ليبيا.. التدخل العسكري التركي يفتح الباب واسعًا لصعود «داعش»
الخميس 09/يناير/2020 - 02:47 م
طباعة
د. كمال حبيب
أعلن الرئيس التركي، أن بلاده ترسل قواتها بشكل تدريجي إلى ليبيا، وأنها ستكون هناك للتنسيق والإدارة والتوجيه، وسيكون هناك ضباط أتراك؛ للقيام بذلك، وأكد وزير الخارجية التركي، أن بلاده سترسل خبراء عسكريين، وفرقًا للتقنية؛ لدعم حكومة الوفاق، ويأتي التدخل التركي في ظل رفض عربي وأوروبي ودولي، وقد أعلنت وزارة الخارجية المصرية، أن اجتماعًا تنسيقيًّا خماسيًّا سيعقد في القاهرة، يضم وزراء خارجية «فرنسا وإيطاليا وقبرص واليونان ومصر»؛ لمناقشة تطورات المشهد الليبي، بعد التدخل العسكري التركي هناك.
تشير المعلومات المؤكدة، أن تركيا استبقت إرسال قواتها النظامية إلى ليبيا، بإرسال ألف مقاتل سوري، ممن تدربوا في معسكرات تركية؛ للمشاركة في القتال إلى جانب قوات حكومة الوفاق، التي تسيطر على العاصمة طرابلس، ويسيطر حلفاؤها علي مدينة مصراته، بينما تشير المعلومات إلى سقوط مدينة سرت بالكامل في قبضة قوات الجيش الوطني الليبي الذي يقوده «خليفة حفتر»، ويسيطر على شرق ليبيا.
وتشير تلك المعلومات، التي أكدها المرصد السوري لحقوق الإنسان، إلى أن عمليات تجنيد المقاتلين في عفرين ومناطق درع الفرات، التي تسيطر عليها قوات موالية لتركيا مستمرة، وأنه مع نهاية ديسمبر، ارتفع عدد من وصلوا إلى معسكرات التدريب التركية ليبلغوا 1600 مقاتل، من فصائل السلطان مراد وسليمان شاه وفرقة المعتصم، وأضاف المرصد السوري – وهو جهة موثوقة كمصدر للمعلومات – أن تجنيد المرتزقة يعتبر جريمة وفقا للاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم، والتي صدرت قبل 30 عامًا.
وتشير المعلومات المؤكدة أيضًا، أن المقاتلين الذين أرسلهم «أردوغان» إلى ليبيا، قد وعدهم بمنحهم الجنسية التركية، إذا استمروا في القتال هناك لمدة ستة أشهر، الباحثة والناشطة في مجال حقوق الإنسان في معهد The Forum For Reginal Thinking ، «إليزابيث تسوركوف»، نشرت على حسابها على تويتر بطاقة هوية صادرة عن تركيا، منحت الجنسية للقادة الذين أرسلوا إلى ليبيا فعلًا، كما مُنحوا جوازات سفر تركية، ويشرف على إرسال قوات المرتزقة؛ للقتال في ليبيا شركة «سادات» الأمنية، والتي يشرف عليها الجنرال المتقاعد «ثائري فردي» كبير مستشاري «أردوغان»، الذي ذكر أن الشركة ترصد التهديدات التي تستهدف الدول الإسلامية، وتتصدى لتلك التهديدات، حيثما وجدت، وتقول «ميرال أكشينار»، رئيسة حزب الخير التركي، أن الشركة التي يديرها «عدنان فردي»، أقامت قاعدة عسكرية في تركيا، وتدرب عناصر مسلحة من المدنيين .
تشير المعلومات، إلى أن داعش دخل ليبيا، في سياق الصعود الهائل للتنظيم وسيطرته على أراض واسعة في العراق وسوريا في عام 2014، ثم نفذ أول عملياته هناك في نفس العام، وسيطر على النوفلية وسرت ودرنة، بيد أنه طُرد منها وخسر آخر معاقله في سرت عام 2016، وقاد التنظيم «محمود البرعصي – أبو مصعب الليبي»، الذي قتلته القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا «أفريكوم»، في سبها جنوب ليبيا، في نهاية شهر أكتوبر الماضي، وبحرمان التنظيم من وجوده على البحر المتوسط في سرت، فإنه عاد ليكون تنظيمًا صحراويًّا، والصحراء في الأساس هي المجال الحيوي لنشاط التنظيم، ويعتبر الصحراء بحره الذي يحسن المناورة فيه، عبر ما يطلق عليه إستراتيجية «سمكة الصحراء»، التي تختفي في الرمال، ثم لا تلبث أن تظهر من جديد.
