«الهروب الكبير».. قصة نقل أموال الإخوان خارج مصر
السبت 23/نوفمبر/2019 - 11:07 ص
طباعة
أسماء البتاكوشي
بدأت جماعة الإخوان نقل وتدوير أصولها المالية واستثماراتها لخارج مصر منذ عام 2013، وتزايدت وتيرة عمليات النقل، بعد الإطاحة بحكم الجماعة في يوليو من العام ذاته.
في المقابل، شكلت السلطات المصرية أول لجنة لـ«حصر أموال الإخوان»، والتحفظ عليها؛ ونجحت اللجنة، إضافةً إلى الحملات الأمنية التي استهدفت قيادات الإخوان المشرفين على اقتصاد الجماعة في تفكيك الشبكات القديمة لجماعة حسن البنا «مؤسس الإخوان عام 1928»؛ ما دفعها لبناء شبكة استثمارات جديدة خارج مصر.
شبكات تهريب الأموال الإخوانية
لجأت جماعة الإخوان لطرق بدائية لتدوير الأموال؛ إذ اعتمدت على حقائب وكراتين لنقل الأموال والعملات الأجنبية، وذلك بحسب إبراهيم ربيع القيادي الإخواني المنشق، الذي اطلع على أساليب الجماعة في نقل أموالها قبل تركه لها.
وضبطت قوات الأمن كراتين تحتوي على أموال وعملات أجنبية بالدولار الأمريكي والجنيه الإسترليني، بمكتب نائب المرشد العام لجماعة الإخوان خيرت الشاطر، وذلك بحسب بيان سابق لوزارة الداخلية المصرية.
ولم تكن تلك الطريقة الوحيدة لتهريب الأموال؛ إذ استغل أفراد الجماعة جوازات سفر دبلوماسية حصلوا عليها خلال فترة الرئيس الإخواني محمد مرسي، لنقل الأموال للخارج.
وقال «ربيع» إن هناك أكثر من ألف شخص من أعضاء الإخوان حصلوا على جوازات سفر دبلوماسية خلال فترة مرسي؛ واستغلوا «الحقائب الدبلوماسية» في نقل الأموال لدول موالية للجماعة كقطر وتركيا.
واعتمدت الجماعة على حيلة أخرى، وهي نقل الأموال عبر شركات الاستيراد والتصدير العاملة في مصر، وبلغ إجمالي الأموال التي تم نقلها عبر تلك الشركات نحو مليار جنيه، وذلك وفقًا لإحصائية أعدتها صحيفة الشرق الأوسط، استنادًا إلى ملفات ووثائق قضائية مصرية.
ومن بين الشركات التي اعتمدت عليها الإخوان في عملية نقل الأموال؛ شركة الاستيراد والتصدير المملوكة لرجل الأعمال الإخواني الهارب محمد صلاح محمود؛ إذ تم نقل أكثر من 130 مليون دولار، عبر 3 عمال في شركته، تناوبوا على السفر للخارج، ونقل نحو 50 إلى 100 ألف دولار أسبوعيًّا؛ وفقا للشرق الأوسط.
طرق ملتوية لتهريب أموال الجماعة
عبر عاملين في شركات الإخوان؛ وأشخاص آخرين من غير المنتمين للجماعة تنظيميًّا؛ واصلت الإخوان نقل أموالها للخارج في حين كانت لجنة حصر أموال الجماعة تعمل بجهد لتجميد الأصول المالية للإخوان داخل مصر.
وعمل مصطفى همام -أحد العاملين في شركة رجل الأعمال الإخواني محمد صلاح محمود- على تمرير الأموال داخل أظرف كبيرة الحجم وإدخالها عبر الدائرة الجمركية؛ وتسليمها لمتعاونين مع الجماعة لتهريبها بلا تفتيش.
وفي 8 يناير 2016، أُلقي القبض على «همام» أثناء محاولته السفر إلى الأردن، وبحوزته عملات أجنبية تعادل نحو مليون و650 ألف دولار.
