«حل مشكلة كبيرة باختلاق أزمة أكبر».. سياسة أردوغان الساذجة في تناول الملف الليبي
السبت 11/يناير/2020 - 12:48 م
طباعة
شيماء حفظي
«من أجل أن تحل أزمة كبيرة.. اصنع أزمة أكبر»، شعار يرفعه أردوغان بإرسال قوات إلى ليبيا، من أجل حل الأزمة الليبية من وجهة نظره؛ لكنها تخلق منعطفًا جديدًا في الحرب التي قاربت على وضع أوزارها بانتصار ساحق للجيش الوطني الليبي على ميليشيات الوفاق المدعومة من انقرة.
وكان أردوغان قد وقع ما أسماه مذكرتي تفاهم في المجال الأمني والبحري مع فايز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني الإخوانية، فيما أعلن أردوغان بدء نشر جنود أتراك في ليبيا، استنادًا إلى الضوء الأخضر، الذي حصل عليه من البرلمان التركي.
وأجاز النواب الأتراك (بأغلبية لأعضاء حزب العدالة والتنمية) لأردوغان إرسال جنود إلى ليبيا دعما لحكومة الوفاق الوطني، في مواجهة قوات المشير خليفة حفتر المدعوم من الإمارات ومصر.
انتزاع «غير قانوني» لسلطة إقليمية
يرى تقرير لمجلة فورين بوليسي، نشر في نهاية ديسمبر 2019 أن النهج التركي المزدوج تجاه ليبيا هو استجابة لعزلتها الدبلوماسية المتنامية في المنطقة؛ حيث علاقة تراجعت تركيا مع الولايات المتحدة بسبب توغلها في شمال سوريا كما أنها مازالت على خلاف مع دول الخليج.
وتشير المجلة، إلى أن تحركات تركيا، تنطلق أيضًا من منعطف اقتصادي، وتتقاتل من أجل النفوذ حول البحر الأحمر، فيما تشهد مجموعة من الدول مثل إسرائيل واليونان وقبرص ومصر تعاونًا لاستغلال طاقة المنطقة تاركة تركيا في الجانب الآخر.
من وجهة نظر أنقرة، من المحتمل أن يوفر الاتفاقان مع ليبيا طريقة لتشكيل مستقبل المنطقة لصالحها - أو على الأقل منع ما تعتبره الارتفاع غير المقبول في نفوذ منافسين مثل روسيا ومصر في البحر الأبيض المتوسط.
يضع تقرير فورين بوليسي الموقع الجغرافي لتركيا محله من المسببين، فالعلاقة بين الدعم العسكري لليبيا والموقع الجغرافي السياسي لتركيا في المنطقة؛ حيث إن الاتفاق مع ليبيا، يمكنها من المطالبة بجزء ضخم من شرق البحر المتوسط - وهي منطقة تضم خزانات كبيرة من الغاز الطبيعي تتسابق مصر وإسرائيل وقبرص وحتى لبنان لاستغلالها.
منذ عدة سنوات، تصدت تركيا للجهود التي تبذلها قبرص لاستغلال اكتشافات الغاز عن طريق مضايقة سفن الحفر العاملة هناك مع السفن البحرية التركية وإرسال سفن الحفر الخاصة بها إلى المياه القبرصية، وهو ما أعاد للسطح الخلافات التاريخية بين قبرص واليونان وتركيا حول الحدود.
تلك الأبعاد، تفسر إصرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أنه لن يتراجع عن صفقاته الليبية الجديدة، على الرغم من احتجاجات الدول الأخرى.
وبحسب تقرير المجلة، يقول خبراء قانونيون: إن المشكلة هي أن اتفاقية الحدود البحرية مع ليبيا تتعارض مع القانون الدولي ومن غير المرجح أن تتم مراقبتها من قبل أي من الدول الأخرى في المنطقة.
وقال يونس إمري أسيكونول، وهو دبلوماسي تركي سابق وخبير في قانون الحدود البحرية: «لا يتماشى الادعاء التركي مع مبادئ القانون الدولي المعمول بها»، وإن مزاعم الحكومة التركية بأن هذا النهج القانوني المبتكر يمنحهم مساحة واسعة من المياه لا يصمد أمام التدقيق.
