«الطائفية» و«الترهيب».. سيناريوهات إيران لإبقاء نفوذها في العراق
السبت 28/ديسمبر/2019 - 02:41 م
طباعة
محمد شعت
تمثل الانتفاضة العراقية أبرز التحديات أمام النظام الإيراني، ذلك لما تمثله العراق من أهمية استراتيجية بالنسبة لطهران المحاصرة بالعديد من الأزمات، وهو الأمر الذي يجعل ملالي إيران أشد تمسكًا باستمرار النفوذ في بغداد، ومواجهة الاحتجاجات بشتى السبل؛ خاصة أنها تهدد النفوذ الإيراني،؛ لذلك قد تلجأ طهران إلى العديد من السيناريوهات لإخماد الغضب العراقي، والحفاظ على نفوذها.
ترهيب المتظاهرين
تعتمد إيران على ورقة كسر إرادة المتظاهرين، وذلك من خلال الفتك بالمحتجين عن طريق الميليشيات العراقية الموالية لها، وذلك تحت قيادة وإشراف قاسم سليماني قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني (الإرهابي)، وذلك على الرغم من السلمية التي أعلنها المتظاهرون؛ ما جعل المظاهرات والاحتجاجات المستمرة تحظى بالتفاف شعبي، وتأييد دولي غير مسبوق، الأمر الذي أقلق إيران بشكل أكبر من نجاح هذه التظاهرات في إنهاء وجودها.
لجأت ميليشيات إيران إلى استهداف المتظاهرين، وهو ما أكدته تقارير كشفت عن أن استخدام القوة المفرطة مع المتظاهرين تم بتعليمات من قاسم سليماني، الذي اجتمع برئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، وقائد ميليشيا الحشد الشعبي فالح الفياض، وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، إضافة إلى محمد رضا نجل المرجع علي سيستاني وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر؛ ما أسفر عن إنهاء التظاهرات بالقوة.
وفي إطار السياسات طويلة الأمد التي تستخدمها إيران لتحقيق أهدافها، تواصل طهران مساعيها إلى قمع هذه الاحتجاجات عن طريق ميليشياتها، ومحاولة إثارة الذعر بين صفوف المتظاهرين، وكسر صمودهم، إلا أن هذه السياسة حتى الآن باءت بالفشل، لكن إيران لن تكفَّ عنها، وفي الوقت نفسه تسعى إلى استخدام أوراق أخرى لتفتيت وحدة المتظاهرين، وهو الأمر الذي يمثل التحدي الأبرز أمام نظام الملالي.
تحريك ورقة الطائفية
لعل التطور الأبرز في الاحتجاجات العراقية الأخيرة، هو قدرة المتظاهرين على تجاوز الطائفية؛ ما أسهم في تشكيل وحدة الصفوف؛ خاصة في ظل انضمام الكثير من المكون الشيعي إلى هذه الاحتجاجات التي تنادي بإنهاء الدور الإيراني، والتخلص من هيمنة طهران، بل وصل الأمر إلى حرق صور المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي؛ ما يشير إلى نزع هذه التظاهرات القدسية عن خامنئي، والتعامل معه باعتباره محتلًا، وهذا التطور تحديدًا تسبب في قلق أكبر لقادة طهران.
في ظل هذه الوحدة، ستحاول طهران استخدام كل السبل لتفتيتها وتفكيكها، وهذا التفكيك يبدأ بإثارة الطائفية بين المتظاهرين، وبث المخاوف من هيمنة المكون السني على السلطة في العراق، وتهميش الشيعة، وتسخير الآلة الإعلامية الإيرانية في العراق للعزف على هذا الوتر، لتحويل الموجة الحالية الملتفة حول هدف واحد، وهو تحرير العراق من الهيمنة الإيرانية لتفكير كل مكون في المكاسب التي قد يحصدها أو الخسائر التي قد تطاله.
وبدأت إيران فعليًّا في تحريك الطائفية وإثارتها في العراق، عن طريق تخريب منشآت تابعة لمكونات شيعية أو سنية، وإلصاق هذه الممارسات بالطرف الآخر، الأمر الذي قد يحول الوحدة الحالية إلى اقتتال داخلي أو حرب شوارع، ثم تسعى إيران إلى توظيف هذه الأحداث لصالحها، فضلًا عن ورقة الاغتيالات التي تطال ناشطين بارزين تمثل رموزًا للمكونات المنتمية إليها، وهو الأمر الذي بدأت إيران في تنفيذه مؤخرًا.
تصعيد وجوه موالية
على الرغم من أن الوجوه الموالية لإيران في الحكومة العراقية الحالية أصبحت «أوراقًا محروقة»، وكانت سببًا في اندلاع الانتفاضة العراقية، وكانت أبرز مطالب المتظاهرين تنحية هذه الوجوه لإنهاء الهيمنة، فإن إيران ستحاول تصعيد وجوه أخرى خلال الحكومة المقبلة، لتظل ممسكة بزمام القرار العراقي من خلال هذه العناصر التي تدين لها بالولاء، ومحاولة إقناع الشارع باستمرار المحاصصة في الحكم، وتمثيل عادل لكل الطوائف.
ويبدو أن إيران بدأت في تنفيذ هذا السيناريو فعليًّا، وذلك بحسب تقارير أكدت «أن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني زار بغداد للدفع باتجاه ترشيح إحدى الشخصيات لخلافة عادل عبد المهدي، رئيس الوزراء العراقي الذي قدم استقالته تحت ضغط الحراك الشعبي المتواصل، وهو ما يشير إلى أن إيران ماضية في تنفيذ نفس السياسات، والتدخل في صناعة القرار العراقي، رغم التغييرات الجذرية التي طرأت على المشهد في البلاد.
وعلى الرغم من أن هذه الاستراتيجية ستقابل برفض شعبي عراقي في ظل الغضب المشتعل والمتزايد تجاه إيران، إضافة إلى الرفض الدولي للممارسات الإيرانية، فإن طهران تعتبر بقاء نفوذها في العراق مسألة حياة أو موت؛ خاصة في ظل الأزمات التي تلاحقها على كل المستويات، وهو ما سيدفعها بالتمسك بهذا النفوذ حتى آخر نفس.