صراعات العالم تعمق خطر الحريات الدينية
الثلاثاء 04/نوفمبر/2014 - 10:49 م
طباعة

أظهر تقرير نُشر حديثا بواسطة المنظمة الكاثوليكية الدولية "مساعدة الكنيسة المتألمة"، أن الحرية الدينية شهدت "تراجعا خطيرا" بين عامي 2012 و 2014 مع عراقيل وُضعت أمامها في 81 دولة، وتدهور في 55 دولة أخرى بدءا بمسيحيي العراق والمسلمين الروهينغا في بورما، وصولا إلى البوذيين في التيبت، والتقرير نصف السنوي يتناول جميع الأديان، رغم أن هذه المنظمة معونة بابوية، ويغطي فترة تمتد من أكتوبر 2012 حتى يونيه 2014 .
الحريات الدينية

بالرغم من وصفها بـ"يتيمة الحريات" في التسعينيات، فإن الحرية الدينية هي واحدة من أوائل الحقوق التي تم الاعتراف بها بموجب القانون الدولي، وحتى في وقتنا هذا فإن مراجعة للوثائق الرسمية الدولية والوطنية حول الدين، تشير إلى أن الحكومات والمجتمع الدولي يدركون مكانة الحريات الدينية ضمن كوكبة حقوق الإنسان، توفر المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة الضمانات التالية:"لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة."
وكما اعتُمدت المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة كمثال يحتذى به في العديد من الدساتير في الواقع، فإن الجملة الافتتاحية من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التي تم نسخها من الإعلان "تتجاوز هذه النَّمذَجة حدود أوروبا، حيث دمجت بعض البلدان مثل الكاميرون وإثيوبيا المادة 18 في دساتيرها كلمة كلمة".
وعدم وجود ضمانات للحرية الدينية هو الأمر النادر الحدوث، حتى العام 2008 كان لـِ 29 % من الدول (126) والتي يربو عدد سكانها على المليوني نسمة دساتير تنص على الحرية الدينية، وقصَّرت إحدى عشرة دولة فقط عن تضمينها لهذه الضمانات، على الرغم من العديد من التصريحات الرسمية الواعدة بالحريات فإن الهوة شاسعة بين الوعد بالحرية الدينية والاحترام الفعلي لها، وفي الواقع فإن نظرة أكثر توثيقاً تكشف عن أن الكثير من الدساتير توفر ضمانات للحرية الدينية في عبارة واحدة، ولكنها تفتح الباب للحرمان من الحريات في أقسام أخرى من الدستور نفسه.
بالنسبة للدولة والأغلبية الثقافية، غالباً ما ينظر إلى الأقليات الدينية أنها تهدد "النظام العام". إحدى الأمثلة العديدة كانت عندما فوضت الجمعية الوطنية في فرنسا عام 1995 لجنة غيست Gest Commission كي تقدم تقريراً عن مخاطر الطوائف الدينية على الفرد والمجتمع على حد سواء، وخلصت اللجنة إلى أنه لا يمكنها تحديد أو قياس ماهية الطائفة، بيد أنها حددت 173 مذهباً وطائفة خطرة في فرنسا وحدها. كانت المخاطر المرتبطة بالطوائف غامضة أيضاً، بما في ذلك "الاعتماد النفسي"، "الخداع" و"سوء المعاملة"، مع أن القليل من الأمثلة قد تم تقديمها.
توثق جميع التدابير المتعددة للحرية الدينية التي تم جمعها منذ عام 2000 أن الحريات الدينية غالباً ما يتم انتهاكها، القوانين التي تنكر الحريات الدينية أمر روتيني الحدوث حتى عندما نحصر دائرة البحث في البلدان التي توفر الحرية الدينية في دساتيرها. من بين البلدان الـ 126 التي تتضمن دساتيرها بنوداً تؤكد على الحرية الدينية، فإن 55 بالمائة منها (أي 69 بلداً) لها قوانين تتعارض مع حرية ممارسة الدين. معظم هذه البلدان (أي 53 من اصل 69 بلداً) لديها قوانين مكتوبة تنظم وتقيد بعض الديانات من دون غيرها، وعلى الرغم من الضمانات الدستورية لحرية العبادة فإن لدى ستة من هذه البلدان نظماً قانونية تمنع حرية ممارسة الدين. من بين البلدان الإحدى عشر التي لا تبشر بالحرية الدينية، جميعها لها نظم قانونية تعرقل حرية ممارسة الدين لدى بعض الجماعات الدينية على الأقل.
تشير الدراسات إلى أن أكثر من اثنتين من كل خمس حكومات تتدخل في حق الفرد في العبادة وأن ثماني عشرة بالمائة منها تدخلت بشدة، عند تجميع فهارس موجزة عن الحريات الدينية في العام 2009 قدم منتدى الدين والحياة العامة التابع لمركز بيو للأبحاث Pew Research Center أن لدى حوالي ثلث جميع البلدان "قيوداً شديدة أو شديدة جداً على أساس الدين"، وأن "ما يقرب من سبعين بالمائة من سكان العالم الـ 6800000000 يعيشون في بلدان تفرض قيوداً شديدة على الدين "(The Pew Forum on Religion & Public Life 2009).
ارتفاع نسبة الاضطهاد الديني

