مليء بالمحفزات الإرهابية.. قراءة في تداعيات تاريخ «البلقان» على أمن أوروبا

الجمعة 27/ديسمبر/2019 - 01:40 م
طباعة مليء بالمحفزات الإرهابية.. نهلة عبدالمنعم
 
تشترك مجموعة من العوامل لجعل منطقة ما مُحفزة للإرهاب دون غيرها، فعلى الخريطة الجنوبية لأوروبا تمتد منطقة البلقان بكل ما تحمله من تاريخ طويل من الصراعات المختلفة الهوية والتي أسهمت في تعقيد حاضرها ومستقبلها.

 

بالرغم من تعدد النزاعات بهذه البقعة على امتداد التاريخ، فإن الإرهاب كظاهرة حديثة نسبيًا تبادلت الدور العالمي المهيمن مع أباطرة الاحتلال القدامى قد تبلور باختلاف مرجعيته الفكرية مع نشوب صراعات تقسيم المنطقة وانفصالها عن يوغسلافيا الاشتراكية الاتحادية في تسعينيات القرن العشرين.
مع بداية التسعينيات بدأت دول المنطقة مثل البوسنة والهرسك، ومقدونيا، والجبل الأسود وغيرها، في معارك الانفصال عن الاتحاد اليوغسلافي؛لتدخل الجغرافية بأغلبيتها في معركة كبيرة تدخلت فيها الكثير من الكيانات الدولية الطامحة لأدوار استراتيجية.

ونظرًا لهذه الأهداف الاستراتيجية صبغ البعض تلك المعارك بمظلومية الدين والحرب باسمه ما أدى إلى زحف مسلحو أفغانستان غير القوميين إلى بلاد البوسنة لمناصرة المسلمين المستضعفين إلى جانب عدد من العرب الذين سافروا مباشرة للهدف ذاته.

علاوة على ذلك، أرادت إيران أن يكون لها دور في هذه الحرب المزعومة باسم الدين ومن هنا بدأت في إمداد المنطقة وبالأخص البوسنة بالأسلحة والمعدات العسكرية كما أقامت معسكرات لتدريب المسلحين استغلها الراديكاليين الإسلامويين باختلاف مرجعيتهم، إذ قال الرئيس اليوغوسلافي السابق، سلوبودان ميلوشيفيتش أثناء محاكمته عن الجرائم التي وقع خلال مرحلة الانفصال أمام محكمة جرائم الحرب الدولية بلاهاي إن تنظيم القاعدة استغل الأوضاع آنذاك وأقام معسكرات تدريب وأماكن احتجاز جرى بها الكثير من جرائم التعذيب والقتل.

تحريك سياسي مجتمعي

إلى جانب التاريخ المضطرب فهناك مجموعة أخرى من العوامل التي تجعل من البلقان منطقة خطر في القارة العجوز وترتبط هذه العوامل بانعكاسات للخلل الأمني والسياسي الذي أفرزه التاريخ، إذ تنتشر في ألبانيا عصابات عاتية تتاجر في المخدرات وتدير مجموعات من المافيا الدولية، كما أن إدارة السجون في ألبانيا ضعيفة إذ تمكن بضعة مسجونين من الهرب في 2013 من محبسهم درينوف في شمال تيرانا العاصمة، وفي مايو 2018 نشرت المواقع الإعلامية لداعش مساعدات مقدمة للتنظيم من عناصره في سجون ألبانيا وتمثلت هذه المساعدات في ترجمة لمحتويات التنظيم الكتابية باللغة الألبانية.

 

كما أن سياسي أوروبا يتهمون نظراءهم في كوسوفو بالاشتراك مع العصابات في الاتجار بالبشر للتربح من ذلك، وهو ما قاله رجل السياسة السويسري، ديك مارتي في 2010 ، إلي تضخم الفساد في بعض بلاد المنطقة وبالأخص في ألبانيا، وهي الأسباب التي يقدمها الساسة لتبرير عدم اعتماد الكثير من دول المنطقة كأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

شواهد حاضرة

كنتيجة لما سبق من مقدمات تفاعلية متشابكة كان من السهل على مواطني بعض هذه الدول الانخراط في صفوف داعش، فالبوسنيون التحقوا بالتنظيم ممزقين جوازات سفرهم القومية، ومواطني كوسوفو أيضًا انضم بعضهم لمعارك التنظيم في سوريا والعراق وغيرهم من مواطني المنطقة.

 

وتمت هذه الهجرات عبر رجال دين كبار يبدو أنهم كانوا يعملون منذ القدم كخلايا متطرفة نائمة في أرجاء الدول ومن الأمثلة على ذلك الشيخ ألمير داتشي الذي عاقبته المحكمة الألبانية على ذلك بالحبس 15 عامًا، وهناك أيضًا بوجار هيسا الذي سهل انضمام الشباب من ألبانيا إلى صفوف التنظيم.

ومن الدلائل على بقاء التطرف كشبكات صامتة تعمل في الخفاء في هذه الدول هي القضية الإرهابية الشهيرة التي تم مراجعتها في مصر والتي عرفت باسم العائدون من ألبانيا والتي ضمت بعض الإرهابيين الذي نجح الأمن في اصطيادهم من المنطقة، ما يعني أنهم كانوا يجدون لهم حاضنة هناك.

ودعت هذه الإشكاليات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للقول في نوفمبر 2019 إن المتطرفين في البوسنة باتوا يشكلون خطرًا كبيرًا على أوروبا بأكملها، وهي الادعاءات ذاتها التي يقدمها الاتحاد الأوروبي للحيلولة دون انضمام هذه الدول إليه.

شارك