تطرف متجذر وطليق.. قراءة في الواقع الإرهابي على «الساحل الأفريقي»
الأحد 29/ديسمبر/2019 - 09:30 م
طباعة
شيماء حفظي
رفضت ألمانيا للمرة الثانية طلبًا فرنسيًّا للمشاركة في قوات مكافحة الإرهاب في مالي -إحدى دول منطقة الساحل الأفريقي- ليكشف هذا الموقف خطورة الوضع الراهن والمستقبلي في المنطقة.
وبحسب ما ذكرته صحيفة دويتش فيله، فإن وزارة الدفاع الألمانية تلقت طلبًا من فرنسا يشمل ألمانيا ودولًا أوروبية أخرى، لتقديم دعم لتشكيل قوات دولية خاصة، إلا أن الموقف الألماني جاء حاسمًا بالرفض.
خطوات للخلف
وردت الوزارة على طلب إحاطة من الكتلة البرلمانية للحزب الديمقراطي الحر الليبرالي، والذي اطلعت عليه وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) الجمعة 27 ديسمبر 2019، لتوضح سبب رفض ألمانيا للطلب الفرنسي.
«جاء تقييم الوزارة قاتمًا للأوضاع الأمنية في منطقة الساحل، وأن الجماعات الجهادية والجريمة المنظمة مسؤولة عن الوضع التهديدي في المنطقة» بحسب ما نقلته الوكالة عن الوزارة.
وربما وجدت وزارة الدفاع الألمانية أنه لا فائدة من إرسال قوات لمحاربة المتطرفين في مالي؛ حيث قالت إن الإرهابيين لديهم «حرية حركة واسعة» وبإمكانهم «التصرف على نحو غير مقيد».
وتقاتل فرنسا في مالي ودول أخرى في منطقة الساحل بقوات «عملية برخان» ضد الإرهابيين، وتضم هذه القوات نحو 4500 جندي، وتشارك ألمانيا في مالي بنحو 1100 جندي حاليًّا.
تطرف متجذر وطليق..
مشاركة القوات الألمانية، تأتي في إطار مهمة تدريب للقوات المالية تابعة للاتحاد الأوروبي ومهمة «مينوسما» الأممية لحفظ السلام في مالي، وتعتبر هذه أخطر مهمة تشارك فيها قوات ألمانية حاليًّا.
ومنطقة الساحل، هي منطقة شبه قاحلة تمتد إلى 10 بلدان، تكاد تصل إلى نقطة الانهيار؛ إذ أدت الأزمات الغذائية المتكررة ونقص المياه إلى تفاقم الانقسامات العرقية، وتوطن الفقر والفساد.
وهناك أربع دول هي الأكثر تضررًا من العنف، وهي: (مالي، والنيجر، وتشاد، وبوركينا فاسو)، وأثبتت تقارير دولية أن هذه الأرض القاحلة خصبة للجماعات الارهابية؛ إذ عمل تنظيم القاعدة في المنطقة لعدة سنوات، بعد أن اكتسب موطئ قدم في صحراء شمال مالي؛ عقب انهيار الدولة الليبية في عام 2011، تبعه في ذلك تنظيم «داعش».
فاعلية منخفضة
وأشارت وزارة الدفاع الألمانية إلى أن قوات الأمن المالية تستنفد أقصى قدراتها على نحو مستمر رغم الدعم الدولي، كما أن فاعلية القوات المشتركة لدول مجموعة الساحل الخمسة منخفضة حاليًّا.
وعلى الرغم من محاولة الجيش التصدي للمتطرفين، يقول المسؤولون الأمريكيون: إن منطقة الساحل التي تقع جنوب الصحراء الكبرى، تهدد بأن تصبح ملاذًا آمنًا للإرهابيين للتخطيط لشن هجمات في جميع أنحاء العالم وتنفيذها.
ووفقًا لتقرير لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية، نشر الخميس 21 نوفمبر، تعتبر مالي -التي تبلغ مساحتها ضعف مساحة ولاية تكساس على حسب تعبير الصحيفة- نقطة ساخنة مثيرة للقلق بشكل خاص.
