رسالة أوباما لخامنئي.. المصالح المشتركة تدفع للتفاهم والتنازل
السبت 08/نوفمبر/2014 - 08:52 م
طباعة

كشفت تقارير إعلامية عن إرسال الرئيس الأمريكي باراك أوباما خطابا سريا إلى المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي، يوضح التعاون بين البلدين في مجال محاربة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" مقابل تنازلات أمريكية في الملف النووي الإيراني .
يأتي ذلك في ظل أن العلاقات الدبلوماسية بين إيران والولايات المتحدة مقطوعة منذ العام 1979 مع أزمة احتجاز الرهائن إثر اقتحام السفارة الأمريكية في طهران، فهناك اعتراف بشكل متزايد بأن إيران التي لا تزال تعتبرها واشنطن دولة داعمة للإرهاب- يمكن أن تلعب دورا في إعادة الاستقرار إلى دول مثل سوريا والعراق.
لكن، ورغم أن هذا الانفراج ينطوي على التخفيف من حدة التوتر المتبادل، إلا أن التغيرات في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران كانت بالتأكيد من جانب واحد فقط.
اعتراف إيراني

واعترف دبلوماسي إيراني بإشارات بأن طهران وواشنطن يتبنيان المرونة حاليا لإنجاح مفاوضات التوصل إلى اتفاق فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني.
وأشار علي خورام مستشار وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، أن الرسالة الرابعة السرية، التي بعث بها الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى المرشد الإيراني علي خامنئي أخيرا والتي كشف عنها أول من أمس، وقال: إن هذه المراسلات كان لها تأثير إيجابي على القيادة الإيرانية، وضرورية في تغيير مواقفنا تجاه الوصول إلى اتفاق، وذلك على الرغم من أن الخطاب ينحصر موضوعه حول المصالح المشتركة في مجال مكافحة تنظيم (داعش)».
وأضاف خورام، لـ«الشرق الأوسط»: «على الرغم من مرور أكثر من 30 سنة من فقدان الثقة- توصلت إيران والولايات المتحدة إلى قناعة بأن المصلحة الوطنية للبلدين هي المفاوضات البناءة بين الطرفين إلى اتفاق نهائي». وأضاف: «يبدو أن كلا الجانبين اعترفا أخيرا بمواطن القلق التي كانت تساورهما، وهما مستعدان الآن لبذل المزيد من التعاون بأقصى درجات المرونة».
وأشار خورام إلى أن «عقيدة اعتبار الولايات المتحدة الأمريكية الشيطان الأعظم تمر بحالة تغير في إيران، وهناك إشارات على سياسات أمريكية مختلفة تجاه القضية الإسرائيلية- الفلسطينية، والعراق، وسوريا، ومن شأن كل ذلك أن يمهد الطريق لإيران للدخول في حالة من التعاون مع الولايات المتحدة».
وعلى مدى العقد الماضي، شاركت واشنطن وطهران في معارك شرسة على النفوذ والسلطة في العراق وسوريا ولبنان وأفغانستان، تمت تغذيتها من خلال إطاحة الولايات المتحدة بالرئيس العراقي السابق، صدام حسين، ومن خلال قيام ثورات الربيع العربي التي بدأت في أواخر عام 2010. ويقول مسئولون أمريكيون: "إن خيار العمل العسكري لا يزال مطروحًا على الطاولة؛ لإحباط البرنامج النووي الإيراني".
ولكن، ووفقًا لهؤلاء المسئولين أيضًا- بشرت الأشهر الأخيرة بحدوث تغيير في العلاقات، بعد أن نمت أسباب التوافق بين البلدين، وأهمها تعزيز التحولات السياسية السلمية في بغداد وكابول، والعمليات العسكرية ضد مقاتلي "الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا.
وقد خففت إدارة أوباما أيضًا بشكل ملحوظ من مواقفها العدائية تجاه أهم حلفاء إيران، وهم حركة حماس وحزب الله اللبناني. وقام الدبلوماسيون الأمريكيون، ومن بينهم وزير الخارجية جون كيري، بالتفاوض مع قادة حماس عبر الوسيط التركي والقطري، أثناء محادثات وقف إطلاق النار في شهر يوليو، والتي كانت تهدف إلى إنهاء الهجمات الصاروخية الإسرائيلية على المجموعة الفلسطينية.
من الصراع إلى التفاوض

