«الكرة في ملعب أمريكا».. إيران تخفف حدة غرورها وتخضع لصفقات ترامب
الثلاثاء 10/ديسمبر/2019 - 08:59 م
طباعة
نورا بنداري
بعد أن اكتشفت طهران أن لغة التعنت والعناد لن تجدي نفعًا مع الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، بدأ مسؤولو نظام الملالي يهدئون من لهجتهم تجاه القضايا التي تربطهم بالولايات المتحدة، خاصةً «قضية تبادل الأسرى» بين البلدين، وهو ما ظهر بعد أن أفرجت الولايات المتحدة في 10 ديسمبر 2019، عن الباحث الإيراني «مسعود سليماني» مقابل الباحث الأمريكي- الصيني «شيوي وانج» في صفقة تبادل بين البلدين، الأمر الذي دفع وزير الخارجية الإيراني «محمد جواد ظريف» إلى الإعلان عن استعداد طهران لتبادل جميع المعتقلين مع الولايات المتحدة الأمريكية.
استعداد إيراني
وأضاف «ظريف» في تغريدة له على «تويتر» في 11 ديسمبر 2019؛ أن إيران بعد أن حصلت على الباحث الإيراني، فإنها على استعداد تام لتبادل شامل لجميع المعتقلين، لافتًا إلى أن «الكرة الآن في ملعب الولايات المتحدة»، كما أن المتحدث باسم الحكومة الإيرانية «علي ربيعي»، أضاف أن صفقة تبادل المعتقلين كانت مطروحة منذ 2018، لكن تم الاتفاق عليها قبل 3 أشهر، أي بعد رسالة من مسؤول أمريكي سابق لم يذكر اسمه.
ورغم أن إيران دائمًا ما تلجأ لاعتقال مزودجي الجنسية والأجانب، كورقة ضغط تستخدمها لكسب امتيازات من خلال إبرام صفقات مقايضة مع الدول الغربية، مثل الإفراج عن أصولها وأموالها المجمدة أو تخفيف العقوبات، ومن خلال هذه الصفقات تحصل إيران على بعض المكاسب، ولكن الأمر اختلف هذه المرة مع إدارة الرئيس الأمريكي «دونالد ترمب»، الذي استطاع أن يحصل على المعتقل الأمريكي لدي إيران، دون أن يدفع مقابلا لذلك، وهذا ما أعلنه مستشار الأمن القومي الأمريكي «روبرت أوبراين» في حديثه مع «شبكة ABC» الأمريكية في 11 ديسمبر 2019، إن «ترامب» استطاع تحرير الأمريكيين المحتجزين بصورة غير مشروعة كرهائن أكثر من أي رئيس آخر، وقد قام بذلك دون دفع أي تنازل.
وبالنظر إلى طريقة تناول قضية تبادل الأسري في عهد الرئيس الأمريكي السابق «أوباما»، نجد أن طهران حصلت على مبلغ 1.6 مليار دولار نقدًا مقابل إطلاق سراح مراسل صحيفة «الواشنطن بوست» «جيسون رضائيان» وآخرين في عام 2016.
العقوبات ودورها السياسي
تأتي استجابة طهران لمطالب واشنطن؛ نتيجة العقوبات الأمريكية التي أثرت بشدة على اقتصاد إيران؛ حيث توقعت إيران استغلال هذه القضية، كورقة ضغط على الإدارة الأمريكية الحالية، كما فعلت مع الإدارة السابقة، إلا أنها فشلت في ذلك؛ لذا لجأت إلى تخفيف حدة لهجتها؛ بهدف دفع الولايات المتحدة لعقد صفقة صفقة تبادل سجناء؛ تمهيدًا لمحادثات حول المفاوضات مع الولايات المتحدة، ومن ثم فتح الملفات الأخرى، والتي من أهمها العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، وهذا ما تسعى إليه حكومة «روحاني»، رغم معارضة المرشد الإيراني «علي خامنئي» والمتشددين من حوله.