وتقول ويتني بيرد، نائب مساعد وزيرة الخارجية لشؤون غرب أفريقيا والشؤون الأمنية، في جلسة استماع بالكونجرس في نوفمبر 2019: «إن عدم الاستقرار السريع في الساحل يهدد الأمن القومي للولايات المتحدة، ويقوض أهدافنا الدبلوماسية.. إنها تمكن من انتشار الإرهاب، وخنق النمو الاقتصادي، وتحبط المؤسسات الديمقراطية».
ويقول بكاري سامبي، مدير مركز دراسات السلام التابع لمعهد تمبكتو في داكار، للصحيفة: إنه بعد هزيمة داعش في سوريا والعراق، فإن منطقة الساحل هي المستقبل الاستراتيجي لـ«الجهادية المعولمة»؛ حيث تستغل الجماعات الإرهابية الفوضى، والدول الضعيفة، ومواطن الضعف، وزراعة الجذور المحلية للتطرف والإرهاب.
مدنيون يعانون
بدأ انتشار الإرهابيين والمتطرفين بمنطقة الساحل الأفريقي بعدما عاد المرتزقة المدججون بالسلاح الذين كانوا يعملون في ليبيا إلى موطنهم الأصلي؛ ما أثار سلسلة من ردود الفعل من العنف.
وقال دينيس هانكينز، سفير الولايات المتحدة لدى مالي لصحيفة واشنطن بوست في أكتوبر 2019: إن الإرهابيين حطموا الأنظمة التي تتعامل عادة مع العنف بين الطوائف.
وتعود تلك العمليات بالتأثير ليس فقط على جنود الجيش المالي، لكنها تطال المدنيين؛ حيث لقي أكثر من 800 مدني حتفهم في أعمال العنف منذ شهر يناير 2019، ارتفاعًا من حوالي 574 في العام السابق، وفقًا لمشروع بيانات النزاع المسلح وبيانات الأحداث.
ووفقًا لتقرير الخريف الصادر عن مركز رصد النزوح الداخلي نقلته الواشنطن بوست، فإن ما لا يقل عن 140 ألف مدني هربوا من منازلهم هذا العام، وهي زيادة تبلغ سبعة أضعاف تقريبًا على مدار الـ12 شهرًا الماضية.
تطرف متجذر وطليق..
جهود غير كافية
وفي محاولات لمواجهة التطرف، خصص زعماء غرب أفريقيا مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة؛ لتمويل المعركة ضد الإرهابيين، لكن محللي الأمن يقولون إن الجهد يحتاج إلى مزيد من المساعدة من المجتمع الدولي.
وتم إطلاق خطة تدعمها فرنسا عام 2015 لنشر قوة مشتركة مكونة من خمس دول، وتضم 5000 عنصر، ولكن نقص التمويل والتدريب والمعدات شكلت جميعها عوامل قوضت المبادرة، وتعرض مقر القوة في مالي في يونيو الماضي لهجوم انتحاري مدمر، أعلنت مجموعة مرتبطة بالقاعدة مسؤوليتها عنه.
وعلى الرغم من نجاح التدخل العسكري الفرنسي في عام 2013 الذي سمح باستعادة شمال مالي بعد احتلالها من المتطرفين، لاتزال مناطق كاملة من البلاد خارجة عن سيطرة القوات المالية والأجنبية، وتتعرض لهجمات بشكل دوري.
وانتقلت الهجمات تدريجيًّا من شمال نحو وسط وجنوب مالي، ومنذ وقت قصير وصلت إلى النيجر، وكذلك بوركينا فاسو؛ إذ يبدو الوضع أكثر إثارة للقلق.
وتشعر دول أوروبا بالقلق من السماح لأي مساحة لعناصر داعش، أو غيرهم أن يعيدوا تجميع أنفسهم، بما قد يؤدي إلى هجمات إرهابية بالشوارع الأوروبية.