انتقلت العلاقات بين إدارة أوباما وإيران، اللتين تتشاركان في مفاوضات نووية مباشرة وفي مواجهة تهديد المتشددين في "الدولة الإسلامية"- إلى حالة فعالة من الانفراج خلال العام الماضي، وفقًا لكبار المسئولين الأمريكيين والعرب.
وهذا التحول قد يغير بشكل جذري ميزان القوى في المنطقة، ويهدد بعزل الحلفاء الرئيسيّين للولايات المتحدة، مثل السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وهما الدولتان المركزيتان بالنسبة لتحالف محاربة "الدولة الإسلامية".
ويرى الكاتب الفلسطيني عبد الباري عطوان أن رسالة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى علي خامنئي المرشد الأعلى للثورة الإيرانية يؤكد فيها على المصالح المشتركة في محاربة "الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا، ويعرض التعاون المشترك في هذا الصدد فإن هذا يعني ثلاثة أمور أساسية:
ـ الأول: اعتراف الرئيس الأمريكي بشكل غير مباشر بفشل الاستراتيجية الحالية في القضاء على "الدولة الإسلامية" التي تقصف طائراته تجمعاتها على جانبي الحدود السورية العراقية.
ـ الثاني: عدم تعويل الرئيس الأمريكي على حلفائه العرب في مواجهة هذا الخطر الكبير الذي تقول الإدارة الأمريكية إنه يهدد مصالحها وحلفاءها في المنطقة.
ـ الثالث: توصل واشنطن إلى قناعة راسخة بأن المفاوضات التي ستبدأ في سلطنة عمان يوم الأحد المقبل حول البرنامج النووي الإيراني بين جون كيري وزير الخارجية الأمريكي ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف- مهددة بالانهيار؛ بسبب تمسك إيران بموقفها في مواصلة عملية تخصيب اليورانيوم؛ ولذلك يحاول الرئيس الأمريكي إلقاء "جزرة التعاون" ضد "الدولة الإسلامية"، على أمل تسهيل هذه المفاوضات، وإخراجها من حال الجمود التي تعيشها حاليا.
منتقدو سياسية التقارب الأمريكي

