دلالات توقف المفاوضات بين «طالبان» وأمريكا

الثلاثاء 17/ديسمبر/2019 - 12:52 م
طباعة دلالات توقف المفاوضات نهلة عبدالمنعم
 
لايزال المشهد الأفغاني مضطربًا أمنيًّا وسياسيًّا بما له من تداعيات سلبية على أوجه الحياة في البلاد كافة، إذ تواصل حركة «طالبان» الإرهابية هجماتها العنيفة ضد الأهداف الأمريكية والأفغانية بالتوازي مع عودة مسار المفاوضات مجددًا مع واشنطن، والذي توقف حديثًا في أعقاب التصعيد المسلح من الحركة لإجراء مزيد من التشاورات والتفاهمات الداخلية.


ففي 15 ديسمبر 2019 أعلنت الحركة مسؤوليتها عن هجوم استهدف ثلاثة من رجال الأمن الأفغان في ولاية هرات، إلى جانب نشر المواقع الإعلامية المنسوبة لها بيانات يومية حول معلومات وصور عن عمليات إرهابية تم اقترافها في البلاد.



وحينما كان فريقها السياسي وعناصر من حركة «حقاني» المتطرفة، يجلسون على طاولة مفاوضات واحدة مع الفريق الأمريكي برئاسة مبعوث السلام في أفغانستان، زلماي خليل زاده في مقر الحركة بالدوحة، نفذت طالبان بالداخل الأفغاني هجوم في محيط القاعدة العسكرية الأمريكية «باغرام» في 11 ديسمبر 2019 ما أدى إلى مقتل اثنين من المدنيين دون وقوع أي ضرر للمنشأة الأمريكية.

تعقيب أمريكي



حينها أكد زلماي خليل زاده من خلال تغريدة كتبها على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي تويتر أنه تحدث مع فريق طالبان أثناء التفاوض وأعرب لهم عن أسفه من حدوث تلك العملية، طالبًا من الحركة إظهار جديتها في تحقيق السلام بالمنطقة ووقف إطلاق النار بما يحقق أهداف الشعب في الأمن.



وكان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قد أعلن في 28 نوفمبر 2019 استئناف المفاوضات مجددًا مع طالبان، وذلك أثناء زيارته السرية لقاعدة براغام في أفغانستان، وبالفعل بدأت جولات النقاش في السبت 7 نوفمبر 2019 في الدوحة، ولكن المبعوث الأمريكي زلماي خليل زاده أعلن في 13 نوفمبر 2019 توقيف مؤقت للجولة الأولى من المفاوضات الثانية لرغبة فريق طالبان في مراجعة بعض البنود الرئيسية مع زعمائهم في أفغانستان.

دلالات المشهد التفاوضي الأخير



يظهر من فترة التوقف الحالية بعض الدلالات، ومنها أن الإعلان جاء من خلال الجانب الأمريكي وليس الآخر، في حين أن سبب التوقف مثلما أورد زلماي هو حدوث مشاورات داخلية بين فريق التفاوض وزعماء الحركة على البند الرئيسي للمباحثات.



ومن خلال التصريحات المتبادلة بين الأطراف المعنية في هذا الملف، فأن البند الرئيسي كان وقف إطلاق النار بشكل كامل كشرط أساسي للتفاوض الحقيقي بين الساسة وهو ما لم يتحقق حتى الآن.



نقطة ضغط
وبناء على ذلك، يحتمل المشهد أن يكون استمرار إطلاق النار بالتزامن مع المفاوضات عائدًا لمعنيين أولهما نقطة ضغط تحظى بها طالبان على حساب المصالح الأمريكية لتكسُب سياسي أكبر، وهو ما رجحه الباحث في شؤون الحركات الإرهابية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، «علي بكر» قائلاً بإن العمليات العسكرية التي تتبادلها الأطراف الرئيسية في المفاوضات تهدف إلى إظهار القوة والسيطرة على الأرض من أجل خلق معنى أكثر رسوخًا لتحقيق الاشتراطات التي يتمناها كل طرف.



ولفت في تصريحات لـه إلى قوة طالبان الحقيقية على الأرض وسيطرتها على الكثير من الأراضي ما يسمح لها باستمرار فرض شروطها على الجانب الأمريكي والأفغاني أيضًا لتحقق مزيد من طموحاتها نحو السلطة.

ارتباك داخلي


وثانيهما هو احتمالية وجود اختلاف داخلي بين الأطراف الحاكمة لطالبان، ففي ظل تأكيدات واشنطن وكابول بأن بداية التفاوض أساسها وقف إطلاق النار وأن الجولة الحالية مبنية بشكل محدد ومشروط أكثر من سابقتها المعطلة، فإن الضربات العسكرية لا تزال مستمرة بشكل يومي.



وما يؤشر على ذلك هو أن التوقف الحالي للمفاوضات جاء في أعقاب الهجوم على قاعدة باغرام وأن تصريحات زلماي تدور حول مراجعة بين المفاوضين وزعمائهم حول الشروط الأساسية، ما يعني أن واشنطن قد تكون طلبت من فريق طالبان التوحد مع زعمائهم وإيجاد صيغة أحادية تجمع بين ساستهم في قطر والمحركين الرئيسيين لهم على الأرض الأفغانية.



وفي هذا الصدد سبق وأشارت الحكومة الأفغانية إلى هذا المتغير كعائق أمام تحقق المفاوضات، ففي 29 أكتوبر 2019 صرح مستشار الأمن القومي الأفغاني، حمد الله محب بأن القوة الحاكمة لـ«طالبان» لم تعد تسيطر على عناصرها العسكرية بالداخل، وإن كانت لا تزال تسيطر عليهم حقيقيًّا فلتطلب من أتباعها وقف إطلاق النار لمدة شهر.


وتعليقًا على ذلك، تقول أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة والمتخصصة في الشؤون الأسيوية، نورهان الشيخ، إن حركة طالبان تمتلك بداخلها الكثير من التيارات الفكرية والعقائدية وأن أكثرهم تشددًا هم الغالبية المسيطرة وهم يشكلون جزءًا مهمًا في أي قرار سياسي للحركة.



وكان زعيم طالبان، هيبة الله أخوند زاده، صرح بأنه لا يجب لشخص أن يتوقع من «طالبان» أن تسكب الماء البارد على مواقع القتال، وكان ذلك في 9 يوليو 2019 أثناء المؤتمر الأفغاني للسلام، والذي عقد بقطر في حضور قيادات الجبهات الداخلية لوضع بنود اتفاق يمنح الداخل بعض الهدوء والسلام، وحينئذ اتفقت الحركة على عدم استهداف المدنيين أو المستشفيات ولكنها خرقت ذلك الاتفاق بعد أيام فقط.


وتابعت نورهان الشيخ، من المهم حين الحديث عن هذه الفرضية عدم إغفال ما تم الاتفاق عليه من جانب الجماعة في أغسطس 2019 من حيث عدم إطلاق النار خلال عيد الأضحى كتعهد لبقاء العيد آمن وهو ما حدث بالفعل.

شارك