زيارة ماكرون للساحل والصحراء.. فرنسا تدشن إستراتيجية جديدة في مكافحة الإرهاب

الثلاثاء 24/ديسمبر/2019 - 08:49 م
طباعة زيارة ماكرون للساحل أحمد عادل
 
أخذت فرنسا على عاتقها، حل الأزمات الأمنية والتهديدات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء، وتأتي زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لعدة دول في منطقة الغرب الإفريقي، وتحديدًا في ساحل العاج و النيجر، والتي استمرت ما بين الفترة 20 ديسمبر إلي 22 ديسمبر 2019، لتدشين إستراتيجية جديدة لمكافحة الإرهاب.
وفي ختام زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كانت النتائج التي حملها ماكرون في حقبته مقبولة إلى حد ما، وذلك بعدما أطلق أكاديمية دولية لمكافحة الإرهاب، والتي طالما كانت حلمًا كبيرًا بالنسبة لباريس والذي كشف عنه ماكرون في عام 2017، خلا قمة بين الاتحاد الأوروبي وعدد من قادة غرب أفريقيا؛ نظرًا لتعزيز وجود القوات الفرنسية ومحاربة التهديدات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء.
وتهدف فرنسا، من وراء أنشاء تلك الأكاديمية إلى أنها  ستكون مركزا مرجعيا للتأهيل في غرب أفريقيا يضم معهدا للكوادر ومعسكرا للتدريب لجيوش منطقة الساحل الإفريقي،  وستقام تلك الأكاديمية بالقرب من العاصمة أبيدجان.
وطالب الرئيس الفرنسي، خلال الزيارة، إلي تحديد موقف واضح وصريح من الوجود والدور الفرنسي العسكري في منطقة الساحل والصحراء، والنتائج التي حققتها قوات برخان الفرنسية في محاربتها ضد التنظيمات الإرهابية، مشيرًا إلى أنه يتوقع من قادة الغرب الإفريقي، تحمل المسؤولية في محاربة التنظيمات الجهادية، والتعبير عن ذلك بوضوح سياسي؛ لأن الكفاءة العسكرية تعتمد أيضًا على العمل السياسي الذي يقوم به كل طرف، كما تعتمد على سياسات التنمية التي تتبعها فرنسا هناك أيضًا في منطقة الساحل والصحراء، مضيفًا أن باريس لا تستطيع مكافحة الإرهابيين بمفردها ولابد من التعاون مع قوات برخان الفرنسية، مطالبًا قادة دول مجموعة الساحل الخمس «مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد وموريتانيا» بالتزام السياسي الواضح من الوجود الفرنسي.
وأكد ماكرون، أن فرنسا تعيد تقييم  وجودها في منطقة الساحل والصحراء، عن طريق تقييم عمليات الجيش الفرنسي ضد المسلحين في غرب أفريقيا، مشيرًا إلى أن جميع الخيارات متاحة، وموضحًا أن بلاده ترغب في مشاركة أكبر من قبل حلفائها في المنطقة؛ من أجل مكافحة الإرهاب، موضحًا أن في الفترة القادمة ستشهد بداية لمرحلة فرنسية جديدة في مكافحة الإرهاب على أراضي القارة الإفريقية، لا سيما في منطقة دول الساحل والصحراء.
وعن المرحلة المُقبلة بالنسبة لقوات برخان الفرنسية، طالب ماكرون القوات أن تشهد الأسابيع القادمة «مرحلة الحسم» في القضاء على التنظيمات الإرهابية التي طالما أكوت بنيرانها لهيب منطقة الساحل والصحراء؛ مطالبًا قادة دول غرب إفريقيا إلى ضرورة صياغة أهدافها الاقتصادية والعسكرية والتنموية خلال الأعوام القادمة.
على صعيد متصل، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قادة دول الساحل والصحراء الإفريقي، لقمة دولية تستضيفها باريس في 13 يناير2020 المُقبل؛ لتقييم وجود القوات الفرنسية بالمنطقة، ووضع أسس زيادة الدعم الدولي لجهود التصدي للإرهاب.
