العلاقة «القطرية ـــ الإخوانية».. التزام أيديولوجي ومنفعة متبادلة

الثلاثاء 03/ديسمبر/2019 - 11:55 ص
طباعة العلاقة «القطرية شيماء حسن
 
يبدو عنوان المقال- للوهلة الأولى- مغايرًا للواقع إلى حد بعيد، فالدولة التي تورطت بالفعل في تمويل التنظيمات الإرهابية في إطار تبنيها سياسة خارجية تهدف لتوظيف الفواعل الإرهابية لتعزيز النفوذ -وهو ما يعني اعتمادها على وكلاء تمدهم بالمال والسلاح -تدعي مكافحتها تمويل الإرهاب.


وتحاول تلك الورقة الاجابة عن عدة أسئلة أبرزها، هل يمكن أن تلتزم الدوحة ببنود اتفاق مكافحة الإرهاب؛ خاصة في ظل أنباء عن احتمالية حلحلة الأزمة الخليجية وإنهاء إجراءات المقاطعة العربية؟، وهل يمكن أن تتخلى عن دعم التنظيمات الإرهابية مثل الإخوان؟

قطر والإخوان.. الولاء والالتزام الأيديولوجي

لايخفى على أحد حجم التغلغل الإخواني في أركان ومفاصل النظام القطري منذ ستينيات القرن الماضي وبعد إن فتحت الدوحة أبوابها لإخوان مصر منذ محاولة اغتيال الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، أو للإخوان السوريين خلال حقبة الثمانينيات بعد "مجزرة حماة" وفرار العديد منهم للدوحة، ومؤخرًا في أعقاب ثورة 30 يونيو 2013 وعزل الإخوان عن السلطة، فمنذ اللحظات الأولى لوجود الإخوان في الدوحة استغل التنظيم بيئة المجتمع القطري لنشر أفكار أيديولوجية التنظيم،  كما حاول السيطرة على عدة وزارات حيوية مثل التعليم، وإنشاء المعهد الديني وكلية الشريعة ومن ثم نشر الأيديولوجية الإخوانية المتطرفة.

ويمكن القول إن العلاقة القطرية ـــ الإخوانية قائمة على الالتزام الأيديولوجي والمنفعة المتبادلة، فمن جهة تدعم الدوحة التنظيم في المنطقة العربية، ومن جهة تستثمر قطر في التنظيم لتحقق نفوذًا وتأثيرًا سياسيًّا. 


ومن جهة أخرى يستفيد التنظيم من وجود الدعم والتمويل القطري لنشر مبادئه وأفكاره وأيديولوجيته المتطرفة؛ خاصة بعد تداول معلومات تفيد بأن نظام الحكم في الدوحة استبدل الأيديولوجية الدينية من الاعتماد على الوهابية والدعوة السلفية في الداخل إلى أخونة الإمارة، مع الاستمرار في دعم الحركة السلفية بالخارج، أي أن التنظيم بالنسبة للدوحة أصبح بمثابة "حصان طروادة" الذي تستثمره الدوحة اليوم في فرض أجندتها الخاصة لتحقيق نفوذ وتأثير سياسي.

تجنيس الإخوان

لم يقتصر الدعم القطري للتنظيم الإرهابي على التمويل المالي والدعم الإعلامي عن طريق قناة الجزيرة، واستضافتها لشخصيات من جبهة النصرة، بل إن الدوحة استعانت بفكرة التجنيس للإخوان لشخصيات مطلوبة من السلطات المصرية لتورطهم بشكل مباشر بالإعداد والتخطيط والتمويل لعمليات إرهابية. 

وتأتي تلك الخطوة من الدوحة لتوفير حماية لتلك الشخصيات، وتمكينها من التحرك بحرية، وتفويت الفرصة لإلقاء القبض عليهم، وعدم تسليمهم للدولة المصرية أو للإنتربول، ولعل أبرز الشخصيات المجنسة يوسف القرضاوي، والذي نجحت قطر في أن تحصل منه على كل ما تريده من تدعيم ديني في كل موقف سياسي احتاجت فيه لتدعيم.

