إعلام الإرهاب.. صعود وهبوط «آلة الرعب» الداعشية

الأحد 01/ديسمبر/2019 - 12:05 م
طباعة إعلام الإرهاب.. صعود أحمد سلطان
 
في 24 نوفمبر 2019، توقفت سلسلة قنوات «ناشر نيوز» المعنية بنقل كل أخبار إصدارات تنظيم «داعش» الإرهابي، على تطبيق «تيليجرام» للتواصل الاجتماعي، وبعد نحو أسبوع من التوقف صَدرت صحيفة «النبأ» التابعة للتنظيم افتتاحيتها بمقالة معنونة بـ«منتصرون في الحرب الإعلامية» للتغطية على السقوط الأخير لآلته الدعائية.

قبل ذلك التاريخ، تمدد داعش منذ 2014 في الفضاء الإعلامي قبل أن يتمدد على الأرض، ويسيطر على مساحات شاسعة من سوريا والعراق، معلنًا إقامة الخلافة المكانية.


أدرك قادة التنظيم الأوائل أهمية الدور الإعلامي، فسعوا لامتلاك آلة دعائية متطورة، تضمن لهم الانتشار والوصول إلى أنصار التنظيم والمتعاطفين معه، ففي 16 سبتمبر 2010 نشرت مؤسسة «الفرقان» الإعلامية الداعشية رسالة لزعيم التنظيم السابق «أبو حمزة المهاجر» بعنوان «رسالة إلى من حملوا أمانة البلاغ».


وقتل «المهاجر» الذي كان يشغل منصب وزير الحرب ونائب أمير تنظيم دولة العراق الإسلامية (النسخة السابقة لداعش)، مع قائد التنظيم أبي عمر البغدادي في أواخر أبريل من العام نفسه، لكن رسالة صوتية سجلها قبيل مقتله وجدت طريقها إلى الظهور الإعلامي لتحقق دوي في أوساط أفراد ومناصري التنظيم الإرهابي، ولتتحول تلك الكلمات لاحقًا إلى خطة عمل شاملة لداعش.


المعركة لن تهدأ


بعبارة مقتضبة أكد أبو حمزة المهاجر أن «المعركة الإعلامية لن ولم تهدأ»، ولم تكن تلك الكلمات سوى تطبيق عملي آخر لشعار «باقية» الذي رفعه التنظيم منذ انحساره وهزيمته في المدن العراقية في عام 2008.


وإذا كانت المعركة مستمرة فلابد من مواصلة إذكاء نيرانها، فكما يمتلك أعداء التنظيم قنوات إعلامية تبث الأفكار التي يعتنقونها، لابد أيضًا للتنظيم من أن يمتلك مؤسساته الخاصة، لذا وُضع «المهاجر» لفضاء الإعلام الإرهابي.


وصفة «المهاجر» التي أفرزت إعلام الرعب


لم يكن نشر رسالة «المهاجر» بعد مقتله، سوى تأكيد من التنظيم على أنه مستمر في اتباع توجيهاته، والعمل على تنفيذ خططه لبناء المؤسسات الإعلامية التحريضية، لاسيما أن تلك الخطة كانت شاملة من وجهة نظر الدكتور وائل الفياض أو أبي محمد الفرقان المسؤول الإعلامي الأبرز لتنظيم دولة العراق الإسلامية ومن بعده تنظيم داعش.


اعتمدت وصفة «المهاجر» على نشر الرعب الإعلامي بإظهار قوة التنظيم الإرهابي، وبث مشاهد القتال والعمليات الإرهابية، بالإضافة لنشر الدعاية التي تستهدف إظهار الجيوش الغربية، والدول المحاربة للتنظيم بالضعف والفشل.


وتضمنت الخطة نشرًا للدورات الإعلامية، وإعداد نشرات تقنية بصورة دورية ليستفيد قادة التنظيم الإرهابي منها، كما شملت إعداد منتديات لا تتبع التنظيم الإرهابي ظاهريًّا لكن تهتم بالترويج والاستقطاب غير المباشر للأفراد، وذلك بالإضافة للمنتديات التي تدعم التنظيم بشكل صريح.