من جهتهم، يقول منتقدو الإدارة الأمريكية، بما في ذلك إسرائيل والدول العربية: "إن البيت الأبيض عازم على إبرام صفقة مع إيران؛ ليضعها كنقطة اعتزاز في سجل السياسة الخارجية للرئيس باراك أوباما".
وقال سكوت موديل، وهو ضابط سابق بوكالة الاستخبارات المركزية، ويعمل الآن في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن: "إن النظام الإيراني ثوري، ولا يمكن إبقاءه قريبًا جدًا منا؛ ولذلك سأكون حذرًا من تحقيق أي تقارب معه".
وعلى الرغم من أن وحدة النخبة العسكرية الإيرانية، وهي الحرس الثوري الإسلامي، أنشأت ودربت شبكة من الميليشيات الشيعية، التي هاجمت الولايات المتحدة وقوات التحالف المتواجدة في العراق على مدى العقد الماضي؛ إلا أنه، ومنذ استؤنفت العمليات العسكرية الأمريكية في العراق في أغسطس، أمر الحرس الثوري الإيراني عملاءه المحللين صراحةً بعدم استهداف العاملين في الجيش الأمريكي، وتنسيق الهجمات ضد "الدولة الإسلامية" من القواعد في أنحاء بغداد والمنطقة الكردية، وفقًا لمسئولين أمريكيين على علاقة بالاتصالات الإيرانية.
وقال ضابط مخابرات أمريكي: "عندما ذهبت الميليشيات الشيعية إلى الجنرال قاسم سليماني، وهو قائد عمليات الحرس في الخارج والمعروفة باسم قوة القدس، وقالوا له: إنهم يريدون مهاجمة السفارة الأمريكية واستهداف الأمريكيين، قال لهم سليماني: لا، لا، لا. ما لم يدخلوا في المناطق الخاصة بكم، لا تهاجموهم".
وفي الوقت نفسه يخطط الجيش الأمريكي لتهدئة لعبه، وتجنب القيام بالدعاية لممارسة إزالة الألغام السنوية، التي ينظمها أسطول البحرية الأمريكية الخامس، وقد استخدمت هذه العملية في السنوات الماضية لتسليط الضوء على معارضة الولايات المتحدة للأنشطة الإيرانية في الخليج، وفقًا لمسئول أمريكي.
ويقول بعض المسئولين: "إن تخفيف وسائل الردع ضد إيران قد يؤدي إلى زيادة في زعزعة الاستقرار، حيث إنه يعطي إشارة إلى الحرس الثوري بأن الولايات المتحدة لن تتخذ أي خطوات لمواجهة إجراءاته".
ومع ذلك، يبدو أن الإدارة الأمريكية قد ذهبت الآن إلى ما هو أبعد من مسألة عدم إعطاء الإشارات فقط. وقال مسئولون أمريكيون: "إن إدارة أوباما مررت رسائل إلى طهران باستخدام مكاتب رئيس الوزراء العراقي الشيعي الجديد، حيدر العبادي، وكذلك آية الله العظمى علي السيستاني، وهو أحد كبار رجال الدين الشيعة في الإسلام".
كما جعلت الولايات المتحدة أيضًا من الواضح، بالنسبة لطهران، أن الضربات العسكرية المتصاعدة ضد أهداف "الدولة الإسلامية" في سوريا، لن تتحول لتصبح ضد القوات الموالية للرئيس السوري بشار الأسد.
وقال مسئول عسكري أمريكي كبير يعمل في العراق: "الولايات المتحدة تريد التركيز على داعش، وهي قلقة بشأن معاداة الإيرانيين؛ مما قد يتسبب بقيام الميليشيات الشيعية في العراق بالرد ضد سفارتنا ومصالحنا هناك، وإفشال المحادثات النووية". وأضاف: "الولايات المتحدة تعبر في اجتماعات رفيعة المستوى عن أنها لا تريد أن تفعل أي شيء يمكن تفسيره من قبل الإيرانيين على أنه تهديد لنظامهم".
وسعت واشنطن لسنوات لإضعاف قوة حزب الله السياسية والعسكرية في لبنان من خلال العقوبات، وبدعم الأحزاب السياسية المنافسة في بيروت، ولكن التهديد الذي تشكله "الدولة الإسلامية"، وجبهة النصرة، وغيرهما من الجماعات السنية المتطرفة في لبنان، قد غير من ديناميات الأمن هناك، وفقًا لمسئولين أمريكيين وعرب.
كما أن التعامل الدبلوماسي غير المباشر لإدارة أوباما مع حماس أغضب إسرائيل والدول العربية الحليفة، وقد جادل مسئولون إسرائيليون وعرب في أن هذه التعاملات تعزز حماس على حساب القيادة الفلسطينية المعتدلة، بقيادة محمود عباس.
هذا، وقد حدد الجانبان أواخر نوفمبر موعدًا نهائيًا لإبرام اتفاق شامل يهدف إلى الحد من برنامج إيران النووي، مقابل تخفيف العقوبات الغربية. ويقول مسئولون أمريكيون: "إن آفاق تحقيق اتفاق هي نصف ممكنة فقط، وإن التوترات بين الجانبين قد تثور بسرعة في حال فشل الدبلوماسية".
المشهد الآن

فيما يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية تلجأ لإيران مرة أخرى من أجل مواجهة تنظيم "داعش" وهو ما يبدو واضحا من خلال تصريحات المسئولين الأمريكيين، بالإضافة إلى أن حليف واشنطن في تركيا لا يريد تقديم خدمات حقيقية لمواجهة "داعش"، مع وجود تحرك كبير واعتراف إيران بقيادة قائد فيلق القدس أحد أجنحة الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني للميليشيات الشيعية والقوات العراقية في مواجهة "داعش" على الأرض؛ مما دعا لتنسيق بين الحكومتين الإيرانية والأمريكية لتوحيد جهودهما لمواجهة "داعش"، بغض النظر عن التحالفات العربية، فأمريكا عودتنا دائمت أن مصلحتها العليا فوق أي تحالفات سياسية بالمنطقة العربية.