بعد الاعتراف بالمسؤولية عنه.. حادث الطائرة الأوكرانية يكشف هشاشة «نظام الملالي»
الأحد 12/يناير/2020 - 02:19 م
طباعة
نورا بنداري
أدخل «نظام الملالي» في طهران نفسه من جديد في معركة دولية، إذ إن الضربات الصاروخية التي أطلقها لاستهداف قاعدتين عسكريتين بالعراق تستخدمها القوات الأمريكية في 8 يناير 2020؛ ردًّا على مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني في 3 يناير الجاري في غارة أمريكية ببغداد، أصابت أيضًا طائرة ركاب أوكرانية من طراز «بوينج 737»، تحطمت بعد إقلاعها من مطار الخميني الدولي؛ ما أودى بحياة 176 شخصًا كانوا على متنها.
ووفقًا لما أعلنته الخارجية الأوكرانية فإن جنسيات القتلى وأعدادهم، شملت 11 مواطنا أوكرانيًّا، و82 إيرانيًّا و63 كنديًّا، و10 سويديين، و4 أفغانيين، و3 ألمان، و3 بريطانيين، وعقب وقوع هذا الحادث؛ علقت السفارة الأوكرانية في طهران عليه، واستبعدت أن يكون ناجمًا عن هجوم إرهابي.
نفي إيراني
وفي أول رد إيراني عقب الحادث، نفت السلطات أن يكون تحطم الطائرة على أراضيها بسبب صاروخ، وسمحت طهران لخبراء أوكرانيين بمعاينة الصندوقين الأسودين للطائرة المنكوبة، وهو ما أكدته أوكرانيا، بل إن قناة «CBS» الأمريكية أكدت أن إيران قامت بتنظيف موقع سقوط الطائرة الأوكرانية قبل حضور المحققين.
وأعلنت أجهزة الاستخبارات الكندية والبريطانية وبعض الدول أن الطائرة أسقطت بالتأكيد بواسطة صاروخ إيراني عن طريق الخطأ، وذلك بالاستناد على الفيديو الذي نُشر عبر شبكة الإنترنت، ومدته عشرون ثانية، ويظهر لحظة إصابة الطائرة، موضحًا جسمًا يتحرك بشكل سريع ويرتفع في السماء قبل أن يظهر وميض ساطع ثم يخفت، ويواصل تحركه إلى الأمام، وبعد ثوانٍ سُمع دوي انفجار.
ورغم ذلك واصلت إيران النفي، وظهرت العنجهية في الرد، على لسان رئيس منظمة الطيران المدني الإيرانية «علي عابد زاده» الذي أشار إلى أن هناك أمرًا واحدًا مؤكدًا وهو أن هذه الطائرة لم تُصب بصاروخ، معلنًا أن بلاده ستحقق في القضية مع الجهات المعنية لكي تتعرف على ملابسات الحادث.
اعتراف الملالي
وبدلًا من أن تعلن الجهات الدولية التي تم استدعاؤها لمعاينة الصندوق الأسود الخاص بالطائرة، أن سقوط الطائرة كان نتيجة الصاروخ الإيراني؛ سارع مسؤولو نظام الملالي بالاعتراف والإقرار، بأن سقوط الطائرة كان نتيجة خطأ بشري، وتعهدوا بفتح تحقيق لتحديد المسؤولين، وإحالتهم إلى القضاء.
وأعلن الرئيس الإيراني «حسن روحاني» في تغريدة على موقع «تويتر» أن التحقيق الداخلي للقوات المسلحة خلص إلى أن صواريخ أطلقت عن طريق الخطأ أدت إلى تحطم الطائرة الأوكرانية، وموت 176 شخصًا، موضحًا أن التحقيقات مستمرة لتحديد المسؤولين، وإحالتهم إلى القضاء.
التبرير
وخوفًا من العقوبات التي ستُفرض على طهران بسبب هذا الخطأ، عمل المسؤولون الإيرانيون على تبرير تلك الكارثة بالقول إن هذا الخطأ وقع بسبب ما أسمته طهران بحالة الحرب مع واشنطن، إذ أوضح بيان لقيادة القوات المسلحة الإيرانية في 10 يناير 2020 أن البوينج الأوكرانية اعتُبرت طائرة معادية، وأصيبت في وقت كانت تهديدات العدو عند أعلى مستوى، وأضاف وزير الخارجية الإيراني «محمد جواد ظريف» في تغريدة له على «تويتر» أن خطأ بشريًّا في فترة الأزمة التي تسببت بها نزعة المغامرة الأمريكية أدى إلى هذه الكارثة.