بعد سنوات عدة وتحديدًا في 2014، بدأت «خطة المهاجر» تؤتي ثمارها، فأسس داعش ما عُرف بديوان الإعلام المركزي، الذي عمل على الإشراف على الآلة الدعائية للتنظيم الإرهابي.


وأسس القيادي الداعشي المقتول أبو محمد الفرقان مع رفيقه أحمد أبو سمرة الذي عُرف بـ«أبي ميسرة الشامي» هيكلية الإعلام الداعشي الجديد الذي اعتمد على 3 مؤسسات للإنتاج المرئي، هي: «الفرقان، والحياة، والاعتصام»، بالإضافة لمؤسسة «أجناد» المعنية بإنتاج أناشيد التنظيم الإرهابي، وإذاعة البيان «راديو داعش»، بالإضافة لسلسلة مجلات ناطقة بعدة لغات هي «النبأ العربية، ودابق ثم رومية الإنجليزية، وقسطنطينية التركية وغيرها.


وبحسب وثائق سابقة  فإن ديوان الإعلام المركزي كان مقسمًا إلى جزأين من حيث الاختصاص، الأول هو الإعلام الرسمي والذي يهتم بمؤسسات داعش التنظيمية الرسمية السابق ذكرها، والثاني هو الإعلام غير الرسمي المسؤول عما يعرف بـ«المؤسسات المناصرة»، والتي شملت مؤسسات «ناشر نيوز، والبتار للإنتاج الإعلامي، وقريش، وغيرها».

«العزم الصلب».. حملة تفكيك الإعلام الداعشي


ومع بدء عمليات التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش» والمعروفة بـ«العزم الصلب»، بدأت القوات المحاربة في استهداف النقاط الإعلامية التي كان التنظيم الإرهابي، بالإضافة للتتبع واستهداف القادة الفاعلين في إعلام داعش.


ونجحت قوات «العزم الصلب» في اغتيال «أبو محمد الفرقان»، ومساعده الأول «أبو ميسرة الشامي»، في عام 2016، لتتوقف مجلات داعش الناطقة باللغات الأجنبية، رغم استمرار آلة داعش الدعائية في العمل بصورة طبيعية.


وبعد أقل من عامين بدأ إعلام داعش خاصةً خلال حصار التنظيم في قرى هجين، والباغوز، إذ سقط عدد من القيادات الإعلامية الداعشية في تلك الفترة من بينهم أبو عمر الزر المسؤول الإعلامي الأبرز في التنظيم وقتها.

 

وتراجعت وتيرة نشر الإصدارات الداعشية، خلال تلك الفترة، واكتفى التنظيم بنشر البيانات الإخبارية التي تبثها وكالة أعماق، وفي أحيان أخرى ألبومات صور للمكاتب الإعلامية خارج سوريا والعراق، قبل أن يعود ليبث سلسلة من الفيديوهات تحت عنوان «والعاقبة للمتقين» بداية من منتصف 2019.


وبحسب تقرير سابق لمؤسسة «صوفان جروب»، وهي مؤسسة معنية بشؤون الاستخبارات والأمن الدولي، فإن آلة التنظيم الإعلامية تأثرت بمقتل القيادات الإرهابية المشرفة عليها، وهو ما أدى لتراجع المحتوى الذي كانت تبثه لكن التنظيم يحاول ترميمها من جديد خلال الفترة الماضية.

إعلام داعش بعد مقتل البغدادي


في حين كان تنظيم داعش يحاول ترميم الصدع الذي حدث في آلته الدعائية، تعرض لصدمة كبرى بمقتل زعيمه أبي بكر البغدادي في أواخر أكتوبر 2019.