والباحث الإيراني «مسعود سليماني»، كان معتقلًا منذ أكتوبر عام 2018، في الولايات المتحدة بتهمة انتهاك العقوبات من خلال محاولة تصدير مواد بيولوجية محظورة إلى إيران دون تصريح، أما الباحث الأمريكي - الصيني «شيوي وانج»، اعتقل في إيران في عام 2016، بتهمة «التعاون مع حكومات أجنبية».
وهناك أسماء أخري تريد إيران مبادلتهم مع واشنطن؛ حيث أعلن وزير الخارجية الإيراني في أكتوبر 2019، أن إيران قدمت من خلال سويسرا أسماء السجناء الذين تريد تبادلهم مع واشنطن، كان من بينهم «مسعود سليماني».
براجماتية الملالي
في تصريح للمرجع، أوضح «أسامة الهتيمي» الكاتب الصحفي المتخصص في الشان الإيراني، أن ورقة المعتقلين من الأجانب ومزدوجي الجنسية في إيران تكشف إلى أي حد براجماتية إيران؛ إذ إنها لا ترى لهؤلاء المواطنين أي حقوق سياسية أو قانونية، وتعد أحد أهم الشواهد الرئيسية التي تدلل على أن الدولة الإيرانية غير أخلاقية؛ إذ لا تتردد السلطات الإيرانية في أن تعتقل بين الحين والآخر مجموعة من هؤلاء؛ لاستخدامهم كأوراق ضغط على الدول التي يحمل هؤلاء جنسياتها بتهم يدرك الجميع أنها زائفة ولا أساس لها، يتعلق أغلبها بمخالفات أمنية كالتجسس ونقل المعلومات.
ولفت «الهتيمي»، أن إيران تجد في اعتقال الأجانب فرصة سانحة لا يمكن أن تضيعها خاصة خاصة ممن يحملون الجنسية الأمريكية، لأنها تدرك أن الشارع الأمريكي يضغط وبقوة على أي إدارة حاكمة في واشنطن من أجل إطلاق سراح أبناء أمريكا في أي بقعة وهو ما تستغله إيران.
وما جاء مؤخرًا على لسان كل من وزير الخارجية الإيراني «ظريف» والمتحدث باسم الحكومة «ربيعي» بشأن استعداد طهران لتبادل جميع المعتقلين مع واشنطن، إضافةً إلى تغريدة الرئيس الأمريكي «ترامب»، والتي عبر خلالها عن سعادته إزاء تلك الصفقة، هي محاولة من كلا الطرفين للتأكيد على إمكانية أن يتواصلا بشأن أي قضية أخرى، ومن بينها بطبيعة الحال الاتفاق النووي وتداعيات الانسحاب الأمريكي منه.
مغزى سياسي
وأشار «الهتيمي»، أنه من جهة أخرى فإن الاحتفاء الإيراني بهذه الصفقة يحمل مغزى سياسيًّا غاية الأهمية، إذ فضحت الصفقة حالة تناقض الموقف الإيراني؛ حيث التصريحات المتتالية من قبل قيادات النظام حول رفض الحوار مع الأمريكيين الذين لا يثق بهم النظام؛ إذ يبدو أنه وتزامنًا مع إطلاق هذه التصريحات كانت تجري مفاوضات بين الطرفين حتى ولو كانت برعاية سويسرية، فالأهم هم أن هناك قنوات تواصل، الأمر الذي يعني بوضوح أن مبدأ الحوار غير مرفوض، فيما أن التوصل لاتفاق أمر وارد وبقوة بعيدًا عن حديث من المنتصر ومن المغلوب، وهو الأمر الذي ربما يأتي استجابة لكم الضغوطات التي تعرضت لها إيران في الآونة الأخيرة على خلفية تداعيات العقوبات الاقتصادية.
وأضاف، رغم أن هذه التصريحات المتبادلة تشي بأن الأيام المقبلة ستحمل أنباء جديدة بشأن تمكن البلدان من التوصل لصفقات بشأن معتقلين ومحتجزين آخرين من أمثال «روبرت ليفنسون ومايكل وايت وسيامك نمازي وغيرهم»، إلا أنها أيضًا تفتح الباب على مصراعيه لتكهنات حول مسار جديد لتفاوض بين الطرفين بشأن القضايا الأكثر أهمية.