مرتزقة الجيش التركي.. الانقلاب عقيدتهم والولاء لمن يدفع

الثلاثاء 17/ديسمبر/2019 - 08:49 م
طباعة مرتزقة الجيش التركي.. محمود البتاكوشي
 
الانقلاب عقيدتهم، فمن أسرى الحروب تكون الجيش العثماني لضمان الولاء التام للسلطان، ومع توالي انتصاراتهم واعتماد العثمانيين عليهم، أدرك الجيش الإنكشاري أهميته في توطيد أركان الحكم، حتى كانت لهم اليد العليا في حسم الصراعات على العرش بين السلاطين.
تعاظم نفوذ الانكشارية أثر سلبيًّا على الدولة ولم يعد السلاطين قادرين على الحكم دون موافقتهم أو رضاهم، إذ كانت الأعطيات تتحكم في بقاء السلطان من عدمه، فالجند الانكشاري عزل السلطان بايزيد الثاني عام 1512 بسبب عزوفه عن الحروب وترتب على ذلك عدم حصولهم على المال الذي كانوا يحصلون عليه بالسلب والنهب والمكافات، كانت عادة سلاطين بني عثمان منذ النشأة كلما أتي سلطان زاد من أعطية الجند لكسب الولاءات.

انقلابات عسكرية.. هزلية
تعرضت تركيا في عصرها الحديث إلى 4 انقلابات عسكرية ومسرحية هزلية استغلها أردوغان في إحكام سيطرته على البلاد منذ عام 2016.
بدأت الانقلابات العسكرية في عهد الجمهورية التركية في الثاني من مايو 1960، نفذه ضباط وطلبة عسكريين من كليات حربية في إسطنبول وأنقرة.
شكل قادة الانقلاب مجلسا للوحدة الوطنية من 38 عضوًا برئاسة قائد القوات البرية الجنرال جمال جورسيل، وحوكم 601 شخص أدين منهم 464.
وأعدم ثلاثة وزراء سابقون بينهم رئيس الوزراء عدنان مندريس، بينما خفضت أحكام 12 آخرين أحدهم الرئيس جلال بايار من الإعدام للسجن مدى الحياة.
كما شهدت تركيا بعد إعدام مندريس عقدا مضطربًا، به الكثير من الركود الاقتصادي والاضطراب الأمني والسياسي، وكان ذلك تمهيدًا لانقلاب 12 مارس 1971، والذي عرف بـ«انقلاب المذكرة»؛ حيث أرسل الجيش مذكرة عسكرية إلى سليمان ديميريل رئيس الوزراء طالبه فيها بالتنحى، فضل ديميريل الاستقالة على المقاومة، وتأسس تحالف من سياسيين محافظين وغير سياسيين لاستعادة الأمن تحت إشراف الجيش.
 في 12 سبتمبر 1980، كانت تركيا على موعد مع الانقلاب الثالث، بقيادة الجنرال كنعان إفرين، واعتقل كبار الزعماء السياسيين وتم حل البرلمان والأحزاب السياسية والنقابات المهنية.
دوامة الانقلابات العسكرية لم تنته عند هذا الحد ففي 8 يونيو 1997، حدث ما يعرف بـ«الانقلاب الأبيض»، على رئيس الوزراء نجم الدين أربكان وأجبر على الاستقالة تحت ضغوط من الجيش وقطاعات الأعمال والقضاء وسياسيين آخرين.
تعرضت تركيا بعد ذلك لبعض المحاولات بمباركة وتخطيط أردوغان لابتلاع الدولة شيئا فشيء، ففي يونيو 2007 ظهر اسم مجموعة إرغينيكون للمرة الأولى حين اكتشفت كمية من المتفجرات في عملية مداهمة نفذتها الشرطة لمنزل في إسطنبول، وحوكم إثر ذلك مئات الأشخاص بزعم القيام بمحاولة انقلاب ضد أردوغان رئيس الوزراء آنذاك وأدين 275 ضابطًا وصحفيًّا ومحاميًّا وغيرهم، وثبت براءتهم بعد ذلك بعد أن خلصت محكمة الاستئناف لعدم وجود ما يسمى بشبكة إرغينيكون. 

ذريعة القمع ومبرر التنكيل
المسرحية الكبرى كانت بتمثيلية انقلاب 15 يوليو 2016، من خلال مجموعة انقلابية في الجيش أطلقت على نفسها حركة السلام أعلنت أنها استولت على السلطة.
وألقى الأمن التركي القبض على قادة كبار في الجيش وقتل أحدهم في تمثيلية مفضوحة كشفتها وثيقة عسكرية تركية سرية تؤكد احتجاز أكثر من 7000 شخص كمجموعة أولى خلال 72 ساعة في غضون الانقلاب الفاشل في تركيا، وطرد عشرات الآلاف من المدنيين والعسكريين من وظائفهم، مما يعزز فرضية وجود خطة لتحويل الجيش التركي لثكنة موالية لأردوغان وحزبه وحكومته المتأسلمة.