كما اعتمد العاملون في تهريب أموال الجماعة على تمرير حقائب الأموال على جهاز الأشعة الخاص بالكشف على الحقائب دون الإشارة لمحتوياتها.
نقل الملكيات
عمدت الإخوان لنقل ملكيات شركاتها لأشخاص غير مرصودين أمنيًّا، إضافةً لنقل ملكيات الشركات التابعة لقيادات الجماعة لشركات أجنبية للتهرب من إجراءات الملاحقة والحظر.
وأوضح رشاد عبده، الخبير الاقتصادي، أن جماعة الإخوان تحايلت على إجراءات حصر الأموال التابعة لها بنقل ملكيتها لأشخاص غير معروفين سلفًا لأجهزة الأمن؛ وذلك بعد فشلها في نقل كل الأصول المالية لخارج مصر.
وأشار الخبير الاقتصادي في تصريح له إلى أن الجماعة كان لديها عدد كبير من الأشخاص غير المرصودين أمنيًّا؛ مضيفًا أنها استغلتهم في تمويل العمليات الإرهابية التي نفذتها الحركات المسلحة التابعة لها.
وفي ذات السياق؛ أكد إبراهيم ربيع في تصريحه لـه أن عبد الرحمن سعودي القيادي بجماعة الإخوان؛ كان مشاركا في مئات الكيانات العاملة في مجال العمارة، بينما لم يظهر في الصورة مباشرة.
وتابع: هناك أشخاص من عائلات إخوانية لكن غير ملاحقين أمنيًّا؛ ويتم استغلالهم من الجماعة في نقل الأموال؛ وملكيات الشركات التابعة لها.
وكشف «ربيع» أن الإخوان كجماعة سرية كانت تتخذ الاحتياطات اللازمة، لتفادي الملاحقة الأمنية؛ كما تجنبت التعامل المباشر مع البنوك بصورة كبيرة؛ واعتمدت الجماعة بشكل أساسي على أشخاص من غير المنتمين لها لنقل ملكيات الشركات والمدارس وغيرها؛ منذ عام 2013.
وبحسب تقارير صحفية سابقة فإن رجل الأعمال الإخواني صفوان ثابت- والمدرج على قوائم التحفظ على الأموال- نقل ملكية شركته إلى شركة أخرى تقع في جزر العذراء البريطانية، لتفادي قرارات التحفظ.
كما لجأ قادة الإخوان إلى التعاقد مع خبراء في القطاع البنكي؛ لنقل أموالهم إلى الخارج، وتعيين ممثلين قانونيين غير محسوبين على الجماعة لإدارة شركاتهم، وتمثيلهم في المنازعات القضائية».
تركيا وماليزيا ودول أفريقيا.. ملاذات جديدة لأموال الإخوان
استفادت جماعة الإخوان من الدعم الذي تلقاه من دول عدة، إضافة للشبكات الإخوانية الموجودة خارج مصر في إعادة تشغيل الأموال التي هربتها منذ 2013.
وعن هذه الدول؛ قال كريم العمدة الخبير الاقتصادي: إن جماعة الإخوان تبحث عن الدول التي لا تتبع أصول الأموال كالدول الراعية للإسلام السياسي، كما تستفيد من وجود بعض عناصر الجماعة خارج مصر لنقل وتشغيل الأموال.
واعتبر العمدة أن الجماعة لديها «اقتصاد موازٍ» بخلاف المعروف عنها؛ لافتًا إلى أن نشاطها الأكبر في تجارة العقارات.
ومن جانبه؛ قال سامح عيد، القيادي الإخواني المنشق: إن أغلب رجال الأعمال المنتمين للجماعة توجهوا إلى ماليزيا؛ للهرب من الملاحقة القضائية، وتلافي إجراءات التحفظ على الأموال.
