حصاد 2019 السلفية في بلجيكا.. الأصولية تكسو معقل الاتحاد الأوروبي

الأربعاء 18/ديسمبر/2019 - 07:25 م
طباعة حصاد 2019 السلفية علي عبدالعال
 
شهدت السنوات القليلة الماضية، زيادة ملحوظة في حدة التحذيرات الصادرة عن مسؤولين بلجيكيين من تنامي النشاط السلفي في عاصمة الاتحاد الأوروبي، وهي تحذيرات جاءت متناغمة مع إجراءات أمنية وقانونية اتخذتها الحكومة؛ خشية خروج المسألة السلفية عن السيطرة.

مطلع العام
في أبريل من العام الحالي 2019، أحصى جهاز الأمن البلجيكي نحو 100 منظمة سلفية في البلاد، ولاحظت صحيفة De Tijd أن السلطات ليس لديها بيانات رسمية عن عدد المنظمات السلفية في البلاد، لكن قال وزير العدل كون هينز، ردًا على استفسار برلماني: «هناك بالفعل زيادة في عدد المجموعات والمبادرات المتعلقة بالسلفية».
وسبق لجهاز الأمن أن لفت انتباه السلطات البلجيكية إلى تزايد وتيرة النشاط السلفي، وإلى حقيقة أن الذين يدعون إلى العودة إلى «الإسلام النقي»، يزيدون من نفوذهم على عامة المسلمين في بلجيكا.
وفي خريف 2017، حذر وزير الدولة لسياسات الهجرة واللجوء، ثيو فرانكين، من مشاكل مع ما وصفه بـ«الإسلام الراديكالي والسلفي»، لكن ليس مع الإسلام كدين. وقال «فرانكن»: الأولوية دائما لمحاربة التطرف.
وفي أعقاب تفجيرات بروكسل مارس عام 2016 التي نفذها ثلاثة انتحاريين في مطار زافنتم ومترو العاصمة، وأسفرت عن مقتل 32 شخصًا، وتبناها تنظيم داعش، اتخذت الحكومة سلسلة من الإجراءات ضد كل ما من شأنه أن يوصف بالسلفية، وقال رئيس الوزراء، رودي فيرفورت: إنّ مناطق في بلجيكا باتت «مسمّمة بالوهابية»، وألقى فيرفورت بالمسؤولية على السلطات المحلية في «زيادة تأثير الإسلام الوهابي في بلجيكا».
وحذر تقرير أنجزته خلية التنسيق وتحليل المخاطر الاستخباراتية OCAD التابعة لوزارتي الداخلية والعدل من تنامي المد السلفي، وتزايد عدد المساجد والمراكز الإسلامية التي باتت تحت التأثير المباشر للتيار السلفي، وجاء في التقرير أن الجهاز الدعوي الوهابي أحكم قبضته بشكل متزايد على العديد من دور العبادة، وفي الوقت نفسه ارتفع عدد الأئمة الحاملين للفكر الوهابي بشكل متسارع.
وعزا التقرير سرعة انتشار السلفية في بلجيكا إلى عاملين رئيسيين: «المال الخليجي، وقوة الجهاز الدعوي للسلفيين»، مشيرًا إلى نجاح التيار السلفي في جعل المسلمين يبتعدون عن المعايير والقيم الأوروبية، باعتبارها مبادئ تتعارض مع أحكام الإسلام، وحذر التقرير ذاته من التقليل من أهمية المجموعات السلفية باعتبارها أقليات معزولة، بل على العكس من ذلك اعتبرتها  OCADمجموعات فعالة، نجحت في نشر الفكر السلفي في العالم الإسلامي، ولم تستثن الأقليات المسلمة في الغرب.
وأواخر أغسطس 2012 هاجمت وزيرة العدل، أنيمي تورتلبوم، مدارس «تُوفّر دُروسا في اللّغة العربية ولنُسخ مُتطرّفة للإسلام»، على حد قولها، ونقلت الصحف عن الوزيرة قولها: إن السلطات البلجيكية تشعر بالقلق من الدّعاية الوهابية في عشر مدارس، مُشيرةً إلى أن هذه المدارس «تستفيد من تمويل خليجي».
وجاءت هذه التصريحات على خلفية مواجهات وقعت أوائل يونيو، مع قوات الأمن نظّمها سلفيون في ضاحية «مولينبيك -سان جان»، شمال العاصمة بروكسل ردّا على اعتقال شابة مسلمة ترتدي النّقاب؛ حيث تجمع أكثر من مائة من الشبان الملتحين تضامنًا مع المنقبة ستيفاني دجاتو «25 سنة»، التي رفضت طلب الشرطة كشف وجهها في الشارع.
واعتقلت قوات الأمن عشرة أشخاص ينتمون إلى مجموعة «الشريعة فور بلجيوم» أو «الشريعة من أجل بلجيكا» التي تدعو إلى تطبيق الشريعة الاسلامية في هذا البلد الأوروبي، وعلى إثر ذلك حذر جهاز أمن الدولة من ألف سلفي يهددون الاستقرار.
وتعتقد السلطات، أن نشاط هذه الجماعة ممتد إلى خارج بلجيكا، وأن اسمها مرتبط بعدد من الهجمات الإرهابية، من بينها، هجمات مدريد في عام 2004. وأن لها نشاطًا في تجنيد المسلمين الأوروبيين وإرسالهم إلى العراق وسوريا؛ للانضمام إلى تنظيم «داعش»، وقد تم حظرها مؤخرًا، وألقي القبض على زعيمها، المغربي فؤاد بلقاسم، و45 قياديًّا، وتمت محاكمتهم بتهمة دعم تنظيم «داعش»  وتجنيد الشباب له.
واعتبرت السلطات البلجيكية مسجد بروكسل القريب من حي الاتحاد الأوروبي في العاصمة البلجيكية وقرب مبنى المفوضية الأوروبية، مركزًا للجماعة ووصفته بأنه المركز الرئيسي للسلفية في أوروبا، وأرضية خصبة لشبكتها، المترامية الأطراف، في ألمانيا وفرنسا وأسبانيا وبريطانيا، بل ومركزا لتصدير المقاتلين، وكان من بين المترددين على المسجد منفذو عملية اغتيال القائد الأفغانى أحمد شاه مسعود عام 2001م، ومهدى نموش المشتبه به في الهجوم على المتحف اليهودي في بروكسل في مايو 2014، وأيوب الخزانى منفذ الهجوم على قطار تاليس بين أمستردام وباريس، وغيرها من العمليات الأخرى.
وفي أعقاب أحداث مارس  2016، شكلت الحكومة البلجيكية لجنة تحقيق برلمانية، قدمت سلسلة من التوصيات في تقرير نشرته أكتوبر  2017  منها : وضع حد لنفوذ التعاليم السلفية التي مصدرها، وفقا للنواب البلجيكيين، المسجد الكبير في بروكسل. وقالت: إن مسجد بروكسل يقوم بنشر أفكار وصفتها بالمتطرفة، كما رفعت وحدة التنسيق لتقييم التهديدات تقريرًَا إلى لجنة التحقيق البرلمانية تنبهها إلى وجود كتب تدعو للسلفية والفكر المتطرف ولقتل المثليين ورجمهم كما ينتشر -حسب التقرير- داخل المسجد خطاب كراهية يدعو لمعاداة السامية.
وقال النائب في البرلمان البلجيكي والعضو بلجنة التحقيق، جورج دالمان: يوجد كثير من الشباب ممن كانوا يترددون على المسجد غادروا إلى القتال في صفوف داعش بسوريا.
وطالب آلان كورتوا مسؤول ممارسة المعتقدات الدينية ببلدية بروكسل، إغلاق مسجد بروكسل بصفة نهائية، مطالبًا بفتح المجال أمام ما أطلق عليه بدعاة التفكير المتحرر من الإشراف على المسجد.
وتنفي القيادات المسؤولة عن المسجد، أنها تؤمن بالعنف منهجًا، يقول تامر أبو السعود -مدير المركز الإسلامي و الثقافي ببلجيكا: «لا نحث على أي خطاب ذي صفة راديكالية أو سلفية».

