رياح الغضب الشعبي تصل المغرب.. والحكومة الإسلامية في ورطة
السبت 01/نوفمبر/2014 - 11:49 ص
طباعة

دخلت النقابات العمالية في المغرب إضرابا عاما؛ احتجاجا على مضي حكومة عبد الإله بن كيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المحسوب على التيار الإسلامي بالمغرب، في إجراءات ترمي إلى إعادة النظر في نظام التقاعد، بعدما رفعت الدعم عن الوقود "المحروقات".
أول إضراب منذ 15 عامًا

يعد هذا الإضراب الأول منذ 15 عامًا وبالتحديد منذ آخر إضراب في المغرب يوم 14 ديسمبر 1990، إذ شهد ذلك اليوم أحداثًا دامية في مدينة فاس.
ويأتي الإضراب تلبية لدعوة الاتحاد المغربي للشغل، أقدم وأكبر اتحاد عمالي في المغرب، والكونفيدرالية الديمقراطية للشغل والفيدرالية الديمقراطية للشغل، القريبة من حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المعارضة.
وجاءت احتجاج النقابات على إجراءات تقول الرباط إنها إصلاحية وتهدف إلى تقليص عجز الموازنة البالغ 3%، وحصر الدين العام عند 60% من إجمالي الناتج المحلي، وينظم الإضراب من قبل أكبر النقابات في المغرب، حيث ينضم إلى الإضراب جماعة العدل والإحسان المحسوبة على التيار الإسلامي في المغرب.
ويبدو أن هناك تراجعًا شعبيًا لحزب العدالة والتنمية، بعد مرور ما يقارب ثلاث سنوات من عمر الحكومة التي يرأسها.
وسبق أن شهدت المغرب خلال سنوات 1981 و1984 و1990 إضرابات عامة ضخمة، هددت السلم الاجتماعي عبر أعمال عنف وتخريب وسقوط ضحايا، خاصة ما عرف بـ"انتفاضة 1981"، التي خلفت المئات من الضحايا وصفهم إدريس البصري، وزير داخلية الملك الحسن الثاني المعروف، "بشهداء كوميرا" "شهداء الرغيف".
الحكومة تواجه الخطر

تواجه الحكومة المغربية برئاسة عبد الإله بن كيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الإسلامي، خطر الاقالة، كما حدث في ثورات الربيع العربي، فمعظم دول الربيع العربي بدأت بإضرابات وتظاهرات وانتهت بإسقاط النظام.. قد يحدث نفس السيناريو في دولة المغرب التي يرأسها الآن حزب إسلاميٌّ ينتمى لجماعة الإخوان المسلمين، المصنفة كمنظمة إرهابية في معظم الدول العربية والأوروبية.
فالحكومة المغربية، تواجه نفس المخاطر التي تعصف بالمنطقة العربية والإسلامية، نظرًا لتجاهلها مطالب الشعب المغربي كما حدث من قبل في مصر، وسوريا، وليبيا؛ الأمر الذي أدى إلى إسقاط كافة الأنظمة الإسلامية.
يرى مراقبون أن تكرار سيناريو إسقاط الحكومة في المغرب أمر مستبعد الآن؛ ذلك أن الملك محمد السادس هو من استبق الربيع العربي في بلاده وأجرى تعديلات دستورية عام 2011 وتنازل بموجبها عن بعض صلاحياته للحكومة المنتخبة، وهو المنوط بحماية الدستور وليس الانقلاب عليه.
حزب العدالة والتنمية

يعد الحزب الحاكم في المغرب ،والذي تهاجمه النقابات المضربة في المغرب الآن، وهو حزب تأسس سنة 1967 وذلك بعد انشقاق داخل الحركة الشعبية قاده زعيم الحزب آنذاك ورئيس البرلمان المغربي الدكتور عبد الكريم الخطيب يوم امتنع عن موافقة ملك البلاد لإعلانه حالة الاستثناء وهو الأمر الذي لم يرق للقصر فقام بالتضييق على الخطيب وبالتالي حصول الانشقاق، وبعدها سيعرف الحزب مسارا مسدودا بحيث مورست حوله مجموعة من العراقيل دفعته للانسحاب من الساحة السياسية.
يُعرف حزب العدالة والتنمية المغربي نفسه بأنه: حزب سياسي وطني يسعى- انطلاقا من المرجعية الإسلامية وفي إطار الملكية الدستورية القائمة على إمارة المؤمنين- إلى الإسهام في بناء مغرب حديث وديمقراطي، ومزدهر ومتكافل.
ويعد حزب العدالة والتنمية من الأحزاب الأكثر انفتاحا على الحداثة الإيجابية، ذو ديمقراطية داخلية فعلية، حظي في الاستحقاقات الأخيرة بالإجماع عليه من طرف الناخبين، انطلاقاً من رسالته لا من أسماء عائلات المرشحين، مستمدا بذلك توجهه من برنامج تفاعلي مع وفي خدمة الناخبين والشعب المغربي عموما.
جماعة العدل والإحسان

