ما وراء الأبواب المغلقة.. تسريبات مثيرة عن حملة الصين ضد الإيجور (2-2)

الثلاثاء 26/نوفمبر/2019 - 06:38 م
طباعة ما وراء الأبواب المغلقة.. اسلام محمد
 
أثار تسريب عدد ضخم من الوثائق السرية الصينية ضجة عالمية،لاسيما وأن تلك الواقعة وصفت بأنها الواقعة الأكبر من نوعها في تاريخ الصين الحديثة.


حملة الكراهية
وتشمل الأوراق المسربة خطبًا سرية للرئيس الصيني وقادة آخرين، وعدد من أوراق التحقيقات الداخلية، حول مراقبة السكان الإيجور في شينجيانج، وخطط لتوسيع نطاق القيود المفروضة على الأقليات المسلمة؛ لتشمل أجزاء أخرى من البلاد، نشرتها صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.



ويقول التقرير: إنه في غضون أشهر من إعطاء الرئيس الصيني شي جين بينج، أوامره بشن حملة على الإيجور في 2014، بدأت مواقع حكومية مخصصة للتلقين العقائدي في فتح أبوابها في جميع أنحاء شينجيانج - معظمها منشآت صغيرة في البداية، ضمت عشرات أو مئات من قومية الإيجور وأخضعتهم لجلسات تهدف إلى الضغط عليهم للتخلي عن الولاء للدين، وإعطاء الأولوية للولاء للحزب الشيوعي الحاكم في الصين.



ثم في أغسطس 2016، تم نقل مسؤول اسمه تشين قانجو من التبت لحكم شينجيانج، خلال أسابيع، دعا المسؤولين المحليين إلى «إعادة تعبئة» لتحقيق أهداف الرئيس شي، وأعلن أن خطب السيد شي «حددت الاتجاه لإنجاح شينجيانج»، وتبع ذلك ضوابط أمنية جديدة وتوسع كبير في معسكرات التلقين.



وقال تشن في كلمة ألقاها أمام القيادة الإقليمية في أكتوبر 2017، والتي كانت من بين الأوراق التي تم تسريبها: «إن الكفاح ضد الإرهاب ولحماية الاستقرار هو حرب طويلة الأمد، وكذلك حرب هجوم».



ما وراء الأبواب المغلقة
وذكرت وثيقة أخرى، أن تشن اعتبر في مؤتمر عبر الفيديو في أغسطس 2017، مهارات التدريب المهني ومراكز التدريب والتحول، مثال على «الممارسات الجيدة»؛ لتحقيق أهداف السيد شي في شينجيانج.


وتمت إدانة تلك المعسكرات في واشنطن وعواصم أجنبية أخرى، لكن الوثائق كشفت أنه في وقت مبكر وبالتحديد خلال مؤتمر القيادة في مايو 2014، توقع الرئيس الصيني أن تلقى حملته انتقادات دولية وحث المسؤولين وراء الأبواب المغلقة على تجاهل ذلك، وقال: «لا تخافوا إذا كانت معسكر الأعداء يشوه صورة شينجيانج».


وتظهر الوثائق، أنه كانت هناك مقاومة للحملة داخل الحزب، وتسلط الضوء على الدور الرئيسي الذي لعبه رئيس الحزب الجديد في شينجيانج في التغلب عليه.


وقد أصدر تشن أمرًا كاسحًا: «ألقوا القبض على كل من يجب القبض عليه»، وتظهر هذه العبارة الغامضة مرارًا وتكرارًا في المستندات الداخلية اعتبارًا من عام 2017، وتم تجاهل ذكر الإجراءات القضائية، فيما يتعلق باحتجاز أي شخص أظهر «أعراض» للتطرف الديني أو آراء معادية للحكومة، ووضعت السلطات العشرات من هذه العلامات، بما في ذلك التخلي عن التدخين أو شرب الكحوليات ودراسة اللغة العربية.


