دعم في الخفاء ومواجهة في العلن.. لماذا يحتضن أردوغان أمراء «داعش»؟

الأحد 08/ديسمبر/2019 - 09:43 م
طباعة دعم في الخفاء ومواجهة شيماء حفظي
 
تراقب أوروبا أداء الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في إدارة ملف الدواعش المحتجزين في مخيمات سوريا والعراق، بعد الانسحاب الأمريكي، بسبب مخاوف متزايدة من إمكانية عودة التنظيم وبناء صفوفه مرة أخرى، بعدما فقد الأراضي التي سيطر عليها سابقًا.
ومع بداية العام الجاري، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، نيته سحب قواته من سوريا، وإسناد ملف التعامل مع مقاتلي داعش المحتجزين تحت قيادة الأكراد إلى أردوغان، وهو ما أثار كثيرًا من التساؤلات حول مستقبل الأكراد الذين يعتبرهم أردوغان إرهابيين وكانوا حلفاء لواشنطن.
لكن بعد نحو 11 شهرًا منذ ذلك الوقت، نجح أردوغان في خطوات كثيرة أرداها، أهمها إقامة منطقة آمنة في شمال سوريا، بعد عملية عسكرية ضد الأكراد.
هذا النجاح المزعوم – كان انطلاقًا من سياسة تركية اعتمدت على "التهديد المباشر" بإطلاق الدواعش نحو الدول الأوروبية التي ترفض عملية "أردوغان" العسكرية في الشمال السوري، ما يستدعي النظر في الطريقة التي يستخدم بها الرئيس التركي ملف "الدواعش" في مواجهة الغرب.
فبعد سنوات من القتال ضد تنظيم داعش، نجح التحالف الدولي، في توجيه ضربة موجعة للإرهابيين، بإعلان مقتل أبي بكر البغدادي (زعيم التنظيم ومؤسسه) لكن تركيا أرادت أن يكون لها نصيب من الفوز على التنظيم، فأعلنت بعدها القبض على أفراد من عائلته، كبرهان على تعاونها في مواجهة التنظيم المتطرف.

دعم في الخفاء ومواجهة
في يوليو 2019، أعلنت تركيا اعتقال زوجة البغدادي، أسماء فوزي محمد القبيسي –التي كانت تختبئ جنوب تركيا – بعد أسبوع تقريبًا من إعلان اعتقال شقيقة البغدادي، رسمية عوض في بلدة عزاز شمال سوريا وتم احتجازها إلى جانب زوجها وابنتها، الذين استجوبتهم السلطات التركية أيضًا.
جاء ذلك كرد ضمني على تحذيرات خبراء في مكافحة الإرهاب ومسؤولين وسياسيين، من الاعتماد على أردوغان، في مقاتلة داعش، بسبب ارتباطه سابقا بتسهيل عمل التنظيم وفتح الحدود التركية أمام المتطرفين الراغبين في الانضمام للجماعة في سوريا والعراق، خاصة المقاتلين الأجانب (أولئك الذين تحولوا إلى فزاعة يستخدمها الرئيس التركي ضد الغرب).
لكن وإن أثبت أردوغان حسن نواياه في مواجهة داعش، فإنه الآن أمام مهمة كبيرة تتعلق بـ 9 قيادات خطيرة بالتنظيم، عليه تحجيم عملهم، لكن المفاجأة بان المعلومات الاستخباراتية تفيد بأن هؤلاء يخططون لاتخاذ تركيا نقطة لإعادة التمركز وبناء التنظيم.
ووفقًا لمعلومات كشفها مدير الاستخبارات العسكرية اللواء الركن سعد العلاق، لـcnn، فإن العراق سلم تركيا ملفات تسعة قياديين من إرهابيي داعش، تضمنت كبار ممولين يمتلكون مبالغ ضخمة لتمويل عمليات داعش حول العالم، مشيًرا إلى أن عناصر قيادية من داعش تعرف بلقب "أمير" لها إمكانية الوصول لمبالغ ضخمة من النقود وإنهم بصدد تشكيل خلايا جديدة في تركيا.
المتهمون هؤلاء، هربوا مع بداية هذا العام من معقلهم الأخير في قرية باغوز شرقي سوريا ودفعوا رشاوى لتأمين عبورهم خلال خطوط القوات الديمقراطية السورية تجاه مدينة غازي عنتاب الآمنة نسبيًّا في جنوبي تركيا، وبينهم اثنين من صانعي قنابل التنظيم.
ومع مقتل البغدادي، وتولي قيادات جديدة إدارة التنظيم، يحاول خبراء مكافحة الإرهاب، التكهن بالقوة المتبقية للمجموعة المحاصرة منه، لكن البنتاجون يحذر من أن المجموعة قد تنتقم في أي وقت.
وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية، لصحيفة النيوزويك، الأمريكية، السبت 7 ديسمبر 2019 إن الإدارة لاحظت "خط اتجاه طويل الأجل" نحو تهديد أكثر انتشارًا لداعش، يستهدف التعامل معه النظر ليس فقط لجوهر التنظيم في سوريا والعراق؛ لكنه يستلزم الانتباه للفروع والشبكات والشركات التابعة في جميع أنحاء العالم".