وتأتي تلك القمة في ظل تصاعد موجة الهجمات الإرهابية ضد بلدان الساحل والصحراء، والتي امتدت إلي دول الجوار وتحديدًا بوركينا فاسو والنيجر وعدد من الدول الأخرى، والذي ظهر متجليًّا في الهجوم الذي  تبناه تنظيم داعش الإرهابي في 12 ديسمبر، استهدف معسكرًا في إيناتيس قُرب جمهورية مالي في الغرب الإفريقي؛ ما أدى إلي  مقتل 71 عسكريًّا من جمهورية النيجر، سبقها إعلان فرنسا في 2 ديسمبر مقتل 13 جنديًّا من قواتها، في ارتطام مروحيتين خلال عملية مطاردة لمتطرفين جنوب شرقي مالي. 
وبعد تصاعد العمليات الإرهابية، تحرك الرئيس الفرنسي في اتجاهين، أولهما: طلب المساعدة من شركاء فرنسا الأوروبيين؛ للانخراط إلى جانب باريس لوجستيًّا وميدانيًّا، عبر تدريب قوة «G5» الأفريقية، المكونة من «موريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد»، وثانيهما: دعوة ماكرون قادة البلدان الخمسة إلى قمة في جنوب غربي فرنسا؛ لبحث الوضع الأمني في منطقة الساحل والصحراء، وإعادة توضيح الإطار والشروط السياسية التي تتحكم في حضور فرنسا في بلدان الساحل مع قادة الدول الخمس الأعضاء في القوة الخماسية «G5».
زيارة ماكرون للساحل
وبدأت فرنسا حربها ضد التنظيمات الإرهابية عام 2013، عبر عملية «برخان» التي أطلقتها في جمهورية مالي بغرب إفريقيا، وكان الهدف الرئيسي لها منع انتشار المسلحين، وتنقلهم من شمال مالي إلى العاصمة باموكو، وتحويلها لبؤرة إرهابية، ولاقت العملية في بدايتها نجاحات، إلا أن الجماعات المتشددة عادت مرة أخرى، وعززت من وجودها.
وترى فرنسا، أن حضورها العسكري في منطقة الساحل والصحراء، يكلفها ثمنًا باهظًا ماديًّا وبشريًّا، فعملية برخان وحدها تتكلف سنويا 700 مليون يورو«حوالى 775 مليون دولار أمريكي»، كما أن هناك مشاكل كبيرة تواجه باريس من الإعلام المضاد لها، والذي يلمح إلى أنها تسعى لحماية مستعمراتها القديمة في القارة السمراء.
تعيش منطقة الساحل والصحراء الإفريقي، حالة من الانفلات الأمني؛ نتيجة تمدد الجماعات المُسلحة في المنطقة التي شهدت في الفترة الأخيرة نقل الصراع الإرهابي من بلاد الشام في سوريا والعراق إلى منطقة الغرب الإفريقي؛ إذ ينشط بها إرهابيو تنظيمي القاعدة وداعش، مستغلين حالة التردي الأمني، ومستفيدين من إمكانية التنقل بحُرية وسهولة بين بلدانها مثل مالي والنيجر، وعزز تنظيم داعش من توحشه في المنطقة، منذ أبريل 2019، عندما أعلن أبوبكر البغدادي زعيم التنظيم الذي قُتل في أكتوبر 2019، مباركة وجود عناصره في تلك المنطقة، وتأسيس ولاية غرب ووسط أفريقيا، ويتمتع تنظيم القاعدة، بحضور قوي في منطقة الساحل الإفريقي؛ إذ تمكن من تشكيل أكبر تحالف له على مستوى العالم، وهو ما يُعرف بـ«نصرة الإسلام والمسلمين»، والذي تأسس في مارس 2017، نتيجة اندماج أربع حركات مسلحة في مالي ومنطقة الساحل، وهي: «أنصار الدين، وكتائب ماسينا، وكتيبة المرابطين، وإمارة منطقة الصحراء الكبرى».
وفي تصريح له، يرى ناصر مأمون عيسي، الباحث في الشأن الإفريقي، أن تلك المُخرجات التي أثمرتها زيارة ماكرون تلامس الواقع بطريقة كبيرة، مضيفًا أن تلك الزيارة أتت في توقيت مناسب؛ نظرًا لما تشهد منطقة الساحل والصحراء من عمليات إرهابية مُفجعة في الوقت الراهن.
وأكد أن أهمية منطقة الساحل والصحراء بالنسبة لفرنسا، هي من جعلت باريس تولي اهتمامًا كبيرًا بتلك المنطقة، موضحًا أن ماكرون يسعي وبقوة لإنهاء وجود التنظيمات الإرهابية في تلك المنطقة على عكس نظرائه الأوروبيين.
وأوضح الباحث في الشأن الإفريقي، أنه لابد من تضافر الجهود الدولية الأممية مع الجانب الفرنسي وقادة دول الساحل والصحراء لتحقيق النجاحات التي تأمل باريس رؤيتها على أرض الواقع، وهي منع انتشار التنظيمات الإرهابية.

شارك