وقد وصف توجيه من 10 صفحات صدر في يونيو 2017 وقعه تشو هايلون، المسؤول الأمني ​​الأعلى في شينجيانج، الهجمات الإرهابية الأخيرة في بريطانيا بأنها «تحذير ودرس لنا»، وألقى باللوم على «التركيز المفرط على الحكومة البريطانية» على «حقوق الإنسان»، فوق الأمن، «وعدم كفاية الضوابط على انتشار التطرف على الإنترنت وفي المجتمع».


وفي خطب عام 2014، أشار الرئيس الصيني إلى جنوب شينجيانج كخط للمواجهة ضد التطرف الديني، إذ يشكل الإيجوريون ما يقرب من 90 في المائة من السكان، مقارنة بأقل من النصف في شينجيانج بشكل عام، وأظهرت الوثائق أنه هو وزعماء الحزب الآخرون، أمروا منظمة شبه عسكرية، وهي شركة شينجيانج للإنتاج والبناء، بتسريع الجهود لتوطين المنطقة بمزيد من الهان الصينيين الذين يمثلون الأغلبية.

معالجة الاستياء العرقي
وبعد بضعة أشهر، هاجم أكثر من 100 من مسلحي الإيجور مسلحين بالفؤوس والسكاكين مكتبًا حكوميًّا ومركزًا للشرطة في يركاند؛ ما أسفر عن مقتل 37 شخصًا، وفقًا لتقارير حكومية، في المعركة، قتلت قوات الأمن 59 مهاجمًا، حسبما ذكرت التقارير.



وتم تعيين مسؤول يدعى وانج يونج تشي لإدارة ياركاند بعد ذلك بوقت قصير، وكان ينظر إليه على أنه مسؤول متمرس قادر على الوفاء بالأولويات العليا للحزب في المنطقة، «التنمية الاقتصادية، والسيطرة الصارمة على الإيجور».



لكن من بين أكثر المستندات التي كشفت في الأوراق المسربة، وثيقتان تصفان سقوط السيد وانج تم توزيعهما داخل الحزب كتحذير للمسؤولين على الوقوع في مثل هذه الأفعال.


بدأ السيد وانج في تعزيز الأمن في يركاند، لكنه دفع أيضًا التنمية الاقتصادية لمعالجة الاستياء العرقي، وسعى لتخفيف السياسات الدينية للحزب، معلنًا أنه لا حرج من وجود القرآن في المنزل وتشجيع مسؤولي الحزب على قراءته لفهم تقاليد الإيجور بشكل أفضل.


وعندما بدأت الاعتقالات الجماعية، فعل السيد وانج كما قيل له في البداية وظهر أنه يتبنى المهمة بحماس، فبنى مركزين للاحتجاز مترامي الأطراف، بما في ذلك واحد يصل إلى 50 ملعب كرة سلة، ووضع 20000 شخص فيها.


وقام بزيادة التمويل لقوات الأمن بشكل حاد في عام 2017، أي أكثر من ضعف الإنفاق على النفقات، مثل نقاط التفتيش والمراقبة إلى حوالي 180 مليون دولار.



فرق سرية
ووسط تلك الحملة تمت معاقبة الآلاف من المسؤولين في شينجيانج لإخفاقهم في تنفيذ الحملة بحماسة كافية، واتُهم مسؤولو الإيجور بحماية زملائهم من الإيجور، وسُجن قو ون شنج، زعيم الهان في مقاطعة جنوبية أخرى؛ لمحاولته إبطاء الاعتقالات وحماية مسؤولي الإيجور، وفقاً للوثائق.


كما سافرت فرق سرية من المحققين في جميع أنحاء المنطقة للتعرف على أولئك الذين لم يفعلوا ما يكفي في الحملة، ففي عام 2017، فتح الحزب أكثر من 12000 تحقيق في حق أعضاء الحزب في شينجيانج بتهمة ارتكاب مخالفات في «الحرب ضد الانفصالية»، وهو رقم أكثر من 20 ضعف الرقم في العام السابق، وفقًا للإحصاءات الرسمية.