عملية التجنيس، توسعت فيها الدوحة لتشمل أغلب الاشخاص المعارضين في دول مجلس التعاون الخليجي ونكاية في أنظمة حكمهم، فضلًا عن الإيرانيين المجنسين قطريًّا والأتراك أيضًا. 

وتستغل الدوحة التجنيس لتنفيذ أجندات تخريبية في المنطقة العربية، أو لحماية نفسها من أي أخطاء مجتمعية داخلية أو ربما لخلق نخبة تدين بالولاء للنظام الحاكم. 

ويطرح هذا الوضع تساؤلًا مفاده هل يمكن أن تتخلي الدوحة عن سياستها في دعم الإخوان والتنظيمات الإرهابية الأخرى؟، بالطبع لا، فالواقع يوحي بأن الدوحة لم تلتزم ببنود اتفاق 2013، وأنها اتخذت مسار المراوغة والمخادعة والتحايل لاستمرار دعمها للتنظيمات الإرهابية كافة.

قطر.. وإجراءات مكافحة الإرهاب

اتخذت الدوحة-على خلفية إجراءات المقاطعة العربية- عدة خطوات في محاولة منها لتلطيف الأجواء وتهدئة الرباعي العربي لإثبات التزامها باتفاق الرياض2013، ومن ثم قامت بتوقيع عدة اتفاقيات لمكافحة تمويل الإرهاب فضلًا عن مشاركتها في المنتدى العالمي لمكافحته. 

ويرجع الفضل في ذلك للضغط الأمريكي على الدوحة لتوقيع مذكرة تفاهم مع واشنطن لمكافحة تمويل الإرهاب، وعلى الرغم من وصف وزارة الخزانة الأمريكية الإمارة الخليجية بأنها "بيئة متساهلة في تمويل الإرهاب، فإنها اعتبرت أن أشخاصًا معينين وليس النظام الحاكم هم من يمولون الجماعات الإرهابية".

أسفرت الضغوط الأمريكية على قطر أيضًا عن إصدار الأخيرة قائمة بإجمالي 6 قوائم للتصنيفات الإرهابية، ويلاحظ التزام الدوحة بإدارج الشخصيات المصنفة دوليًّا ككيانات إرهابية مثل؛ داعش والقاعدة، ولم تحتو تلك القوائم على إدراج أي أشخاص محسوبين على الإخوان، وهو ما يعني أن الدوحة لم تعتبر الجماعة إرهابية، وهو قرار يتماشى إلى حد بعيد مع السياسة الأمريكية التي لم تصنف الجماعة كإرهابية بالرغم من تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ حملته الانتخابية بتصنيفها كإرهابية. 

ويمكن القول أيضًا إن هذا القرار قوبل بمعارضة شديدة من المؤسسات البيروقراطية الأمريكية، والتي تتشارك في صناعة السياسة الخارجية الأمريكية نظرًا لحسابات المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط ووضع الجماعة ومشاركتها في الحكم في بعض دولها.


السلوك القطري للمراوغة.. ودعم الإرهاب

اعتادت الدوحة على أسلوب المراوغة والخداع، وما يعزز من تلك الفرضية هو أن قانون مكافحة تمويل الإرهاب والمتفق عليه بين واشنطن والدوحة 2018، لم يتم التصديق عليه وتوقيعه من قبل أمير قطر، وهو ما كشفه تقرير للخارجية الأمريكية ألمح إلى أن قطر تقوم بمحاكمات شكلية ضد داعمي الإرهاب، وغالبًا ما تنتهي تلك المحاكمات بدون توجيه التهم وتبرئتهم في نهاية المطاف.

وباتت الدوحة بمثابة المأوى لأكبر ممولي وداعمي الإرهاب وأبرزهم "إبراهيم البكر" الممول والداعم الأكبر لتنظيم "القاعدة" وعلى الرغم من إلقاء القبض علي البكر في 2006 بسبب اتهامه بالتخطط لمهاجمة القواعد العسكرية الأمريكية والأفراد في قطر، فإن الدوحة أفرجت عنه بعد تعهده بعدم مهاجمة أي أهداف في قطر. 

