حصاد الدم والقهر.. تركيا تتآكل وشعبية «أردوغان» تنهار
الجمعة 20/ديسمبر/2019 - 11:39 ص
طباعة
محمود محمدي
على مدار عام مضى، تسببت سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على المستويين المحلي والدولي في نشر الفوضى؛ حيث يعاني الاقتصاد التركي من تدهور متواصل كشفته مؤشرات مالية واقتصادية محلية، إضافة إلى تدهور العلاقات التركية مع دول الجوار والاتحاد الأوروبي بسبب التدخلات في شؤون الدول الأخرى، ودعم أنقرة للإرهاب.
القائمة الرمادية
أدرجت تركيا فى تصنيف سلبي من قبل مجموعة العمل المالي «FATF»، لتحتل «المنطقة الرمادية»، وذلك بسبب دعمها وتمويلها للإرهاب؛ حيث لا يتسم النظام المالي لتركيا بمعايير الشفافية المالية، إذ أدرجتها مجموعة العمل المالي، وهي هيئة مراقبة دولية معنية بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
ومنذ محاولة الانقلاب في عام 2016، لم تحرز تركيا تقدمًا إيجابيًّا في المساهمة في الكفاح ضد هذه الجرائم، فبدلًا من ذلك، استخدمت التحقيقات المالية في حملة ضد المعارضين، مما تسبب في عبء على السلطات المختصة.
ونشرت مجموعة العمل المالي تقرير التقييم المشترك لتركيا لعام 2019، وهو التقييم الثالث لتركيا بعد 2007 و2014.
ووفقًا للتقرير، فإن لدى تركيا ثغرات تتطلب تحسينات أساسية في مجال التعامل مع انتشار الأسلحة النووية والفساد وتمويل الإرهاب.
ويشير تقرير مجموعة العمل المالي (FATF) بأن محاولة الانقلاب في عام 2016 أدت إلى تراجع الموقف السياسي التركي؛ حيث حققت وحدة التحقيقات المالية التركية، MASAK، في القضايا المتعلقة بجناة الانقلاب والجماعات المنشقة، والتي وصفتها تركيا بأنها منظمات إرهابية.
وبحسب التقرير فإن جميع الأصول التي صادرتها تركيا تقريبا - 10 مليارات يورو و99.99 %من إجمالي الأصول - مملوكة لأنصار حركة جولن، والتي تتهمها تركيا بالانقلاب الفاشل. لكن المجتمع الدولي لا يعتبر الحركة منظمة إرهابية.
وفي مقال يلخص تقرير مجموعة العمل المالي، قالت صحيفة فايننشال تايمز هذا الأسبوع: إن تركيا يمكن أن تخضع لعملية مراقبة يطلق عليها (القائمة الرمادية) في حالة عدم امتثالها لتوصيات تقرير. كما ذكرت الفايننشال تايمز أن الحكومة التركية ضغطت لمنع الكشف عن التقرير للجمهور.
مؤشرات اقتصادية سلبية
تراجعت قيمة الناتج المحلي الإجمالي التركي بالأسعار الجارية 9% خلال أول 9 أشهر من العام الجاري، مقارنة بالفترة المقابلة من 2018، متأثرة بتواصل أزمة هبوط الليرة.
وأوضحت بيانات هيئة الإحصاء التركية، أن قيمة الناتج المحلي لتركيا بالأسعار الجارية بعملة الدولار الأمريكي بلغت نحو 548.083 مليار دولار أمريكي خلال الشهور التسعة الأولى من العام الجاري.
ووفق تقرير الناتج المحلي الإجمالي التركي، فقد بلغ إجمالي قيمة الناتج المحلي الإجمالي خلال الشهور التسعة الأولى من العام الماضي نحو 602.82 مليار، وهو مؤشر على إغلاق عام 2019، بهبوط حاد في قيمة الناتج المحلي بالعملة الأجنبية.
يأتي هبوط قيمة الناتج المحلي الإجمالي التركي، مدفوعا بهبوط الليرة التركية خلال الشهور التسعة الأولى من العام الجاري لمتوسط 5.75 ليرة/دولار، بينما بلغ متوسط سعر الدولار في الفترة المقابلة من العام الماضي 2018 نحو 5.2 ليرة/دولار واحد.
وكان الناتج المحلي التركي قد انكمش 2.8% خلال الربع الأخير 2018، وانكمش كذلك بنسبة 2.3% في الربع الأول من العام الجاري، بنسبة 1.9% خلال الربع الثاني من العام الجاري، مدفوعا بأثر هبوط الليرة التركية على مختلف قطاعات الاقتصاد المحلي.