لكن السيد وانج، ارتكب ما كان سببًا في سقوطه هو شخصيًّا، إذ أمر بالإفراج عن أكثر من 7000 من نزلاء المعسكر، وقد كتب وانج بعد اعتقاله قائلاً: «لقد أخفقت، وتصرفت بشكل انتقائي وأعدلت تعديلاتي، معتقدًا أن إلقاء القبض على الكثير من الناس سيعمل على إثارة الصراع وتعميق الاستياء، لقد انتهكت القواعد».



واختفى السيد وانج بعد سبتمبر 2017، وبعد حوالي ستة أشهر، جعل الحزب منه عبرة؛ حيث أعلن أنه يجري التحقيق معه؛ بسبب «عصيانه الشديد لإستراتيجية القيادة المركزية للحزب لحكم شينجيانج».

 
كان التقرير الداخلي حول التحقيق أكثر وضوحًا، وقال: «كان ينبغي أن يبذل قصارى جهده لخدمة الحزب»، «وبدلًا من ذلك، تجاهل إستراتيجية القيادة المركزية للحزب في شينجيانج، وذهب أبعد من التحدي الصريح».


تم قراءة كل من التقرير واعتراف السيد وانج بصوت عال للمسؤولين في جميع أنحاء شينجيانج، كانت الرسالة واضحة: «لن يتسامح الحزب مع أي تردد في تنفيذ الاعتقالات الجماعية».


ووصفوا السيد وانج، بأنه «فاسد بشكل لا يمكن تصديقه»، وأنه «رفض إلقاء القبض على كل من يجب القبض عليه».


لكن نائب مدير المكتب الإعلامي لمنطقة شينجيانج، شو قوشيانج، لفت إلى أن الحكومة الصينية أنشأت مراكز التدريب والتعليم المهني لمساعدة الإيجور على التخلص من التطرف، وأنه بعد عامين من الجهود كانت الإنجازات ملموسة، مضيفًا: «وبعد ذلك أصبح لدى بعض المتدربين في المراكز فهم صحيح للتطرف وخطورته، وبعض منهم يقول في السابق: هناك بعض عناصر التطرف يطلبون منا قتل الأشخاص لدخول الجنة، ولكن بدأنا نفكر لماذا هم لا يقتلون الأشخاص ويدخلون الجنة؟


وتابع، أن شينجيانج، لم تشهد في السنوات الثلاث الأخيرة عنفًا وإرهابًا وهو إنجاز عظيم، وتخرج معظم المتدربين من مدارس التعليم والتدريب المهني


وأكد قوشيانج، أنه لا يجوز استخدام الدين لمعارضة الحزب الشيوعي الصيني ونظام الاشتراكية وتخريب التضامن بين القوميات ووحدة البلاد.


لكن بعد تصاعد الانتقادات الدولية للحملة التي أعلنت بكين عن إطلاقها لمكافحة الإرهاب منذ عام 2017، كشف ناشطون من الإيجور أنهم وثّقوا وجود حوالى 500 معسكر تديرهم الحكومة الصينية؛ لاحتجاز أفراد من هذه الإثنية المسلمة، مشيرين إلى أن عدد الإيجوريين نزلاء المعسكرات قد يكون أعلى بكثير من مليون، وهو الرقم الذي سبق وتحدثت عنه تقارير الأمم المتحده.

 

وقدّمت حركة الصحوة الوطنية لتركستان الشرقية التي تتخذ من واشنطن مقرًا لها، إحداثيات جغرافية لـ182 توصف بأنها «معسكرات اعتقال»، بعد الاستعانة ببرنامج «جوجل إيرث» للقيام بأبحاث حول بعض الصور.