حروب الجيش التركي ومغامرات أردوغان
شارك الجيش التركي، في العصر الحديث بعد إعلان مصطفى كمال أتاتورك قيام الجمهورية وإسقاط الخلافة العثمانية، في الحرب العالمية الثانية، بعد تأكدها من حسم المعركة لصالح الحلفاء في 23 فبراير 1945، وأعلنت الحرب ضد ألمانيا واليابان، للفوز بمقعد في الأمم المتحدة.
وفي 20 يوليو 1974 شارك الجيش التركي في حرب قبرص وانتهى مع احتلال تركيا لمنطقة كبيرة في الجزء الشمالي من قبرص والمساعدة في إنشاء حكومة محلية للقبارصة الأتراك هناك، والتي لم تعترف بها حتى الآن سوى تركيا. 
هذا إلى جانب معاركه الطويلة مع حزب العمال الكردستاني، فمنذ عام 1984، وكانت سنوات الثمانينيات والتسعينيات الأكثر دموية بين الطرفين، حتى تم وقف اطلاق النار عام 2013.
كما خاض الجيش التركي معركة درع الفرات التي اندلعت بعد شهر من مسرحية الانقلاب الفاشل في 24 أغسطس 2016 ودخلت تركيا الشمال السوري بمباركة أمريكية روسية لتحقيق أهداف متعلقة بتقليل التمدد الكردي، وفي يناير 2018 أطلقت تركيا عملية عسكرية في عفرين أطلقت عليها اسم غصن الزيتون أسفرت عن تهجير مئات الآلاف من الأكراد وسيطرة أنقرة على مزيد من الأراضي السورية بمساعدة الجماعات المسلحة التي يطلق عليها بالجيش السوري الحر، لانقاذ شعبية العدالة والتنمية وازدياد الحنق الشعبي في الداخل.
وجاء الاجتياح العسكري التركي لشمال سوريا في أكتوبر 2019، برغبة تركيا فقط وبدون دعم إقليمي أو دولي وبرفض واسع من العواصم الدولية خاصة الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي حتى روسيا الاتحادية رفضت الحرب ضد الأكراد في رأس العين وتل أبيض على عكس الدعم الذى حصلت عليه أنقرة في عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون.

وسائل أردوغان للسيطرة على الجيش 
يرتعد رجب طيب أردوغان، من تحركات الجيش خوفا من تكرار سيناريو نجم الدين أربكان معه الذى انتهى بعزله وتهميش حزبه والاستيلاء على حكم تركيا.
وفي سبيل ذلك اتخذ أردوعان عددًا من الخطوات في مقدمتها تقليص عدد العسكريين داخل مجلس الأمن القومي إلى خمسة مقابل تسعة مدنيين، جعل قرارات مجلس الأمن القومي غير ملزمة، كما أصبح الأمين العام للمجلس مدني ويتبع لرئيس الوزراء، وأخضع تصرفات الجيش لمراقبة البرلمان.
قام أردوغان بإلهاء الجيش في الحروب في الأزمة السورية والانقلاب الفاشل كانا هدية لحكومته كي يطيل فترة حكمه واستغل ذلك ليعدل الدستور للنظام الرئاسي بدلا من البرلماني وأيضا قمع حركة الخدمة وسحقها بزعم أنه يحافظ على قيم العلمانية أمام حركة إسلامية اجتماعية كانت حليفة له منذ وقت قريب.
تفنن أردوغان بعد الانقلاب في التخلص من خصومه السياسيين في القضاء والجيش والشرطة وأصبحت تركيا دولة الرجل الواحد خاصة بعد التعديلات الدستورية التى جعلت أردوغان هو الرئيس ورئيس الوزراء في نفس الوقت وقلص من سلطات القضاء والجيش والمخابرات والبرلمان واختصر الدولة التركية في نفسه مما رسخ لحكم ديتكاتوري، فضلا عن تكميم أفواه المعارضة.
مثلت معركة درع الفرات غطاء ًجيدًا لأسلمة الدولة وتقليل نفوذ العسكريين في الحياة السياسية ، مستغلا إهتمام الجيش بحرب سوريا.
نفس الأمر استغله أردوغان في معركة غصن الزيتون التي كانت ورقة انتخابية لحصول العدالة والتنمية على الأغلبية البرلمانية حتى لا تتكرر مجددا خسارة الأغلبية كما حدث في انتخابات يونيو 2015 وكان الهدف الحقيقي تحيد المؤسسة العسكرية قبيل الانتخابات.
وحاول أردوغان بعملية الأخيرة في سوريا، تفتيت الجيش التركي وتشتيت قدراته بالحروب الخارجية، والتي قرر قبلها الرئيس التركي التخلص من الضباط المعارضين.
وبالرغم من ذلك تعد مسالة الصدام بين الجيش وأردوغان رهن المتغيرات الدولية ورهن إفلاسه السياسي إما باستبداله بإسلامي أخر أكثر حصافة وأقل تهورا أو هدم تجربة الإسلام السياسي ككل بصدام الجيش التركي معها مجددا.

شارك