ورغم أن القوات الأمريكية تتعقب التنظيم في الجنوب الليبي، بضرباتها الساحقة، التي لا تتوقف، والتي قضت تقريبًا على أغلب عناصر التنظيم، بحيث لم تعد هناك إلا أعداد قليلة منها، تقدر بنحو مائة فقط، بيد أن التدخل العسكري التركي، واعتماده صيغة قتال المرتزقة، والميليشيات في الصراع، إلى جانب احتمالات تصاعد التدخل العسكري التركي مع مرور الوقت، والمزيد من التورط في المستنقع الليبي، فإن تلك البيئة سوف تقود إلى عودة من جديد لداعش وبقوة، ومن المتوقع تقدمه من الانزواء في الصحراء جنوبًا؛ لاستعادة المناطق التي كان يسيطر عليها من قبل، سواءً في درنة أو سرت أو حتى في مصراتة وطرابلس ذاتها، فالتنظيم لديه خلاياه النائمة في درنة، والتي عاد نشاطه إليها، كما أنه لا يزال يمثل خطرًا كبيرًا، رغم الضربات الأمريكية، فقد عاد في ديسمبر، ببث فيديو لوكالة أعماق، يذبح فيه مواطنين ليبيين بطريقة وحشية، بعد استيلائه على بلدة «الفقها»، بجنوب ليبيا وبدا من الفيديو الإمكانيات اللوجستية الكبيرة، التي يملكها التنظيم .
لماذا الصعود؟
أولًا: تمثل بيئة عدم الاستقرار والمواجهات العسكرية، غير الحاسمة، البيئة المناسبة؛ لمنح التظيم مزيد من الأوكسجين للتنفس، فهو يعمل بقوة في البيئات التي تتصاعد فيها الحروب، ويغيب الاستقرار، وتعم الفوضى.
ثانيًا: الانخراط في الصراع العسكري بين القوى المتقاتلة، يخفف الضغوط على التنظيم، ويمنحه الفرصة؛ لإعادة تنظيم صفوفه، كما يمنحه الفرصة الذهبية لمزيد من التجنيد للعناصر، الذي يعوض به ما خسره، جراء الضربات التي تم توجيهها إليه .
ثالثًا: لا يزال التنظيم يملك القدرات على الترابط بين أعضائه في المناطق المختلفة، وقد سبق أن فر إلى ليبيا عديد من عناصره، بعد هزيمته في العراق وسوريا، كما أن ليبيا بموقعها الجغرافي وحدودها المفتوحة على بحيرة تشاد، ومنطقة الساحل والصحراء، سوف يمنح التنظيم فرصة التواصل مع المنتمين إليه في تلك المنطقة، وربما تغريهم ليبيا في حالة الصراع العسكري الجديدة، باتخاذها قاعدةً وملاذًا آمنًا لهم.
رابعًا: لا يزال التنظيم يملك من القدرات المالية والإعلامية الكثير، ومن ثم فإن ما يجري في ليبيا مع التدخل العسكري التركي هناك، سوف يفتح الباب واسعًا لجذب المزيد من الأنصار في أفريقيا والعالم، خاصةً وأنه يعتبر أن القارة السمراء هي مجال حيوي، يعوضه عن خسارته الكبيرة في الشام .
خامسًا: الميليشيات التي تم نقلها إلى ليبيا من قبل تركيا، يمكن أن تغير ولاءاتها مع المتغيرات الجديدة، التي ستواجهها في الظروف الجديدة، ومن المحتمل أن يتحول ذلك الولاء ناحية تنظيم داعش، فخطوط ولاء القوى المدنية والمرتزقة، يمكن تحولها وانتقالها، إما لأسباب أيديولوجية، أو أسباب متعلقة بالطمع في مزيد من المزايا المادية.