وفي وقت سابق من هذه الشهر، أكد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، أن بلاده تشعر بقلق عميق إزاء التقارير التي تفيد بأن الصين «ضايقت أو سجنت أو احتجزت بشكل تعسفي» أفراد من نشطاء الإيجور المسلمين، وناجين من معسكرات الاعتقال، نشروا قصصهم على الملأ.


دعوة واشنطن
ولفت وزير الخارجية الأمريكي في بيان، إلى أنه في بعض الحالات، وقعت مثل هذه الانتهاكات بعد وقت قصير من لقاء النشطاء مع كبار المسؤولين في وزارة الخارجية، وكرر دعوة واشنطن لبكين للإفراج عن المعتقلين ووقف مضايقة الإيجور الذين يعيشون في الخارج، داعيًا الصين إلى السماح للمعتقلين بالتواصل مع أفراد أسرهم.

 

ونشرت صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية تقريرًا، أشار إلى تعرض أقلية الإيجور المسلمة التي تعيش على الأراضي الفرنسية إلى مضايقات من قبل عملاء النظام الصيني، الذين يرسلون تهديدات إليهم، عبر مكالمات هاتفية مجهولة.

 

ويقول نشطاء وشهود: إن الصين تستخدم التعذيب لإدماج الإيجور المسلمين قسرًا ضمن غالبية الهان التي تمثل 92% من سكان البلاد، بما في ذلك الضغط عليهم للتخلي عن عقائدهم، مثل الصلاة والامتناع عن تناول لحوم الخنزير أو شرب الكحوليات.

 

وأنكرت الصين سياسة المعسكرات في العام الماضي عندما تم إثارة القضية في مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، لكنها عادت وبررتها بأنها مجرد معسكرات مهنية هدفها مكافحة التطرف.



كما أعلن البنك الدولي يوم الإثنين 11 نوفمبر، إيقاف تمويل المدارس المهنية في الصين بعد التقارير حول سوء معاملة أقلية الإيجور المسلمة.



وتخشى الشركات الصينية وقوعها تحت طائلة «قانون ماجنيتسكي»، الذي ينص على محاسبة الأطراف المتورطة في عمليات الاغتيال أو التعذيب للأشخاص خارج القضاء، ويسمحُ لحكومة الولايات المتحدة بمعاقبة المسؤولين الحكوميين الفاسدين والمتورطين في الاعتداءات على حقوق الإنسان في أي مكان حول العالم.

 

وكانت شركة كلاودووك، نشرت أنظمة متطورة لتحليل الوجه تخطر الشرطة تلقائيًّا عندما يبدأ أفراد الإيجور في التجمع في أي مكان، باستخدام تقنية التعرف على العِرْق.

 

وقد أثار سياسيون ألمان وهولنديون وفي دول أخرى مخاوف حول تعامل شركات في بلادهم مع شركات صينية تعمل في مناطق الإيجور، وبدأوا في مناقشة كيفية منع وصول التكنولوجيا الغربية للشركات الصينية المتورطة في هذا الأمر.

 

وقد تصاعدت الانتقدات الدولية لبكين، بعد رفع تقرير جديد لإذاعة آسيا الحرة النقاب عن فضيحة أخلاقية كبيرة، عندما أذاع أن الضباط الرجال المنتسبين للحزب الشيوعي غالبًا ما ينامون في نفس الأسرّة مع النساء اللاتي اقتيد أزواجهن إلى معسكرات الاعتقال، مستشهدين بمسؤولين صينيين لم تكشف عن هويتهم.

 

ومن أجل منع انتشار تلك الأخبار إلى الخارج، حظرت السلطات على سكان الإيجور التحدث إلى الصحفيين أو أي شخص من خارج المنطقة؛ حيث يعرضهم ذلك للاعتقال، لكن بعض الهاربين رووا قصصا مروعة، جعلت العديد من الدول تصعد من انتقاداتها لحملة الصين ضد التطرف والتي تستهدف الإيجور.

شارك