لمصالحها المشتركة مع تركيا.. أوروبا تتغاضى عن جرائم أردوغان في الشرق الأوسط
السبت 04/يناير/2020 - 01:42 م
طباعة
محمد عبد الغفار
واصلت تركيا نشاطها غير القانوني في التنقيب عن الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط، باستخدام 4 سفن تنقيب، وطائرة بدون طيار للحماية، ودعم استخباراتي ولوجستي واسع النطاق، في عقوبات أوروبية صورية، وهو ما يطرح تساؤلًا حول أسباب صمت الاتحاد الأوروبي عن تصرفات أنقرة.
تدفئة العجوز عبر أبواب العثمانلي
تلعب تركيا دورًا مهمًّا ووسيطًا أساسيًّا في تمرير الغاز الطبيعي إلى القارة العجوز، على الرغم من أنها تقبع في المركز 73 دوليًّا في إنتاج الغاز الطبيعي، ونسبة الاكتفاء الذاتي لا تزيد عن 1%، إلا أنه يمر عبر أراضيها 3% من الاستهلاك العالمي للنفط.
وتمر خطوط الغاز إلى القارة الأوروبية عبر تركيا، مثل خط «نابوكو»، والذي كان من المفروض أن يبدأ من تركمانستان إلى أوروبا قبل أن تدخل أنقرة على الخط، وتصبح المورد الرئيسي له.
وتم توقيع اتفاقية الخط، 13 يوليو 2009، بحضور رئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب أردوغان، و4 دول من الاتحاد الأوروبي ممثلين عنه، وهي: النمسا، والمجر، ورومانيا، وبلغاريا، ووصلت تكلفته إلى 7.9 مليار يورو، ويبدأ بنقل 8 مليارات متر مكعب على أن تصل إلى 32 مليار متر مكعب.
وهناك خط «تاناب»، والذي يصل ما بين أذربيجان والأسواق الأوروبية عبر تركيا وجورجيا، والذي تم توقيع عقوده ما بين الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف ونظرائه رجب طيب أردوغان وجورجي مارجفلاشفيلي، 26 يونيو 2012، في صفقة بلغت قيمتها 12 مليار دولار، ووضع حجر الأساس له في مارس 2017، وينطلق على مسافة 870 كيلومترًا من حقل شاه دينيز 2 الأذري إلى أوروبا.
وفي تصريحات صحفية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، 30 نوفمبر 2019، أكد خلاله أن الخط ينقل 16 مليار متر مكعب من الغاز الأذري إلى أوروبا سنويًّا، وأوضح أنه من المخطط رفع سعة الخط إلى 24 مليار متر مكعب في الأعوام المقبلة، ثم 31 مليار بعد ذلك.
ويبدأ خط «السيل التركي» من روسيا مارًّا بقاع البحر الأسود وصولًا إلى الأراضي التركية، ووقع الرئيس فلاديمير بوتين اتفاقية إنشاء الخط مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان في 2014.
ووفقًا لتصريحات صحفية للرئيس التركي، 30 نوفمبر 2019، خلال كلمة له في مدينة أدرنة التركية، الواقعة على الحدود اليونانية، فإن إطلاق المشروع سوف يتم في 8 يناير 2020، وهو ما أكده الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف، مشيرًا إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سوف يحضر الافتتاح.
وتبلغ قدرة خط «السيل التركي» الإجمالية نحو 31.5 مليار متر مكعب سنويًّا، مكونًا من 4 خطوط، يغذي الخط الأول تركيا، بينما باقي الخطوط إلى دول شرق وجنوب أوروبا، وتكفلت شركة غاز بروم الروسية بإنشاء القسم البحري، بينما تشاركت أنقرة وموسكو في إنشاء القسم الأرضي.
شرق المتوسط والمصالح الأمريكية - الأوروبية
أعلنت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، مارس 2010، عن وجود احتياطات هائلة من الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط، بلغ حجمها 122 تريليون قدم مكعب، وهو ما فتح الباب أمام صراع إقليمي – دولي واسع النطاق في المنطقة.
وحاولت تركيا أن تجد لنفسها موطئ قدم في هذا الكنز الاستراتيجي عبر تزييف التاريخ، وذلك عن طريق زعم وجود سيطرة لها على قبرص الجنوبية، والتي لها حق في غاز شرق المتوسط، على عكس قبرص الشمالية التركية.
وبناءً على هذه المزاعم، أرسلت تركيا 3 سفن تنقيب إلى قبرص، وهي «ياوز، وبربوس، وأوروج ريس»، بالإضافة إلى طائرة دون طيار لحمايتهم، وعلى الرغم من العقوبات المعلنة ضد أنقرة من الاتحاد الأوروبي، وكان آخرها 11 نوفمبر 2019، إلا أن ذلك لم يمنع تركيا من أنشطتها، كما أن دول القارة العجوز لم تظهر رغبة سياسية واضحة في الضغط على أنقرة.
وتختلف النظرات الدولية تجاه مياه شرق المتوسط؛ حيث تسعى واشنطن لإنشاء تجمع من حلفائها المشتركين في كنز غاز المتوسط، مثل مصر واليونان، بحيث يتم تصديره إلى أوروبا عبر أنابيب تمر من خلال أراضيهم، وهو ما يسمح بفك ارتباط القارة العجوز بالغاز الروسي، وهو ما تهدف إليه أنقرة.
ويعيد هذا إلى الأذهان «خريطة الطاقة لشرق المتوسط»، التي أعلن عنها نائب الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، والتي تهدف إلى إنشاء حلف طاقوي إقليمي جديد، يجمع عدة دول بهدف تصدير الغاز إلى أوروبا عبر تركيا واليونان، وحل أزمة جزيرة قبرص عن طريق توحيدها تحت إدارتين منفصلتين «يونانية وتركية».
لذا يتضح أن هناك عدة خطوط أنابيب غاز تمر عبر دول مختلفة إلى القارة الأوروبية عبر الأراضي التركية، كما أن دول القارة العجوزة تنظر إلى أنها يمكن أن تحصل على نصيب من كنز غاز شرق المتوسط عبر الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها.
لذا لا يرغب الاتحاد الأوروبي ولا حلف شمال الأطلسي في الدخول في خلاف قوي مع تركيا ونظام الرئيس رجب طيب أردوغان، وكلاهما ينظر إلى الغاز باعتباره بلسمًا يمكن أن يخفف من أي أزمات سياسية واقتصادية تضرب علاقتهما.