وخلال اليومين الذين تليا مقتل «البغدادي»، واصلت قنوات التنظيم الإرهابي على تطبيق «تيليجرام» نشر أخبار العمليات الإرهابية دون الإشارة إلى مقتل زعيم داعش، لكن بعد مرور اليومين، اعترف التنظيم رسميًّا بمقتل «البغدادي» عبر كلمة صوتية بثتها مؤسسة الفرقان الداعشية للمتحدث باسم التنظيم أبي حمزة القرشي، وخلال كلمته، أعلن «القرشي» تولي أبي إبراهيم الهاشمي لقيادة التنظيم الإرهابي خلفًا لـ«أبي بكر البغدادي».


ومنذ ذلك الإعلان، انتهج الإعلام الداعشي استراتيجية مختلفة قليلًا عن استراتيجيته السابقة، إذ ركز على نشر صور بيعة «الهاشمي» التي أداها عناصر التنظيم الإرهابي في عدة دول ومناطق.


وبحسب تقرير لصحيفة «الأمن الوطني اليوم» وهي صحيفة أمريكية معنية بشؤون الإرهاب، فإن إعلام تنظيم «داعش» ركز على التحريض لعمليات الذئاب المنفردة، والعمليات الإرهابية غير التقليدية منذ مقتل زعيمه أبي بكر البغدادي.


ونشرت عدة مؤسسات إعلامية مناصرة لـ«داعش» تصميمات تدعو لتنفيذ هجمات باستخدام المناطيد الطائرة، وإشعال الحرائق في الغابات ومحطات الوقود، وغيرها من المناطق.


ودعت المؤسسات الإعلامية الداعشية عناصر التنظيم الإرهابي للتوحد والتمسك بـ«بيعة الهاشمي»، ومواصلة شن الهجمات الإرهابية انتقامًا لمقتل «البغدادي».


وفي السياق ذاته، واصلت منصات التواصل الاجتماعي المختلفة وعلى رأسها «فيس بوك، وتويتر»، حذف المحتويات التي تحض على الإرهاب وحذف الحسابات التي تروج للفكر الداعشي، كما بدأ تطبيق تيليجرام للتواصل الاجتماعي في تغيير الشروط التي يتبعها تجاه القنوات والحسابات التي تروج للفكر الإرهابي.


وذكرت وكالة الشرطة الأوروبية «يوروبول» أنها وجهت ضربة قاسية إلى وسائل الدعاية التابعة لتنظيم داعش الإرهابي على الإنترنت، موضحةً أنها أزالت 26 ألف حساب ومادة دعائية مرتبطة بتنظيم داعش بما في ذلك وكالة أعماق إحدى أذرع التنظيم الإرهابي.


وأشارت إلى أن حملتها الجديدة ضد تنظيم داعش تمت بالتعاون مع إدارة تطبيق تيليجرام للتواصل الاجتماعي، معتبرةً أن داعش سيستغرق وقتًا طويلًا في إعادة بناء هيكله الإعلامي.

مرصد الإفتاء: آلة داعش الإعلامية تهاوت


من جانبه، أكد مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية، أن آلة داعش الإعلامية أصيبت في مقتل، ولم تعد تلك الآلة التي اشتهرت في السنوات الأخيرة بإصداراتها «الهوليودية».


وأضاف المرصد، في تعليق سابق له على الأداء الإعلامي الداعشي، أن تقنيات التصوير الاحترافية غائبة تمامًا عن إعلاميي «داعش» الحاليين، فضلًا عن الإخراج والأعمال الفنية، الأمر الذي يرسخ لدى الجميع أن التنظيم فقد جل قادته وكوادره الكبرى في مختلف التخصصات، ولم يبقَ سوى عناصر قليلة غير مؤهلة ولا مدربة على تنفيذ ما يطلب منها.


وأوضح المرصد أن القدرات القتالية والإعلامية للتنظيم تلقت ضربات قاصمة وَضَحَتْ بشكل واسع في جودة واحترافية الأداء الإعلامي والإخراج والتصوير؛ حيث عرضت الفيديوهات الداعشية مشاهد بدائية تم تصويرها بشكل عشوائي وضعيف للغاية، وهو نفس الأمر الذي ينطبق على إصدار ملحمة الاستنزاف الأخيرة.

شارك