دعم في الخفاء ومواجهة
لكن حاليًّا، تثار الشكوك حول حقيقة مشاركة تركيا في خطط التعامل طويل الأجل ضد داعش، مع تصاعد اتهامات بالتقاعس وتوفير الحماية التركية للبغدادي شخصيًّا.


فوفقًا لوسائل إعلام أوروبية، أثار مقتل البغدادي في 26 أكتوبر 2019، على بعد أقل من ثلاثة أميال من الحدود التركية في شمال غرب سوريا، مزاعم بأن الزعيم الإرهابي "تمتع ببعض الحماية التركية الضمنية".
فيما نقلت صحيفة ذا جلوبيست الأمريكية الإلكترونية، عن مسؤول أمريكي كبير، قال إن تركيا "لم تقدم أي مساعدة في هذه العملية وكان البغدادي يقبع بجوار الحدود بينهما.. هذا يوضح لك مقدار ما يفعلونه في مواجهة داعش ".

وقال بريت ماكغورك المبعوث الأمريكي السابق للتحالف ضد داعش، إن الولايات المتحدة اختارت "شن هذه العملية ضد البغدادي من مئات الأميال في العراق ، بدلاً من المنشآت الموجودة في تركيا، حليف الناتو، فقط عبر الحدود."
وما يزيد الأمور تعقيدًا بالنسبة لأردوغان، نقلت صحيفة "ذا ناشيونال" الأمريكية في نوفمبر 2019 عن مناقشات مع مسؤولي المخابرات العراقيين، قالوا بإن أحد إخوان البغدادي سافر إلى إسطنبول عدة مرات منذ نهاية عام 2018
ويدرك أردوغان تمام الإدراك أن مزاعم الإهمال والتواطؤ لا تضعه فحسب في موقف صعب بل تعرض دونالد ترامب للنقد، في وقت تتهم وسائل إعلام أمريكية الرئيس بدعمه لأردوغان، وفقا لمصالح أخرى.
تلك المصالح يفندها الكاتب السياسي التركي «جنكيز أكتار»، في مقالة بصحيفة أحوال التركية، 12 نوفمبر 2019 بأنها لا تنبعث من اهتمام بمواجهة التنظيم بشكل مباشر، لكن لمصالح مشتركة أمريكية تركية وحفاظا على مصالح اقتصادية.
وقال جنكيز، إن الإدارة الأمريكية تدافع عن سياسة التهدئة العامة تجاه تركيا، وتستجيب لمطالب أردوغان التي لا تنتهي، وتعارض العقوبات المفروضة على أنقرة التي صوت عليها مجلس النواب وقرارها بشأن الإبادة الجماعية للأرمن، بحجة أنها تخاطر بتوتير العلاقات مع حليف رئيسي لحلف الناتو.
وأشار إلى أن أمريكا لا تخاطر في علاقتها مع تركيا، خوفا من ارتماء أردوغان في أحضان روسيا –الخصم لواشنطن، بالإضافة إلى أن الدول الأوروبية تخشى من تنفيذ تهديد أردوغان بإطلاق سراح الدواعش إليها، أو إعادة تدفق اللاجئين لبلادها.
ويعلم أردوغان تلك النقاط جيدا بل إنه يستغلها، ذلك إضافة إلى أن هناك مصالح اقتصادية، حيث تمتلك الدول الأوروبية بشكل خاص حصصًا صناعية ومالية كبيرة في تركيا، يحرصون على عدم خسارة المال عن طريق استعداء أردوغان، بحسب الكاتب.

شارك