وبيّن التقرير وجود عشرين بلدا من فئة البلدان التي فيها "نسب الاضطهاد الديني عالية"، ومن بينها "14 دولة تعيش حالات الاضطهاد الديني المرتبط بالتطرف الإسلامي"، وهي الدول التالية: أفغانستان، جمهورية أفريقيا الوسطى، مصر، إيران، العراق، ليبيا، المالديف، نيجيريا، باكستان، السعودية، الصومال، السودان، سوريا واليمن، أما الست دول المتبقية وهي: بورما، الصين، إريتريا، كوريا الشمالية، أذريبجان، وأوزبكستان، فإن الاضطهاد فيها هو نتيجة "الأنظمة الاستبدادية".
وتشير هذه المؤسسة الكاثوليكية إلى أن "المسيحيين هم الأقلية الدينية الأكثر اضطهادا، ويرجع ذلك لتشتتهم الجغرافي ولعددهم الكبير نسبيا"، لكنها تشير أيضا إلى أن "المسلمين يعانون أيضا من مستوى خطير من التمييز والاضطهاد، بسبب تعصب غيرهم من المسلمين، أو بسبب الأنظمة الاستبدادية"، كما تزايد في الفترة الأخيرة العنف والمعاملة السيئة تجاه اليهود في أوروبا الغربية، ولكن وبشكل عام بمستويات منخفضة، مما تسبب في تزايد الهجرة إلى إسرائيل".
الصراع الجديد

ليس من المستغرب أن تشكل العراق مصدر قلق كبير بالنسبة للمؤسسة الخيرية الكاثوليكية "عون الكنيسة المتألمة"، التي أشارت إلى أن سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة هدد ليس فقط المسيحيين ولكن أيضا الإيزيديين والشيعة والسنة المعتدلين.
كما ذكرت المؤسسة أيضا عملية اختطاف أكثر من 200 طالبة في المدرسة الثانوية من قبل مجموعة بوكو حرام الإسلامية في نيجيريا، والحكم بالإعدام بتهمة الردة واعتناق المسيحية على السودانية مريم إبراهيم تحية إسحاق والتي أفرج عنها في وقت لاحق.
في آسيا، ذكرت المؤسسة موت راهب من التبت أثناء حجزه في ديسمبر 2013، ونبهت خصوصًا من تدهور الوضع في بورما تجاه الأقلية الروهينجا المسلمين، حيث شرد أكثر من 100.000 شخص.
وقال مارك فروماجي، مدير المؤسسة الخيرية الكاثوليكية "عون الكنيسة المتألمة" في فرنسا، في مؤتمر صحفي بباريس، إن "تدهور الوضع في بورما يشهد منحى خطيرًا مع تزايد 10.000 لاجئ إضافي خلال الأسبوعين الماضيين".
النتيجة

يوضح التقرير أن الحريات الدينة تدخل مؤشرات خطرة في ظل الأوضاع يعيشها العالم وخاصة منطقة الشرق الأوسط، والتي تشهد صراعًا طائفيًا مذهبيًا في أغلب بلدانه، فعندما تتنكر الحكومات للحريات الدينية فإن النتائج الأكثر وضوحاً هي الازدياد في تظلمات الجماعات الدينية الخاضعة للقيود.
و إن نقصان حريات مجموعة ما تؤدي إلى استقواء مجموعات أخرى، خاصة من هم من الأغلبية، إن الحركات الاجتماعية والضغوطات الأقل رسمية ذات الطابع الاجتماعي والثقافي غالباً ما تُفَعِّل قيوداً تتخطى كثيراً أفعال الدولة، كما أن من الممكن أن ينتج عن نقصان الحريات الدينية ظروف اجتماعية واقتصادية وسكانية تسهم في مستويات أعلى من العنف، إن القيود والضغوط الاجتماعية التي تحرم من الحريات الدينية مرتبطة بشكل وثيق مع النزاعات الدينية الأهم والعنف في عالمنا اليوم.