منتصف العام
لكن في منتصف العام 2018، وضعت السلطات البلجيكية مسجد بروكسل تحت إدارة سلطة حكومية للدين الإسلامي «السلطة التنفيذية لمسلمي بلجيكا»، منهية بذلك عقد الإيجار مع الرابطة الإسلامية العالمية التي كانت تشرف على المسجد الكبير في بروكسل منذ تأسيسه في  يونيو 1969، على الرغم من أن زيادة تحكم السلطات الفدرالية بمحتوى التعاليم في المساجد يتعارض مع القيم العلمانية الأوروبية.
وتم إمهال المركز الإسلامي فترة سنة لإخلاء المبنى، ما يسمح بتشكيل «بنية جديدة تجمع الهيئة التنفيذية لمسلمي بلجيكا وجالية محلية» لتولي إدارته.
وقال وزير العدل: إن الحكومة تأمل في تحقيق «تعددية وشفافية» داخل المسجد الكبير الذي ستوجب عليه أن «يطلب اعترافًا» من قبل الدولة و«احترام قوانين وتقاليد بلدنا التي تحمل رؤية متسامحة للإسلام».
موضحا أنه «من المقرر إجراء تأهيل للأئمة فيه أو إقامة مركزًا لعرض إنجازات الحضارة الإسلامية في إطار ثقافي أوسع».
يذكر أن عدد المسلمين في بلجيكا ارتفع إلى حوالي 700 ألف نسمة، حسب إحصاءات حكومية، غالبيتهم من المغاربة والأتراك، في حين يشكل الإسلام ثاني أكبر ديانة، كما يتم تدريس الإسلام في المدارس البلجيكية منذ 1975، بينما ارتفع عدد المساجد إلى حوالي 500 مسجد، أكثرمن 60% منها يسيرها مغاربة.
ويقول الجهاز الأمني: إن عدد الناشطين السلفيين في بلجيكا يزيد عن الألف سلفي.

شارك