الإخوان يبحثون عن شرعية.. انتخابات الجزائر تُحيي آمال الجماعة
الخميس 12/ديسمبر/2019 - 07:10 م
طباعة
دعاء إمام
وسط أجواء سياسية محتقنة، تشهد الجزائر استحقاقًا رئاسيًّا، يتنافس فيه 5 مرشحين، بينهم عبد القادر بن قرينة، المحسوب على جماعة الإخوان، وذلك عقب مضي عشرة أشهر من الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في البلاد فبراير الماضي؛ ما ينذر بمقاطعة شعبية واسعة للانتخابات، ورغم فتح 61 ألف مكتب تصويت أبوابه صباح الخميس 12 ديسمبر2019 للناخبين، إلا أن الإقبال غير مرضٍ للمرشحين الخمس.
ولايزال إيجاد بديل للرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، أمرًا صعبًا؛ خاصة في ظل اتساع رقعة الرفض من قبل الحراك الشعبي، إذ اشترط المحتجون أن يكون خليفة «بوتفليقة» غير منتمٍ للنظام السابق، في حين أن المتنافسين الخمسة جميعهم تولوا مناصب في عهدة الرئيس.
واللافت للنظر في تلك الانتخابات أن التيار الإسلامي الذي يشارك في المجلس الشعبي الوطني (البرلمان) بـ48 نائبًا من أصل 462 ينتمون لتحالفين من أحزاب عدة، لم يجتمعوا على رأي واحد؛ ويُنظر للكتلة التصويتية للمنتمين إليهم باعتبارها أمرًا يصعب التنبؤ به أو معرفة لمن ستذهب أصوات إخوان الجزائر تحديدًا.
جبهات ممزقة
يعجز إخوان الجزائر عن تنظيم صفوفهم من أجل طرح بديل عن الوضع السياسي القائم، وهذا الانقسام يُبقي حظوظهم بالنجاح في الانتخابات محدودة، خلافًا لما هو الحال عليه في دولتي تونس والمغرب المجاورَتين، كما تضرب الخلافات الأحزاب الإسلامية المتعددة في الجزائر حول دعم الحكومة أو الانضمام إلى المعارضة، أو أيضًا على خلفية منعها من الترشح في الانتخابات؛ ما يحدّ من حظوظ نجاحها، لاسيما بعد خسارتها المصداقية أمام الشعب.
وينقسم الإخوان إلى ثلاث جبهات، إذ رفضت جبهة العدالة والتنمية، المحسوبة على جماعة الإخوان، بقيادة عبد الله جاب الله، بشكل علني السير نحو الانتخابات، وطالبت بمرحلة انتقالية، فيما فضّلت حركة مجتمع السلم «حمس» الذراع السياسية للإخوان، بقيادة عبد الرزاق مقري، عدم تحديد موقفها من دعم أي من المرشحين، ولم تقدم أي قيادة للانتخابات الرئاسية، ولم يتضح موقفها من دعم المرشح عبد القادر بن قرينة.
والتيار الثالث هو الذي يقوده «بن قرينة» المرشح للانتخابات الرئاسية، وكان من المؤسسين الأوائل لحركة مجتمع السلم نهاية الثمانينيات، قبل أن ينشق عنها رفقة قيادات أخرى، ويؤسس معهم «حركة البناء الوطني».
قلق فرنسي
ووصفت صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية الانتخابات الرئاسية في الجزائر بأنها تُدار بـ«مشرط الجراح»، مشددة على أن الاقتراع الذي تم رفضه من قبل المتظاهرين سيجعل الأجواء شديدة التوتر، معتبرة أنه لن يوفر سوى شرعية هشة لرئيس الدولة في المستقبل.
وبحسب الصحيفة، فإن المرشحين الخمسة، هم رئيسان سابقان للوزراء، ووزيران سابقان، وجميعهم مسؤولون سابقون في النظام، وخامسهم تابع لجماعة الإخوان، الأمر الذي دعا أحزاب المعارضة إلى مقاطعة الاقتراع.
