مفتي الجمهورية: الفكر الإسلامي يجب أن يهتم بالدراسات التي تُبين أهمية إدارة ما خلقه الله للإنسان في هذا الكون
الإثنين 02/ديسمبر/2019 - 12:33 م
طباعة
حسام الحداد
أكد فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام – مفتي الجمهورية- أن الماء من النعم التي امتنَّ الله تعالى بها على بني آدم؛ لأن به قوام الحياة، ولذلك كان من الملائم أن يكون غير مملوك لأحد، وأن يكون الانتفاع به حقًّا مشتركًا بين البشر جميعًا، فالأصل في الماء عدم استئثار معين بملكه إلا بحيازته، ووفق ضوابط معينة.
وأضاف فضيلته أن الفكر الإسلامي بحاجة إلى الاهتمام بالبحوث والدراسات المؤصَّلة التي تُبين أهمية إدارة ما خلقه الله تعالى للإنسان في هذا الكون، وتؤكد أن عمارة الأرض لا تنفك عن عبادة الله تعالى؛ ليكون ذلك دافعًا للعمل وتأدية الدور الحضاري للإسلام والمسلمين في أرجاء المعمورة.
جاء ذلك في بحث استعرضه فضيلة المفتي خلال فعاليات الندوة الدولية حول "تطور العلوم الفقهية" المنعقدة في سلطنة عمان، حيث جاء البحث بعنوان: "فقه الماء في القرآن الكريم" حيث استعرض فضيلته أبرز دلالات ألفاظ الماء في القرآن الكريم وما ارتبط بها من تخريجات فقهية ذكرناها بعد بيان أهمية الماء في ضوء القرآن الكريم، وقد ظهر بذلك ما أولاه الذكر الحكيم للماء من عناية، ومدى الثراء المرتبط بدلالة هذه اللفظة في القرآن الكريم بما انعكس على الاستنباط الفقهي والنظر الإسلامي لهذا العنصر الأساس في الكون.
وقال فضيلة المفتي في البحث: "لا ريب أنه ينبغي أن يعظُم أثر هذا الاهتمام القرآني في تعامل المسلمين مع الماء من حيث الحفاظ عليه وتقدير أهميته واتباع الوسائل العلمية في تعظيم الاستفادة به وتنمية مصادره وإدارة منافعه؛ وهذا يوجهنا إلى وجوب تقديم الدعم البشري والمادي إلى البحث العلمي الرصين في هذا السياق، ويربط الدين بالعلم باعتباره محفزًا عليه لا منافيًا له".
وأضاف أنه مع تلك المكانة المستقرة للماء في النفوس البشرية جاء القرآن الكريم ليؤكد على تلك الأهمية ويبرزها، معبرًا باللغة العربية التي أوضحت –بما فيها من ثراء دلالي- أهمية الماء بوجه عام، فأبرز القرآن أهمية الماء في كونه أصل القوت من الطعام والشراب بتسميته رزقًا كما في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا} [غافر: 13] وقوله: {وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الجاثية: 5]، فسمى الماء رزقًا مجازًا؛ من باب إطلاق اسم السبب على المسبب؛ لأن الرزق سبب غائي للمطر.
وعن الأهمية الشرعية للماء أوضح مفتي الجمهورية أن القرآن الكريم قد أصَّل لأهمية الماء في باب الطهارات الشرعية فبين أن الأصل في الماء الباقي على خلقته هو الطهورية، فقال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] وعليه فإن الماء أداة التطهير الأصلية، فكانت شرطًا في الوضوء مفتاح الصلاة، وكذا في الغسل من الجنابة قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6].
وأشار فضيلته إلى اهتمام فقهاء الإسلام بقضية الماء وملكيته، وخلص الفكر الفقهي الإسلامي إلى أن المياه المباحة للجميع على حدٍّ سواء لا يجوز لأحد الاستئثار بها، ولا تصلح لأن تكون محلًّا للتمليك الشخصي، وهذه المياه هي المياه التي تنبع في مواضع لا تختص بأحد، ولا صنع للآدميين في إجرائها كمياه الأنهار، والعيون في الجبال، وسيول الأمطار، ونحو ذلك، فالناس فيها سواء على ما روي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «الناس شركاء في ثلاثة: في الماء والنار والكلأ».
المبحث الأول: أهمية الماء في ضوء القرآن الكريم، وأقسامه، وهو بمثابة توطئة لموضوع البحث الرئيسي، تناول فيه أهمية الماء بوجه عام عند البشر مشيرًا إلى مكانته وموقعه في الثقافات والحضارات المختلفة، مع بيان تلك الأهمية والمكانة في القرآن الكريم.
المبحث الثاني: وهو موضع البحث وغايته، وتناول فيه أبرز الدلالات للماء في آي الكتاب الحكيم، وأتبع كل دلالة منها ما ارتبط بالآيات محل تلك الدلالة من تخريجات فقهية استندت إلى تلك الآيات في استنباط الحكم الشرعي.