شاركت جماعة العدل والإحسان "جماعة إسلامية مغربية"، في الإضراب، وهي من أكبر التنظيمات الإسلامية بالمغرب أسسها عبد السلام ياسين، وكان مرشدها العام حتى وفاته سنة 2012، وخلفه محمد عبادي في 24 ديسمبر 2012 بلقب الأمين العام، حيث تقرر الاحتفاظ بلقب المرشد العام لمؤسس الجماعة عبد السلام ياسين.
تختلف عن الحركات السلفية ببعدها الصوفي وتتميز عن الطرق الصوفية بنهجها السياسي المعارض.
الناطق الرسمي باسم جماعة العدل والإحسان، فتح الله أرسلان، أكد أن الانضمام إلى النقابات العمالية والأحزاب المعارضة في الإضراب العامّ ليس الهدف منه هو إسقاط الحكومة؛ لأنّنا ببساطة نعتبر أنّ المشكلة أكبر من الحكومة، بل تتعلّق بنظام حُكم مستبدّ ومخزن عتيق.
بداية الأزمة

بدأ الخلاف بين الطرفين الحكومة المتمثلة في "حزب العدالة والتنمية" و"المضربين"، عقب رغبة الرباط برفع سن التقاعد إلى 65 بدلا من 60 المعمول به حاليا.
وكان عبد الإله بن كيران أصدر مرسوما بداية الشهر الماضي، يتضمن تمديد سن التقاعد إلى 65 عاما، بدلا من 60 عاما، المثير للجدل، والذي اعترضت عليه النقابات، وأثار ذلك المرسوم جدلا وسط النقابات، التي عبرت عن رفضها لمضمونه، في بيانات صادرة عن هيئاتها التقريرية والتنفيذية، والأمر نفسه بالنسبة للأحزاب، لكن دو أن تتخذ مبادرات جريئة، للحيلولة دون تطبيقه.
واتهم نشطاء نقابيون، بعض النقابات والأحزاب، بالتواطؤ مع الحكومة، لتمرير قانون تمديد سن التقاعد، الذي طرحه عبد الإله بنكيران على أنظار المجلس الاقتصادي والاجتماعي، بدلا من طرحه على طاولة الحوار الاجتماعي.
واتهمت النقابات العمالية الحكومة بـ"تحويل الحوار الاجتماعي إلى مشاورات، والاستهتار بآليات الحوار الاجتماعي الذي دأب الفرقاء على اللجوء إليه من البحث عن التوافق حول القضايا الساخنة".
كما أعلنت نقابات مستقلة تأييدها للإضراب مما يرفع عدد المنظمات النقابية المشاركة فيه إلى ثلاثين نقابة.
موقف الحكومة من الإضراب

وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى الخلفي، أكد أن الحكومة تنتظر رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بخصوص مشروع إصلاح أنظمة التقاعد، لتتفاوض مع النقابات بشأنه قبل تمريره إلى البرلمان.
بالمقابل تدعو النقابات الحكومة إلى حوار اجتماعي "جدي" بشأن إصلاح أنظمة التقاعد "دون المساس بمكتسبات العمال، إضافة إلى دعم قدراتهم الشرائية المتأثرة بالغلاء الناتج عن تحرير سعر المشتقات النفطية".
كما اعتبرت الحكومة المغربية أن دوافع قرار كبرى النقابات شن إضراب عام "غير مفهومة"، معلنة أنها ستقتطع يوم الإضراب من أجور المشاركين فيه، معتبرة أن الأمر يتعلق بـ "إجراء قانوني سيجري تنفيذه".
فيما أكد وزير الداخلية المغربي محمد حصاد، أثناء الإضراب، أنه ليست هناك على المدى القريب تهديدات إرهابية مباشرة للمغرب.
وقال حصاد في ندوة صحفية مشتركة مع وزير الخارجية المغربي صلاح الدين مزوار: إن المغرب ينتهج "سياسة استباقية في مواجهة أي خطر إرهابي محتمل".
وأوضح أن السلطات المغربية "تواصل تعقبها للعناصر الإرهابية النشطة داخل التراب الوطني، معلنة بين الحين والآخر عن تفكيك خلايا إرهابية".
ولفت وزير الداخلية المغربي النظر في هذا السياق إلى التعاون المثمر بين السلطات الأمنية المغربية ونظيراتها ببعض دول الجوار، كإسبانيا، حيث نجح البلدان خلال الفترة الأخيرة في تفكيك وتوقيف عدد من العناصر والخلايا الإرهابية التي تهدد أمن واستقرار المنطقة.
وأوضح أن السلطات المغربية ستنشر خلال الأيام القليلة المقبلة وحدات عسكرية أطلق عليها اسم "حذر" بأمر من العاهل المغربي محمد السادس، في ست مدن مغربية كبرى، وهي طنجة أقصى الشمال وأغادير، والرباط، والدار البيضاء، وفاس، وفي المناطق الحيوية كالمطارات ومحطات القطار.
من جهة أخرى، صادقت الحكومة في اجتماعها الأسبوعي، على قانون يوسع من التغطية الصحية الإجبارية لإجراء القطاع الخاص والمنخرطين في صندوق الضمان الاجتماعي لتشمل علاج الفم والأسنان.
وحسب الخلفي دائما، فإن هذا القانون سيدخل حيز التطبيق ابتداء من يناير من السنة المقبلة، وأعرب الخلفي عن أمله في أن يسهم هذا القرار في إذابة الجليد عن الحوار الاجتماعي مع النقابات.
المشاركون في الإضراب

يتهم المشاركون الحكومة بانخفاض القدرة الشرائية للسكان ونمو أسعار المنتجات وخدمات النقل والوقود والماء والكهرباء.
ويلقون باللوم على الحكومة بقمع حرية المنظمات النقابية ومنع المظاهرات السلمية.
وقالت النقابات الرئيسة الداعية إلى الإضراب وهي: الاتحاد المغربي للشغل، والكونفيدرالية الديمقراطية للشغل، والفيدرالية الديمقراطية للشغل: إن الإضراب حقق نجاحا كبيرا بنسبة 83.7%، مضيفة أنه شمل أغلبية القطاعات المهمة كالتعليم والصحة.
في الوقت الذي أعلنت فيه النقابات عن "نجاح باهر للإضراب"، قالت مصادر مقربة من الحكومة: إن نسبة الإضراب لا تتجاوز 40%.
هذا في الوقت الذي جددت فيه الحكومة استعدادها لاستئناف الحوار مع النقابات خصوصا حول موضوع إصلاح نظام التقاعد الذي يثير جدلا كبيرا.
وقالت اتحادات عمالية ونقابية مغربية، ضمت الاتحاد المغربي للشغل، والكونفيدرالية الديمقراطية للشغل، والفيدرالية الديمقراطية للشغل غير حكومية، في بيان صحفي مشترك: إن نسبة المشاركة في الإضراب تمثل نجاحا باهرا.
الخلاصة

هناك خبراء يتوقعون تكرار السيناريو المصري في المغرب، فإسقاط الرئيس المعزول محمد مرسي، بدأ بخروج ملايين من الشعب المصري يوم 30 يونيو 2013، اعتراضا على سياسته في الحكم، كذلك يحدث في المغرب، فبداية الإضراب ستؤدي إلى تفاقم الأزمة بين الحكومة والشعب ما لم يستجيب بنكيران، وقد تؤدي إلى اشتعال الغضب الشعبي، وهناك من يستبعد إحداث نفس السيناريو المصري في المغرب، معتبرين أن الأزمة التي يواجهها الإسلاميون في المغرب لا تمس شرعية حكمهم، وأن حكومة العدالة والتنمية لا تعيش أزمة مشروعية مثلما تعيشها الإخوان في مصر.
ويبدو أن الحكومة الإسلامية في المغرب لا بد وأن تخضع لمطالب النقابات وكذلك الشعب المغربي، تفاديًا لاشتعال الغضب وتطور الأزمة.