عامان على استهداف الصوفية في سيناء
الثلاثاء 26/نوفمبر/2019 - 06:36 م
طباعة
اسلام محمد
مر عامان على تفجير مسجد الروضة، على يد تنظيم داعش الإرهابي، وهي الحادثة التي هزت مشاعر ووجدان العالم وليس المصريين فحسب، لكن الفاجعة كانت أشد وقعًا على قلوب أبناء سيناء فإضافةً لبشاعة الحادثة في ذاتها، وأن المكان المستهدف بالعمل الإرهابي هو بيت الله، وأن الواقعة تمت أثناء تأدية صلاة الجمعة، لكن ما جعل الجرح يتضاعف هو أنها استهدفت قرية الروضة، التي تعد مقر الطريقة الجريرية المنسوبة للشيخ عيد أبوجرير.
والشيخ عيد، هو أحد أكثر الشخصيات محبةً وشهرةً في بوادي سيناء، فالبدو يحفظون سيرته عن ظهر قلب، وغالبًا ما يسبقون نطق اسمه بلقب «العارف بالله»، فهو الأب الروحي للصوفية في سيناء، وهو أيضًا من أهم مؤسسيها في قطاع غزة؛ حيث نقلها عنه تلميذه شريف الزين ونشرها في القطاع.
كما أن مسجد «الروضة» الذي تعرض لهذه العملية الإرهابية الغادرة، التي أودت بحياة ما يزيد عن 300 مصلي هو أحد أشهر المساجد، التي اعتاد أتباع الشيخ عيد أن يقيموا فيه مجالس الذكر والاحتفالات بالمناسبات الدينية، ومنها المولد النبوي فهددوهم بتفجيره، ونفذوا تهديدهم.
ولم يكن الشيخ عيد أبو جرير شيخًا عاديًّا، بل كان له الكثير من الكرامات بحسب المنقول عن أهل سيناء، وكان له ولتلامذته ومريديه دور وطني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وكثير من مريديه استشهدوا في مواجهة الاحتلال.
وينتمي الشيخ أبو جرير لعشيرة الجريرات، إحدى عشائر قبيلة السواركة الشهيرة، وهي عشيرة معروفة بين عموم القبائل بالتدين، ويقال: إن نسبهم يعود إلى الصحابي الجليل عكاشة بن محصن الأسدي المدفون بالسودان.
وقد عرف الشيخ عيد أبو جرير التصوف على يد العالم الصالح الشيخ «أبو أحمد السعافين» المعروف بالشيخ أبو أحمد الفالوجي، وهو شيخ من فلسطين التقاه عام 1957، وهو أحد مشايخ الطريقة العلوية الشاذلية بفلسطين.
ووفقًا للمنقول من سيرته فقد كان الشيخ عيد أبو جرير يحث مريديه على الصلاة، ويحثهم على التمسك بالشريعة الإسلامية والسنة النبوية وفعل الخير والمعروف، وشارك بقوة في الكفاح الوطني ضد العدو الإسرائيلي، وكان يحث أتباعه ومريديه على مواجهة المحتل ومعاونة الجيش المصري، خاصةً في حرب 1967 والاستنزاف، وقد حصل 100 من أتباعه على «نوط الامتياز» من الطبقة الأولى؛ لدورهم البطولي في حرب أكتوبر، وتعرض عدد من مريديه للأسر والتعذيب على يد الإسرائيليين.
ونتيجة لهذه السيرة العطرة، كان لأبناء الشيخ عيد ومريديه مكانة عظيمة في قلوب السيناويين، وهو الأمر الذي جعلهم هدفًا لهجمات الإرهابيين في تلك الواقعة الفاجعة التي وقعت منذ عامين.
عودة الاحتفالات
ورغم فجاعة الواقعة التي يقال: إنها قضت على ربع سكان قرية الروضة، وأصبح عشرات المنازل بدون رجال، إلا أن الحياة لم تتوقف، ففي ظرف 3 أيام تم إتمام أعمال الترميمات بالمسجد على نفقة وزارة الأوقاف، وقررت الحكومة صرف تعويض مادي قدره 200 ألف جنيه لأسرة كل شهيد، و50 ألف لكل مصاب، ورويدًا رويدًا بدأت الحياة تعود لطبيعتها رغم الجراح.
وبدأ أبناء الطريقة الجريرية استعادة أجواء الطقوس والمراسم الصوفية التي كانوا يؤدونها في أكثر من منطقة، ولكن هذه المرة كان التعاطف معهم أكبر من ذي قبل، فقد كان تفجير الروضة هو بداية النهاية للإرهاب في سيناء إذ اتضح بجلاء كذب الدعاوي الإرهابية، ومدى تهافتها بعد تلك الجريمة النكراء.
وعادت الاحتفالات بالمولد النبوى في شمال سيناء إلى الظهور من جديد، وفي ذكرى المولد النبوي الأخير، نظمت «الطرق الصوفية» احتفالية بهذه المناسبة في قرية الجورة بالشيخ زويد، التى ظلت «صوفية خالصة»، رغم ما تعرَّض له أهلها من تهديدات بالقتل على يد العناصر الإرهابية خلال سنوات الفوضى منذ عام 2011؛ ما دفع معظم سكان القرى المجاورة لمغادرة منازلهم؛ خوفًا على حياتهم، فيما تحدى أبناء الجورة الجميع وتمسكوا بالبقاء.
بل زاوية الشيخ «خلف الخلفات»، فى «الجورة»، ظلت تُحيي المناسبات الدينية وتُردد الأذكار دون خوف؛ تنفيذًا لوصية مؤسس الزاوية «خلفات» لتلميذه الشيخ عرفات خضر، المسؤول عنها حاليًّا، بعدم ترك المكان مهما حدث.
يقول الشيخ عبد الله جهامة، أحد زعماء قبيلة الترابين: إن الصوفية ينتشرون في كل الأماكن، ويتميزون بعدم التشدد الديني على الإطلاق، ولهم قواعد في معظم المحافظات، وأن الروضة تعد من أهم مراكزهم في شبه جزيرة سيناء، وكان لهم وجود قوي في رفح قبل اشتعال المشاكل الأمنية هناك
ويضيف للبوابة نيوز، أن صوفيو سيناء دائمًا في جناح الدولة ولا يخرجون أبدًا عن جناح الدولة، وهم دائمًا من مؤيدي الدولة، و لهم زواياهم المعروفة التي يصلون فيها ويحتفلون بالمناسبات الدينية كالمولد النبوي الشريف وغيره، لكنهم في النهاية جزء من النسيج المجتمعي لا يتميزون أو ينعزلون عن المجتمع.
عامان على استهداف
وقال محمد علاء الدين ماضي أبو العزائم، شيخ الطريقة العزمية بمصر: إن الطريقة الجريرية في سيناء هي أكبر طرق التصوف في كامل شبه الجزيرة كما أنها تنتشر في المحافظات المجاورة، كمحافظات القناة والشرقية والتي تأثرت بها، كما لفت إلى وجود طرق أخرى في سيناء كالعزمية وغيرها لكن بقدر أقل.
وأضاف أن التصوف في سيناء لا يختلف عن التصوف في غيرها من المحافظات الأخرى، فسمة التصوف واحدة لا تختلف من مكان لآخر، لكن تختلف الطرق ومسمياتها.