على وجه الخصوص الاتفاق الثنائي الذي ينتهك حقوق الدول الأخرى - في هذه الحالة، ويكتب بشكل أساسي شبه جزيرة كريت من الخريطة - يتعارض مع القانون الدولي، بحسب الخبير.
مطامع أردوغان في غاز المتوسط
تعتبر خطط تصدير غاز شرق المتوسط لأوروبا وفقًا للاتفاقات بين مصر وقبرص واليونان وإسرائيل وخط «إيست ميد» غير مرضية لتركيا، التي تلعب بالفعل دور المركز الإقليمي للطاقة في أوروبا، من خلال موقعها بين الدول المصدر للغاز في آسيا والسوق الأوروبي.
وتمتلك تركيا شبكة واسعة من خطوط أنابيب الغاز الطبيعي، مثل الخط الدولي الذي يربطها بروسيا عبر بلغاريا ورومانيا وأوكرانيا، والخط الأزرق الذي يربط روسيا بتركيا مباشرة عبر البحر الأسود.
ومع موقعها الجغرافي بين الدول المنتجة للغاز وبين الدول المستهلكة له، وامتلاكها لخطوط غاز قائمة بالفعل، ترى تركيا أنها في وضع مثالي يمكنها الاستفادة من طفرة الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط لتعزيز مكانتها كمركز إقليمي ضخم للطاقة، لكن قبرص تمثل عائقًا كبيرًا أمام طموحات أنقرة.
ويوجد في منطقة شرق البحر المتوسط احتياطات تصل إلى نحو 223 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي ونحو 1.7 مليار برميل من الزيت الخام و6 مليارات برميل متكثفات، وفقًا لدراسات المساحة الجيولوجية الأمريكية، وهو ما أشعل المنافسة بين دول شرق المتوسط، التي ترى أن هذه الثروة ليست من النوع الذي يمكن تركه للاعب رئيسي واحد، ولذلك تسعى تركيا للحصول على حصة من تلك الاحتياطيات.
تأخذ مسألة الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط طابعًا ملحًا جديدًا من وجهة نظر أنقرة، خاصة وأن اليونان وإسرائيل وقبرص أعلنت عن اتفاق على خط أنابيب (ايست ميد) يحمل الغاز الطبيعي عبر تلك المياه المتنازع عليها، عبر جزيرة كريت، إلى اليونان وإيطاليا.
ترى أنقرة أن الاتفاق الجديد هو وسيلة لإغلاق المناطق المتنازع عليها في شرق البحر الأبيض المتوسط وربما منع البلدان الأخرى من الاستفادة من موارد المنطقة دون الاعتماد على تركيا.
مكاسب داخلية
على جانب آخر، تميل التحليلات إلى أن أردوغان، يستخدم تلك القضية من أجل دعم شعبيته التي تراجعت بشكل كبير في الداخل التركي، وهو ما ظهر في الانتخابات المحلية الأخيرة نهاية العام الماضي.
ويستخدم أردوغان وسيلة للتحايل البالية لوقف هذا الاتجاه: فهو يناشد المشاعر القومية بين السكان الأتراك، من خلال تقديمه للحكومة التركية كلاعب إقليمي قوي لكسب تأييد شريحة من الأتراك خاصة المتدينين والمحافظين، ويذكر بأن كمال مصطفى أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة قاتل في ليبيا خلال الأيام الأخيرة من الإمبراطورية العثمانية.
وبحسب ما قاله خبير للمجلة «تشير الاتفاقية أيضًا إلى أن عملية صنع القرار في تركيا بدأت تتحول إلى محور أكثر ميلًا إلى المغامرة والقومية»، لكن التقرير أشار إلى أنه سواء أكانت الحكومة التركية تصدق حقًا ادعائها القانوني المشكوك فيه أو تستخدمه فقط لأغراض سياسية، فمن المحتمل أن يكون له نتائج عكسية، وقد يعزلها عن الدول المجاورة والمنتديات الدولية.