بيد أن «أمير علي حاجي زادة» قائد القوة الجوفضائية في الحرس الثوري الإيراني أعلن في مؤتمر صحفي السبت 11 يناير 2020؛ تحمل الحرس المسؤولية كاملة عن إسقاط الطائرة الأوكرانية، موضحًا أن الصاروخ الذي أطلق باتجاهها انفجر قرب الطائرة.
وأشار «زادة» إلى أن الولايات المتحدة هددت بضرب 52 هدفًا في إيران، لذلك كانت جميع الوحدات الهجومية والدفاعية في حالة تأهب، وكان النظام الدفاعي يعمل تحت نفس الظروف، وأنه في تلك الليلة كانت البلاد في حالة حرب، وفي مثل هذه الظروف واجه النظام الدفاعي هدفًا على بعد 19 کیلومترًا، وأخطأ ظنًّا أن الطائرة الأوكرانية صاروخ كروز.
عجز ايراني
وبات التساؤل المطروح، ما الذي ينتظر إيران بعد الاعتراف بالحادث؟ خاصة بعدما أعلن الرئيس الأوكراني «فلاديمير زيلينسكي» وفقًا لما نشرته قناة «روسيا اليوم»؛ أن بلاده تنتظر اعتذارًا رسميًّا من إيران عبر القنوات الدبلوماسية، وتعويضات عن إسقاط الطائرة، ومقاضاة المسؤولين عن هذا الحادث، ولذلك أوضح «أسامة الهتمي» الكاتب الصحفي المختص في الشأن الإيراني أن الاعتراف بالمسؤولية عن إسقاط الطائرة الأوكرانية عكس حالة العجز عن قدرة إيران بالاستمرار في إخفاء الحقيقة وسط إصرار دولي على كشف الحقيقة، وتأكيد العديد من المعلومات المخابراتية بأن الطائرة سقطت نتيجة إصابته بصاروخ.
ولفت «الهتيمي» في تصريح لـه، إلى أن إيران الآن في وضع لا تُحسد عليه، إذ جاءت هذه الحادثة بمثابة نكبة شديدة ستدفع طهران بكل تأكيد إلى أن توجه كل طاقاتها الدبلوماسية إلى محاولة التقليل من تداعياتها الدولية.
وأشار إلى أن تداعيات حادث إسقاط الطائرة قد تكون سياسية وقانونية ومالية أيضًا، فعلى المستوى السياسي لن تتوانى واشنطن وحلفاؤها في استغلال هذه الحادثة كورقة ضغط على إيران؛ حيث ستتجاهل واشنطن حديث إيران عن أن الضربة جاءت عن طريق الخطأ، ومن ثم ستعمل على الترويج أن إيران دولة إرهابية لا تتردد في توجيه صواريخها إلى طائرة مدنية، رغم أنه بالضرورة لدى وزارة الطيران المدني الإيراني إحداثيات عن حركة الطائرة الأوكرانية.
وبين أنه على المستوى القانوني فإن كلا من أوكرانيا، فضلًا عن الدول الأخرى التي يحمل الضحايا جنسياتها سيشددون على مواصلة التحقيق لكشف ملابسات الحادث، ومن ثم التأكيد على تقديم المسؤولين عن إطلاق الصاروخ إلى المحاكمة، ومحاسبتهم على ما اقترفوه، وهو المسار الذي من المؤكد أنه سيودي بالعديد من القيادات الإيرانية إلى السجون.
أما بخصوص التعويضات المالية أوضح «الهتيمي» أن منظمة الطيران المدني الدولية والمؤسسات الدولية سترغم إيران إلى دفع تعويضات مالية تقدر بعشرات الملايين من الدولارات لأهالي الضحايا سواء الإيرانيين أو غيرهم من الجنسيات الأخرى، فيما سيكون منع الطيران فوق الأجواء الإيرانية ولو لفترة قصيرة أثره السلبي، إذ ستُحرم إيران من ملايين الدولارات أيضًا.
وشدد الكاتب المختص في الشأن الإيراني على أن الحادث وضع إيران في موقف لا تُحسد عليه، فهي من ناحية أظهرت كذب المسؤولين الذين ما فتئوا ومنذ اللحظة الأولى يصرون على فرضية غير منطقية لسقوط الطائرة، مصرين على أن لديهم الأدلة على صدق ما يقولون به، فيما كشفت حجم التباين ما بين ما تصدره إيران عن نفسها وقدراتها العسكرية والأمنية في الوقت الذي تقع في خطأ جسيم كهذا الأمر، الذي يؤكد عدم وجود تنسيق جيد بين المؤسسات العسكرية والمدنية في البلاد، حتى لو كان ذلك نتيجة التوتر الذي أصيبت به إيران في هذا الوقت.