وذكر «عيد» أن دولًا مثل ماليزيا وتركيا والسودان كانت هي الملاذات الآمنة للإخوان لهم؛ لأن أغلب الدول الأوروبية تفرض رقابة شديدة على التدفقات المالية الكبيرة؛ لذا لجأت الإخوان للدول الراعية لما يعرف بالإسلام السياسي.
وتابع: بالطبع تركيا تعتبر من أكثر الدول الراعية لجماعة الإخوان، فكان من المنطقي أن تكون تلك الدول هي الملاذ الآمن عن دول أوروبا.
وأكد «عيد» أن فترة رئاسة المستشار عدلي منصور الانتقالية، كانت القضايا لم ترفع بعد؛ ما سهل على الجماعة سهولة نقل أصولها المالية؛ إذ كانت الفرصة سانحة لتسرب الأموال رويدًا، نظرًا لاضطراب البلاد آنذاك.
وأشار القيادي الإخواني المنشق، إلى أن جماعة الإخوان لم تتمكن من نقل الأموال كلها؛ حيث إن القضايا التي كانت في 2015 حجزت على عدد كبير جدًّا من الأصول التابعة لها؛ لكنها نجحت في نقل بعض الأموال للدول الداعمة لها، وأعادت تشغيلها.
ووفقًا لتقرير سابق لصحيفة الشرق الأوسط فإن الجماعة نجحت في نقل جزء من أموالها إلى عدة دول في شرق أفريقيا وجنوبها.
«الأوف شور».. الجانب الآخر لاقتصاد الإخوان
بدأت جماعة الإخوان في ستينيات القرن الماضي، الاعتماد على شركات الأوف شور التي تشتهر بكونها غير خاضعة للرقابة والمساءلة القانونية.
وأسس يوسف ندا (أحد قادة التنظيم الدولي للإخوان؛ وأحد المسؤولين عن إدارة الملف الاقتصادي للجماعة) أولى شركات الجماعة بنظام الأوف شور؛ في جزر البهاما.
وتسمح دول وجزر عدة بتكوين شركات الأوف شور، وتمنحها مميزات أكثر في السرية، وتسمح لها بتجاوزات أكبر في اللعب بالأموال، مثل «قبرص، وكوستاريكا، وبنما، وسنغافورة، والبهاما، وبرمودا، وفيرجن».
ولا يتطلب تأسيس شركة «أوف شور» وجود مقر، وعادة ما ترتبط تلك البنوك بالاقتصاد السري، والتهرب من الضرائب، واختفاء مصادر أموال عملائها، واعتمدت جماعة الإخوان في بناء هيكلها الاقتصادي بشكل كبير، على بنوك الـ«أوف شور» في جزر البهاما.
وأعد الصحفي الأمريكي «دوجلاس فرح»، تقريرًا نشرته صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، تناول فيه اقتصاد الإخوان، يقول: «إن جماعة الإخوان تمكنت من بناء هيكل متین من شركات الـ«أوف شور»، التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من قدرتها على إخفاء ونقل الأموال حول العالم.
وتابع أن هذه الشركات تتمتع بغموض كبير؛ ما یجعلها بعيدة عن الرقابة، فضلًا عن نجاحها حتى الآن في لفت أنظار أجهزة المخابرات والمنظمات القانونیة، التي تطارد هیاكل تمویل الإرهاب في كل أنحاء العالم.
وألمح إبراهيم ربيع، القيادي الإخواني المنشق، إلى أن الجماعة تعتمد على شركات وبنوك الأوف شور للقيام بعمليات غسيل الأموال؛ إذ إنها كانت تسيطر على جزء من الأراضي الأفغانية، وتستخدمها لزراعة الحشيش وبيعه عبر أعضائها الموجودين هناك، مؤكدًا أن شبكات الأوف شور الإخوانية مؤسسة من عشرات السنين، ولم يتم استحداثها بعد 2013.