وفي أكتوبر 2019، وضع صندوق النقد الدولي توقعات متشائمة للاقتصاد التركي العامين الجاري والمقبل، وسط أزمة نقد أجنبي تعاني منها البلاد، أثرت على مختلف قطاعاتها الاقتصادية منذ أغسطس 2018.
وقال الصندوق في تقرير «آفاق الاقتصاد العالمي»، الصادر في النصف الأول من أكتوبر الفائت، إنه يتوقع نمو اقتصاد تركيا بنسبة 0.2% خلال العام الجاري، مقارنة بـ2.8% خلال العام الماضي 2018.
ويعيش الاقتصاد التركي على وقع أزمة عملته المحلية الليرة منذ أغسطس 2018، وسط عجز الحكومة المحلية والمؤسسات الرسمية عن وقف تدهورها، رغم رزمة إجراءات وتشريعات متخذة.
وأشار الصندوق إلى أن توقعاته لنسب التضخم في تركيا خلال العام الجاري تبلغ 15.7% ثم إلى 12.6% خلال العام المقبل، ما يعني بقاء أسعار المستهلك فوق 10% للعام الثالث على التوالي، وفق أرقام تاريخية للإحصاء التركي.
وهبطت الليرة 30% في 2018 ما رفع التضخم وأسعار الفائدة، بينما تراجع الطلب المحلي.
المساواة بين الجنسين
على صعيد متصل، كشف تقرير الفجوة بين الجنسين العالمي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، احتلال تركيا المرتبة 130، من بين 153 دولة، فيما يتعلق بعدم المساواة بين الرجل والمرأة، ليتدنى تصنيفها الذى كان فى المرتبة الـ105، خلال عام 2006.
ويتضمن تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي أربع فئات: المشاركة الاقتصادية والفرص، التحصيل العلمي، الصحة والبقاء والتمكين السياسي.
وفي فئة المشاركة والفرص الاقتصادية، حصلت تركيا على المرتبة 136، والمرتبة 113 في فئة التحصيل العلمي، والمرتبة 64 في فئة الصحة والبقاء، وعلى المرتبة 109 في فئة التمكين السياسي.
وفقا للتقرير، ضاقت الفجوة بين الرجال والنساء في جميع أنحاء العالم خلال العام الماضي ولكنها لن تختفي قريبًا.
تركيا في الإعلام
في سياق متصل، اضطرت 5 فضائيات في تركيا إلى الإغلاق وتسريح العاملين، بسبب مشاكل اقتصادية عجزت معها عن تغطية مصروفاتها، لتنضم إلى كثير من وسائل الإعلام المتوقفة عن البث.
ونقل موقع «Medyaradar» المتخصص في متابعة نشاط وسائل الإعلام في تركيا، تصريحات أدلى بها نائب مدينة إسطنبول، البرلماني السابق عن حزب الشعب الجمهوري المعارض باريش يارقاداش، وقال فيها إن قناتي «Cem TV» الإخبارية، و«Woman TV» توقفتا عن البث على القمر الصناعي التركي مؤخراً، بسبب عجزهما عن سداد تكاليف التشغيل.
وكانت إدارة قناة «Woman TV» قد أصدرت قراراً في أكتوبر الماضي، بفصل 30 من العاملين، بسبب عدم تمكنها من الحصول على إعلانات تساعدها على استمرار نشاطها.
وقبل أيام توقفت قناة «هلال» الفضائية التابعة لمجموعة «مصطفى إسلام أوغلو» الإسلامية عن البث، بعد مسيرة استمرت نحو 13 عامًا، وذلك بعد أن سبق وقررت إدارة القناة تسريح العاملين كافة، وإذاعة برامج مسجلة.
مؤشر العدالة الاجتماعية
حلت تركيا في المركز الأخير على مؤشر عالمي يقيس حالة العدالة الاجتماعية في عدد من دول العالم، متأثرة بسياسات الإفقار والتجهيل التي يفرضها نظام الرئيس رجب طيب أردوغان على الأتراك.
وبحسب صحيفة «تي 24» التركية، جاءت تركيا في قاع قائمة تضم 41 دولة من دول الاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، من حيث العدالة الاجتماعية.
ومؤشر العدالة الاجتماعية أعدته مؤسسة "برتلسمان" الألمانية بين دول الاتحاد الأوروبي ودول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وعددها 41 دولة، ويصنف الدول وفقاً لعدة مؤشرات فرعية هي جهود منع الفقر وفرص التعليم العادل وسهولة الوصول إلى سوق العمل وغيرها.
واحتلت تركيا المركز الـ31 في مؤشر "منع الفقر"، والمركز الـ41 في "فرص التعليم العادل"، والمركز الـ37 في "الوصول إلى سوق العمل".
