بالسودان الأحكام التي صدرت بحق الرئيس المصري المعزول محمد مرسي وعدد من أعضاء الجماعة بالقاهرة- عملًا ضد الإسلام والمسلمين في مصر، ووجهت انتقادات شديدة للأحكام التي صدرت بإعدام مرسي وآخرين، وقالت: إن المحاكمات "ما هي إلا مجازر يتبناها القضاء المصري باسم العدالة أن القرارات القضائية بحق إخوان مصر.. حرب دينية يتبناها السيسي وتنفذها مجموعة من القضاة المصريين". (7)
وعلى الجانب الآخر- وعلى حسب مراقبين- اتسم موقف الحكومة السودانية الإخوانية الرسمي حيال التطورات والتحولات السياسية التي شهدتها مصر منذ عزل مرسي وما أعقبها من أحداث بـالغموض، ولعل مصدره المقارنة بين موقف السودان الحالي من مصر وترحيبها بشكل سريع بخلع الرئيس السابق حسني مبارك قبل عامين ونصف وانتخاب الرئيس المعزول محمد مرسي قبل أكثر من عام- ما زاد من غموض الموقف الرسمي السوداني هو مشاركة منسوبي تنظيمي المؤتمر الوطني، وهو الحزب الحاكم بالبلاد، والحركة الإسلامية، كيان يرأسه الرئيس السوداني عمر البشير، ويضم العديد من الرموز الإسلامية المهيمنة على مفاصل الدولة ومؤسساتها، في الفعاليات الشعبية أمام السفارة المصرية؛ وذلك لأن "الأيديولوجية الإسلامية التي تجمع المؤتمر الوطني بالسودان والإخوان المسلمين بمصر كانت هي الفيصل الرئيسي في تحديد الموقف السوداني الرسمي، استناداً لتقاطعتها الأيديولوجية والبرمجية مع الإخوان المسلمين، باعتبار تلك الخطوة تستهدف الإسلاميين، ولا تعترف بشرعيتهم الشعبية وتفويضهم الانتخابي.
يمكن أن يفسر غموض الموقف السوداني هو "قلق الخرطوم من موجة ثانية من ثورات الربيع العربي تسقط الإسلاميين من السلطة التي وصلوا لها بعد الموجة الأولى انطلاقاً من مصر وربما تونس"، كما تقلق الخرطوم من موجة ثانية من ثورات الربيع العربي تسقط الإسلاميين من السلطة التي وصلوا لها بعد الموجة الأولى انطلاقاً من مصر وربما تونس، وأن ما يفاقم المخاوف السودانية هي التعقيدات السياسية والأزمات الاقتصادية والتحديات الأمنية التي يعيشها السودان، وما ينمي تلك المخاوف السودانية هو خلق تحالف إقليمي بالمنطقة تقوده السعودية يعمل بشكل واضح وعلني؛ من أجل دعم ومساندة مساعي إسقاط المجموعات الإسلامية الحاكمة". (8)
ثالثًا: سيناريوهات مستقبل إخوان السودان:
فتح سقوط الإخوان في مصر عددًا من السيناريوهات أمام مستقبل إخوان السودان، ولعل أبرزها يتمثل فيما يلي:
1- السيناريو الأول: أن تصبح الحركة تحت إمرة الرئيس السوداني والحكم، خاصة بعد انفصال جنوب السودان، والأزمة الاقتصادية التي تطحن السودان التي تعد مسرحية تقودها مجموعات الإخوان النافذة في مفاصل الدولة؛ لأن الأزمة الاقتصادية التي ظل يعاني منها السودان منذ الانفصال- قادرة على هدم النظام، والمحاولات الأخيرة التي روجت لها الحكومة بالتخريبية أو الانقلابية هي ليست في الواقع إلا سياسة استباقية لما قد يمكن حدوثه، فالمجموعة المتهمة حالياً لو نوت فعلاً أن تنقلب على النظام لما احتاجت أكثر من ساعة زمن، لكن التوجس سيطر على النظام للدرجة التي أصبح فيها يخاف حتى من بنيه. (9)
2- السيناريو الثاني: الرهان على تكرار سيناريو (البشير ـ الترابي) عام 1989، أي انقلاب عسكري من داخل الجيش، يتحالف مع الإسلاميين لأسباب مصلحية أو سياسية أو عند الحد الأدنى، يرفع الضغط عنهم. (10)
3- الإقرار بدولة المواطنة واحترام التعدد العرقي والثقافي والديني في السودان والإيمان بعدم جواز قيام أي جهة- مجتمعة كانت أو متفرقة- بفرض الوِصاية على الشعب، انطلاقاً من مرجعية دينية أو عرقية أو أيديولوجية. (11)
النتائج :
من خلال ما سبق يمكن التأكيد على ما يلي:
1- لعب الإخوان المسلمون في السودان دورًا أكبر من حجمهم وحجم السودان السياسي، مما يعرض مستقبلهم لانتكاسات كبيرة في ظل التعددية الدينية والعرقية التي تشهدها السودان.
