«الاستنزاف الاقتصادي».. داعش يطبق خطة «البغدادي» الحربية بعد موته
الأحد 10/نوفمبر/2019 - 10:59 م
طباعة
أحمد سلطان
صباح أحد أيام نوفمبر الجاري، وبينما كانت الشمس ترسل أشعتها الذهبية لتعانق حبات الرمال على طريق الرقة الغربي، قاد «باسل» شاحنته المحملة بالنفط الخام، قاصدًا مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري خارج المحافظة، وبينما انهمك في إشعال لفافة من التبغ كانت بحوزته، دوى صوت انفجار بالقرب من الشاحنة.
أخرج السائق السوري، رأسه من نافذة الشاحنة ليبصر ماذا حدث خلفه، لكن 2 من المسلحين يستقلان دراجة نارية، عاجلاه برصاصة أدت لمقلته.
باسل لم يكن الضحية الوحيدة في ذلك اليوم، بل كان واحدًا من 8 سائقين عملوا بشركة القاطرجي، وقتلوا خلال أداء مهام عملهم.
في وقت لاحق، أعلنت وكالة أعماق التابعة لتنظيم داعش الإرهابي، مسؤوليتها عن مقتل السائقين وإحراق الشاحنات المحملة بالنفط، بينما توعد التنظيم بمواصلة ما سماه بـ«الحرب الاستنزافية».
«حرق الجيوب».. داعش يطبق وصفة «البغدادي» للحرب الاستنزافية
استهداف شاحنات النفط، كان واحدًا من بين عدة تكتيكات اعتمد عليها تنظيم داعش منذ أبريل 2019، استجابةً لتوجيهات أعطاها زعيمه السابق «أبوبكر البغدادي».
عبر مقطع مرئي بثته مؤسسة الفرقان الإعلامية، ظهر «البغدادي» مخضبًا لحيته بالحناء واضعًا خلفه سلاحًا آليًا روسيًّا، ومحاطًا بـ3 من قيادات التنظيم الإرهابي.
تحدث زعيم داعش عن الهزيمة التي تكبدها التنظيم في قرية الباغوز فوقاني السورية، معلنًا بدء مرحلة جديدة من الحرب الاستنزافية.
وخلال لقائه المرئي الأخير، وضع «البغدادي» وصفة لعناصر التنظيم من أجل مواصلة العمليات الإرهابية، قائلًا إن التنظيم سيعمل بنظام الحرب الاستنزافية التي سيكون هدفها استنزاف المقدرات العسكرية والمالية واللوجيستية لأعدائه.
ودعا زعيم داعش السابق، أنصاره وجنوده إلى مواصلة حرب الاستنزاف والتركيز على الجانب الاقتصادي.
خطة السنوات الثلاث
قبيل انهيار الخلافة المكانية، أدرك «قادة داعش» أن مرحلة السيطرة المكانية، أوشكت على النهاية وأنهم عائدون لا محالة لأساليب حرب العصابات.
وبحسب تحليل سابق نشرته مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية لـ«كولين ب. كلارك»، و«عمار سادجيم» الباحثين في شؤون الحركات الإرهابية، فإن قادة التنظيم الإرهابي وضعوا خطة تمتد لـ3 سنوات، يعمل فيها عناصر داعش بأسلوب حرب العصابات، وذلك بعد فقدانه السيطرة على معاقله.
تعتمد خطة «داعش» الجديدة على عمل المفارز الأمنية وهي خلايا داعشية تعمل داخل مناطق سيطرة الأعداء، وتعمل وفق أسلوب الاغتيال والخطف، وزرع وتفجير العبوات الناسفة والسيارات المفخخة، بالإضافة لتكتيك حرق الجيوب الذي يعتمد على استهداف المؤسسات الاقتصادية التي يعتمد عليها أعداؤه.
شاحنات النفط.. الأهداف الرخوة في مرمى «داعش»
بدأ تنظيم داعش، منذ سبتمبر 2019 في مهاجمة شاحنات النفط التي تخرج من مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية «قسد» إلى مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري.
وأبرمت قوات سوريا الديمقراطية اتفاقًا لبيع النفط مع الحكومة السورية، ويُنقل النفط الخام بواسطة شاحنات تابعة لشركة القاطرجي، المملوكة لعضو البرلمان السوري حسام القاطرجي أحد قادة ميليشيا الدفاع الذاتي الموالية للجيش السوري.
وتنوعت الوسائل التي استخدمها التنظيم الإرهابي في استهداف شاحنات النفط، إذ اعتمد في بعض الأحيان على الهجمات التي ينفذها المسلحون بواسطة الأسلحة الآلية، بالإضافة لاستخدام العبوات الناسفة، والقنابل اليدوية في مرات أخرى.
وبحسب تقرير صادر عن مركز اللواء مائير عاميت للاستخبارات فإن تنظيم داعش الإرهابي بدأ خلال الفترة الماضية استهداف شاحنات النفط باعتبارها «نقطة ضعف» قد يؤدي استهدفها إلى استنزاف قوات سوريا الديمقراطية ماليًّا، والإضرار بقدرتها على تمويل مؤسسات الإدارة الذاتية، والقوات العسكرية.
المحاصيل الزراعية.. حصاد «داعش» بختم من «نار»
لم تكن شاحنات النفط سوى واحدة من النقاط المدرجة ببنك الأهداف الداعشي، إذ ركز التنظيم أيضًا في سوريا والعراق على حرق المحاصيل الزراعية كتكتيك آخر للحرب الاستنزافية.
وبينما كان المزارعون في سوريا والعراق، يستعدون لحصاد الثمار، كان «داعش» يسن سكينه ويُشعل نيران حربه، لما يوصف بـ«حصد الرؤوس»، و«حرق الجيوب».
استغل التنظيم عدم وجود قوات عسكرية في المناطق الزراعية، وبدأ في إشعال النيران في المحاصيل، بل وزاد على ذلك بتفخيخ الطرق المؤدية إلى الأراضي الزراعية، لتفجير كل مَن يحاول إطفاء تلك الحرائق.
ونشر التنظيم عبر مجلته الأسبوعية -عدد 183، 184- تحريضًا لعناصره لمواصلة عمليات الحرق، قائلًا: مازال أمامكم ملايين الدونمات، من الأراضي المزروعة بالقمح والشعير، وأمامكم البساتين والمؤسسات الاقتصادية، فشمروا عن سواعدكم، وابدأوا الحصاد.
باحثون: «داعش» سيواصل حرب الاستنزاف بعد مقتل البغدادي
فى سياق متصل، قال «كولين ب. كلارك»، و«عمار سادجيم» الباحثان في شؤون الحركات الإرهابية إن تنظيم داعش سيواصل العمل بطرق حرب العصابات حتى بعد مقتل زعيمه السابق «أبوبكر البغدادي».
وتوقع الباحثان أن يسعى القائد الجديد لـ«داعش» أبوإبراهيم الهاشمي القرشي لجمع شمل التنظيم، ومواصلة الحرب التي يشنها ضد أعدائه لاستنزاف القوات المعادية له.