وفي سياق الأرقام السلبية، كشف تقرير متخصص عن تزايد حالات الانتحار في تركيا جراء تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد والتي أغلقت العديد من المؤسسات والشركات، ما زاد من معدلات البطالة.
وقال تقرير أصدره، السبت الماضي، مجلس سلامة العمال وأمن العمل التركي ونقله الموقع الإخباري التركي "بولد ميديا" إن عددًا مَن لقوا حفتهم من العمال بسبب حوادث العمل خلال الأشهر الـ11 الأولى من العام الجاري 1606 عمال، بحسب بيانات حديثة.
وأشار في الوقت نفسه إلى تزايد حالات الانتحار بين العمال خلال السنوات الست الأخيرة، وذكر أن هذه الفترة شهدت انتحار 351 عاملًا، وأرجع ذلك إلى توقف هؤلاء عن العمل بعد إفلاس أماكن عملهم أو ظروف العمل القاسية.
كذلك، ارتفع عدد حوادث العمل في تركيا بنسبة 400%، خلال السنوات السبع الماضية، فيما يصل عدد الوفيات جراء جرائم العمل إلى 22500 شخص خلال 16 عاما من حكم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وقال رئيس غرفة أطباء إسطنبول بينار صائب إن أعداد الوفيات في حوادث العمل في تركيا تتزايد منذ عام 2012، الذي صدر فيه قانون "السلامة المهنية"، خلال ندوة تقييم قانون الأمن والسلامة المهنية في عامه السابع.
اعتقال المعارضة
اعتقلت السلطات التركية نحو 6 آلاف من أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي الكردي المعارض، منذ عام 2015 وحتى الآن، حسب تقرير أعده الحزب حول انتهاكات حقوق الإنسان.
ونشر التقرير تحت اسم "انتهاكات حقوق الإنسان لعام 2019" حسبما نقله الموقع الإلكتروني لصحيفة "برغون" المعارضة، الخميس.
وسلط التقرير الضوء على الانتهاكات التي يتعرض لها أعضاؤه، خصوصًا في الفترة الأخيرة التي شهدت عزل رؤساء البلديات المنتخبين من صفوفه، وتعيين وصاة بدلًا منهم.
وحسب البيانات المذكورة في التقرير، فقد شملت عمليات الاحتجاز 15 ألفا و530 من التابعين للحزب، وصدرت مذكرات اعتقال بحق 6 آلاف، من بينهم 750 من الأعضاء بالحزب والقيادات.
وأوضح الحزب، في تقريره، أن تركيا تستقبل عام 2020 وسط تجاهل تام لحقوق الإنسان، من خلال الانتهاكات التي بدأت في عام 2015 وتزداد حدة يوما بعد يوم.
وأشار إلى أن عام 2019 فقط شهد إلقاء القبض على ألف و674 عضوًا وقياديًّا في الحزب على الأقل، وصدرت مذكرات اعتقال في حق 200 منهم.
شعبية أردوغان تنهار
ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن نهاية حقبة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، باتت وشيكة، معللة هذه التوقعات بتراجع شعبيته لأدنى مستوى وخسارته الضخمة في الانتخابات البلدية السابقة وتشكيل رئيس الوزراء السابق، أحمد داود أوغلو، حزبًا جديدًا يستهدف جذب جماهير أردوغان المحافظين، الأمر الذي قد يلحق أضراراً جسيمة بفرص إعادة انتخابه للرئاسة.
كما يمثل انفصال داود أوغلو عن أردوغان، الذي كان ذات يوم أقرب حليف له، تحديًّا مباشرًا ضد الرئيس التركي، حيث يتعهد أوغلو بالعودة إلى المبادئ والمثل العليا الأصلية لحزبهم القديم.
كما تابعت الصحيفة: «لقد شهد أردوغان انخفاضًا في شعبيته إلى أدنى مستوى في ثلاث سنوات مع انهيار العملة والركود الاقتصادي الذي ضرب تركيا قبل 18 شهرًا من اختبار قيادته. وأظهر استطلاع للرأي أجري حديثاً انخفاض شعبيته إلى 33% من 41% في يوليو 2018، وهو المستوى الذي يضعه في كفاح لتأمين أغلبية الأصوات اللازمة لإعادة انتخابه للرئاسة».
وأضافت: «لقد أعطى توغل الجيش التركي في سوريا في أكتوبر، والذي كان يحظى بشعبية أردوغان، دفعة مؤقتة في استطلاعات الرأي، لكن تقييماته انخفضت مرة أخرى، حيث عانى الأتراك من المصاعب الاقتصادية وزاد الاستياء من عدم المساواة الاقتصادية المتزايدة».