2- يمكن اعتبار جماعة الإخوان الحركة الإسلامية الوحيدة التي وصلت إلى السلطة وانفردت بها، بل وراكمت رصيدًا كبيرًا من العمل السياسي بين التحالف والانشقاق.
3- الغموض الذي اكتنف ثورات الربيع العربي جعل جماعة الإخوان السودانية تتعامل ببراجماتية شديدة مع الأوضاع الداخلية والخارجية؛ خوفًا من سقوطها كما سقط الإسلاميون من السلطة بعد الموجة الأولى لثورات الربيع العربي انطلاقاً من مصر.
4- ما يفاقم المخاوف الإخوانية السودانية هو التعقيدات السياسية والأزمات الاقتصادية والتحديات الأمنية التي يعيشها السودان، وهو ما يجعلهم دائمًا في موقع الضعف داخل السودان.
المراجع
1- الإخوان المسلمون في السودان (طموحات "الترابي"..ورحلة الصعود والهبوط، بوابة الحركات الإسلامية، تنظيمات، يونيو2014 م ، الرابط http://www.islamist-movements.com/2701
2- عبدالوهاب الأفندي ، ظاهرة الانشقاق عند الإخوان.. الحالة السودانية ، موقع الجزيرة نت، أبريل 2004م ، الرابط http://www.aljazeera.net/specialfiles/pages/3BEF5436-C497-4E9E-BE45-32A74EF2D297
3- نشأة دعوة الإخوان المسلمين في السودان ، موقع ويكيبديا الإخوان المسلمون الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان ، 2004م ، الرابط http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title
4- عبدالوهاب الأفندي ، المرجع السابق .
5- جبريل ر. واربورغ ترجمة وتلخيص: بدر الدين حامد الهاشمي ، حركة الإخوان المسلمين في السودان: من الإصلاح إلى الراديكالية (1) The Muslim Brotherhood in Sudan: From Reforms to Radicalism ، نقلا عن صحيفة الراكوبة السودانية ، الرابط http://www.alrakoba.net/articles-action-show-id-55537.htm
6- ) بوابة الحركات الإسلامية ، المرجع السابق .
7- إخوان السودان يرفضون أحكام مصر بحق مرسي ، موقع الجزيرة نت ، مايو 2015 م ، الرابط http://www.aljazeera.net/news/arabic
8- ماهر أبو جوخ ، موقف السودان الغامض تجاه مصر بعد عزل مرسي، موقع النيلان ، سبتمبر 2013م ، الرابط http://www.theniles.org/ar/articles/politics/2036/
9- شمائل النور، سيناريوهات التغيير في السودان، موقع صحيفة الراكوابة ، مايو 2013 ، الرابط http://www.alrakoba.net/news-action-show-id-82765.htm
10- عبد الرحمن يوسف ، إعادة تموضع الإخوان (5-5).. تحديات وسيناريوهات المستقبل ، موقع العربي الجديد يوليو 2015 ، الرابط https://www.alaraby.co.uk/investigations
11- منى البشير، المصائب يجمعنا المصابينا..وحدة إسلامى السودان تحسبًا لتكرار السيناريو المصري، موقع صحيفة الراكوابة، يوليو 2013 ، الرابط http://www.alrakoba.net/articles-action-show-id-37853.htm