وعلى المستوى الرسمي، قال وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لو دريان: إن بلاده تتابع عن كثب الاحتجاجات المناهضة للحكومة في الجزائر، معتبرًا أن الأمر يرجع للجزائريين في تحديد مستقبلهم، لافتًا إلى أن باريس مهتمة بالاستحقاق الرئاسي؛ نظرًا للروابط التاريخية بين البلدين.
ويعود الارتباك الفرنسي إلى تجارب تاريخية دراماتيكية في علاقة باريس والجزائر.
إسلامي بلا دعم
يبلغ «عبد القادر بن قرينة» من العمر 57 عامًا، وشغل منصب وزير السياحة بين عامى 1997 و1999، في حكومة ائتلافية، وكان أول مرشح بشكل رسمي لخلافة الرئيس السابق بوتفليقة، وسبق له الترشح لانتخابات 18 أبريل التي كانت سبب بدء الحركة الاحتجاجية في 22 فبراير بعد ترشح «بوتفليقة» لولاية خامسة، وهو على فراش المرض، قبل أن يضطر الرئيس تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية إلى الاستقالة في 2 أبريل الماضي.
وكانت حركة البناء الوطني قررت في اجتماع قيادتها ترشيح «بن قرينة» في الاستحقاق الرئاسي، رغم أن حركة مجتمع السلم، وجبهة العدالة والتنمية، المحسوبتين أيضًا على التيار الإسلامي بالجزائر، أعلنتا عدم تقديم مرشح عنهما في هذه الاستحقاقات، كما رفضتا تقديم الدعم للمترشح السالف ذكره.
وكان «بن قرينة» من المؤسسين الأول لحركة مجتمع السلم المعروفة بـ«حمس» نهاية الثمانينيات، قبل أن ينشق عنها رفقة قيادات أخرى ويؤسس معهم حركة البناء الوطني، والتي رشحت القيادي فيها سليمان شنين، ليصبح رئيس المجلس الشعبي الوطني (البرلمان).
وجمع «بن قرينة» 50 ألف توقيع من الناخبين كشرط لقبول ترشحه من قبل السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، المستحدثة مؤخرًا، لإدارة العملية الانتخابية.
وفي حوار عبر التلفزيون الجزائري، قال: «أنا رئيس الجزائر المقبل»؛ ما أثار غضب مغردين عبر منصات التواصل الاجتماعي، مستنكرين الثقة التي تحدث بها المرشح، وردوا عليه بوسم (هاشتاج) «أنت تحلم».
دعم معلن
في مقابلة مع وكالة «فرانس برس» قال الكاتب الجزائري المختص في الجماعات الإسلامية، أحميدة العياشي: إن الإخوان يقفون اليوم موقف الرقيب؛ لأنهم لا يتصورون أن يسمح النظام بصعود إسلامي الى الحكم، لكنهم يقدمون دعمًا صامتًا لـ«بن قرينة»، أي عدم معاداته.
ويرجح الكاتب أن يخرج هذا الدعم إلى العلن في حال وصل المرشح المحسوب على الإخوان إلى الدورة الثانية، متوقعًا أن يلعب الإسلاميون دور القاطرة للقوى المحافظة والإسلامية المشتتة التي تعاني من مشكلة ضياع البوصلة.
ويرى «العياشي» أن وصول «بن قرينة» إلى مقعد الرئاسة سيؤدي إلى صدمة لدى المعارضين؛ خصوصا العلمانيين والديمقراطيين، ما قد يضعهم في وضع حرج يضطرهم ربما إلى التحالف مع السلطة.
ويؤكد أن الأحزاب الإسلامية ذات المرجعية الإخوانية مثل حركة النهضة التونسية وحركة الإصلاح وحركة مجتمع السلم وحركة البناء الوطني التي يرأسها «بن قرينة»، تنتهج في تعاطيها مع السلطة التكتيك نفسه الذي انتهجه إخوان مصر وإسلاميو المغرب وتونس.
وأضاف الكاتب الجزائري المختص في الجماعات الإسلامية، أن الإسلاميين الجزائريين لم يتمكنوا من حسم بعض القضايا على الصعيد الفكري والسياسي، مثل قضية المرأة والحريات الدينية والعلاقة مع التيارات العلمانية والعلاقة المنسجمة مع الثقافة الغربية.