تحولات أشبال القاعدة.. «تحرير الشام» تسعى لتغيير تصنيفها الإرهابي لحركة تحرر وطنية
الأربعاء 01/يناير/2020 - 05:12 م
طباعة
محمد يسري
بينما تتصاعد الاشتباكات في منطقة إدلب السورية، وسط نزوح آلاف الأهالي فرارًا بأنفسهم من القتال الدائر في الإقليم منذ أسابيع، خاصة معرة النعمان (جنوب إدلب) التي تحولت إلى أنقاض، يظهر بوضوح تخلي هيئة تحرير الشام «جبهة النصرة سابقًا» - (جماعة إرهابية في محافظة إدلب شمالي سوريا) إحدى أبرز الفصائل المسلحة التي تسيطر على الإقليم عن دورها القتالي، في تصرف أثار دهشة الكثيرين سواء من المقربين للهيئة أو المعارضين لها، الذين اتهموها بترك نهجها المتطرف.
وظهر أبومحمد الجولاني زعيم الهيئة المنشق عن تنظيم القاعدة بكلمة مرئية مؤخرًا، أوضحت الجانب الغامض في تصرفات هيئته، فيما يشبه تحولًا جديدًا في عقيدة تحرير الشام، المصنفة على قوائم الإرهاب، ليبعث رسالة إلى العالم مفادها أن الهيئة تحولت إلى ما يشبه حركة تحرر وطني ضد الاحتلال، وليست مجرد تنظيم متطرف، كما كانت في السابق.
حملت كلمة الجولاني عنوان «حرب تحرر واستقرار»، أكد خلالها أن هيئة تحرير الشام تتجه حاليًا إلى تغير جيوسياسي جديد، وفي الوقت نفسه لم يستطع الانفلات من منهجه المتطرف حتى لا يفتح الباب أمام مزيد من غضب الخصوم المنتمين للجماعات المسلحة السورية، معتبرًا أن الثورة السورية قد نجحت-رغم ما تشهده البلاد من دمار شامل- وأنهم الآن بصدد مرحلة جديدة، وهي التحرر الوطني من المحتل، إلا أنه لم يذكر من القوات الموجودة في سوريا حاليًا التي يعتبرها احتلالًا، غير الروس والإيرانيين، متغاضيًا بشكل متعمد عن ذكر تركيا والولايات المتحدة.
وقال الجولاني في كلمته: "لقد تجاوزنا فكرة إسقاط النظام، إنها الآن معركة من أجل التحرير والاستقلال عن الاحتلال الروسي والإيراني... هذا الاحتلال الروسي والإيراني يستهدف ديننا وأرضنا ومواردنا. بناءً على ذلك ، يجب أن نضع خططنا ومفاهيمنا ورؤانا لمعركة الكفاح المقبل".
وتؤكد الكلمة ما ذهب إليه المراقبون للشأن السوري حول وجود توافق أمريكي-تركي على ضرورة وجود هيئة تحرير الشام في الأراضي التي تسيطر عليها ومنحها طابع الشرعية دوليًّا، وأن هناك محاولات تركية لدمج الهيئة مع تشكيلات عسكرية أخرى موالية لأنقرة من جهة وللولايات المتحدة من جهة أخرى واستخدامها ضد المربع الروسي.
وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أكد في كلمته التي ألقاها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أواخر سبتمبر 2019 أن الولايات المتحدة الأمريكية، تسعى إلى وصف تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) بأنها ذات طابع معتدل، رغم أنها مدرجة على قائمة الإرهاب العالمي.
خلفيات الهيئة
ويعيد التحول الجيوسياسي الجديد لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا)، إلى الأذهان من جديد تحولات تنظيم القاعدة (الأم)، الذي انشقت عنه الهيئة التي تسعى للحصول على تصنيف جديد بمساعدة أمريكية في مواجهة الجانب الروسي، كما حدث قديمًا في أفغانستان مع بداية حركة الجهاد الأفغاني ضد الاتحاد السوفييتي، والتي تطورت بعد انهيار الأخير، إلى الجهاد العالمي، ومحاولة تطبيق الجهاد الأفغاني ضد الروس في مناطق أخرى من العالم رغم تحذيرات المؤرخين من الدخول في هذا المربع لأنه في النهاية كان عبارة عن لعبة سياسية بين المعسكرين الروسي والأمريكي.
خطأ تاريخي
وترتكب «هيئة تحرير الشام» خطأ تاريخيًّا متكررًا في الاعتماد على الدعم الأمريكي التركي، وقد ذكر هذا الخطأ الذي وقع فيه تنظيم القاعدة الأم من قبل المؤرخ الفرنسي المتخصص في الحركات الإسلامية جيل كيبل في كتابه (Jihad. Expansion et déclin de l'islamisme, p.54.) والذي قال فيه:"إن المجاهدين العرب أدخلوا أنفسهم في وهم كبير، عندما ادعوا أنهم هزموا السوفييت لأنهم ببساطة لم يحاربوا، لقد تم تدريبهم لكنهم لم يحاربوا وهم أيضًا لا يريدون الاعتراف أنه لولا الدعم والتدريب الأمريكي لما استطاع الأفغان إلحاق الهزيمة بالسوفييت.. هذه الكذبة للأسف أصبحت بمثابة قوة محركة للإسلامويين في جميع أنحاء العالم".