وعلى المنوال نفسه، تعاملت الدوحة مع عبدالعزيز العطية وهو أحد أبرز الشخصيات القطرية التي عملت على تمويل مختلف الجماعات الإرهابية في سوريا، وهو شقيق المستشار الخاص لأمير قطر تميم بن حمد، وفي عام 2012 أُلقي القبض عليه، لكن تم الإفراج عن عبدالعزيز العطية تحت ضغط من حكومة قطر بسبب امتيازات الحصانة الدبلوماسية.

الأمثلة لدعم قطر الإرهاب كثيرة، فلم يقتصر الأمر على "البكر" و"العطية" بل امتد لشخصيات مقربة من النظام الحاكم مثل "سعد الكعبي" المتورط بجمع تبرعات لجبهة النصرة في سوريا 2013، وتوسطه لديها للإفراج عن بعض الرهائن، أي أن الكعبي عمل كنقطة اتصال فعال بين الدوحة وجبهة النصرة، وعلى الرغم من أن وزارة الخزانة الأمريكية أدرجت "الكعبي" كإرهابي عام 2015، وإجراء الدوحة محاكمته فإن المحاكمة أسفرت في النهاية عن تبرئته وتمتعه بالحرية الكاملة داخل الدوحة .

وعلى الرغم من إصدار قطر قوائم تضم أفراد ومنظمات ـــ بحسب وزارة الداخلية القطرية ـــ فإن البعض يرى أن هذه الخطوة وسيلة من الدوحة لتخفيف الضغوط عليها، وأن أغلب المؤسسات المدرجة غير موجودة، وأن الدوحة إذا كانت راغبة فعلًا في إثبات حسن نوايا فالأجدر بها أن تدرج "عبد الله بن خالد" وزير الداخلية القطري السابق والذي اعتبره البعض رأس الإرهاب والذي تمتع بدعم وحماية من أمير قطر.


المصالحة الخليجية.. هل تتخلى الدوحة عن سياسة دعم الإرهاب؟

تترد – مؤخرًا - الأنباء عن حدوث مصالحة خليجية بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة وقطر من جهة أخرى، والسؤال المطروح الآن هل يمكن أن تتخلى الدوحة عن سياستها في دعم الإرهاب؟ فقد بدأت التصريحات بخصوص حلحلة الأزمة الخليجية تنطلق من وقت لآخر.

وبشكل عام لا يمكن الجزم بما ستؤول إليه الأوضاع إلا أن الثابت هو الموقف المصري الرافض للسلوك القطري الداعم للإرهاب، إذ تؤكد القاهرة مطالبها بضرورة تسليم الإرهابيين من الإخوان لها أو للإنتربول والتوقف عن سياسة التجنيس المتبعة، وإيقاف الحملات الإعلامية من خلال قناة الجزيرة ضد الدولة المصرية، ومن ثم يمكن، القول إنه في ظل تمسك الطرفين بمواقفهما فمن المرجح أن المصالحة مع قطر ستكون خليجية.

وإجمالاً، ترجح الورقة أن الدوحة، وعلى الرغم من زعمها اتخاذ إجراءات لمكافحة الإرهاب،  لكنها لن توقف دعمها للتنظيمات والجماعات، فالمقاربة الأمنية للإستراتيجية القطرية تعتمد على دعم عدد كبير من التنظيمات الإقليمية والدولية بهدف ردّ التهديدات عن البلاد، وتحقيق النفوذ والسيطرة، حيث استطاعت الدوحة أن تراوغ وتخادع لإخفاء دعمها، ولكن إذا ما شعرت الدوحة بتهديد مباشر من تلك الجماعات أو الأشخاص التي تدعمها يشكلون خطرًا أمنيًّا عليها، ربما تتخذ إجراءات ضد هذا الفصيل أو الأفراد فقط لاستيعابه واحتوائه، مثلما فعلت من قبل مع بعض الإرهابيين السابقين.

شارك