«أردوغان» يتملق نظام الملالى.. ومعارض تركي يكشف علاقة المصالح
الأحد 12/يناير/2020 - 02:21 م
طباعة
محمود البتاكوشي
«أدرك مدى حزن الشعب الإيراني، وحزنكم، وحزن المرشد»، كلمات علق بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حسب المنشور الخاص بالسفارة الإيرانية في أنقرة على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد أجرى أردوغان اتصالًا هاتفيًّا بالرئيس الإيراني حسن روحاني عقب الهجوم مباشرة، وكان من اللافت وصفه لقاسم سليماني بـ«الشهيد»، كما أعرب عن بالغ حزنه لفقدان سليماني.
خلال اللقاء الذي جمع بين رئيس الوزراء اليوناني كرياكوس ميتسوتاكيس والرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض، قال أحد الصحفيين موجهًا حديثه لترامب: «لقد قلتم عن سليماني إنه: وحش، ولكن صديقكم وصفه بالشهيد»؛ ليرد ترامب: «هناك رأي عام يضطر إلى مراعاته، ولكنني فوجئت».
وصْف سليماني بـ«الشهيد» لم يقتصر على أردوغان فقط، وإنما جاء في تصريح مشابه له من رئيس حزب الوطن اليساري، دوغو برينجك، المعروف بأنه إحدى الأذرع المهمة في الدولة العميقة داخل تركيا.
في 5 يناير 2020، قال برينجك: «إن مقتل صديقنا العزيز سليماني من قبل الولايات المتحدة الأمريكية هو ضرب الحديد بالحديد، إن شهيدنا قاسم سليماني، هو في الوقت نفسه شهيد الإنسانية، وشهيد آسيا الغربية، وشهيد إيران».
وبحسب المعارض التركي تورغوت أوغلو، فإن محاولات إيران لخلق نفوذ لها في تركيا، شهدت تصارعًا كبيرًا بعد ثورة الخميني 1979، حتى إنه ظهر أن أغلب الجرائم مجهولة الفاعل التي شهدتها تركيا في تسعينيات القرن العشرين، كان وراءها فيلق القدس الذي يتزعمه قاسم سليماني.
وقد تم إثبات أنشطة فيلق القدس في تركيا، بالوثائق، من خلال العمليات الأمنية والقضائية التي أجريت في الفترة بين 1999-2000.
امتداد ذراع هذا التنظيم في تركيا كان تحت اسم مشابه، وهو «منظمة جيش السلام والتوحيد والقدس». خلال هذه العمليات الأمنية، تم ضبط كميات كبيرة من السلاح والمواد المتفجرة. وتم كشف الأسماء الأنشطة التابعة له داخل تركيا؛ إلا أن الجرائم التي ارتكبها التنظيم، وسجلت مجهولة الفاعل، تم رفعها إلى الأرفف بموجب التعاون بين حزب العدالة والتنمية وتنظيم أرجنكون.
على سبيل المثال؛ خلال الحملات الانتخابية استعدادًا لانتخابات المحليات في 30 مارس 2014، قال رئيس الوزراء في ذلك الوقت رجب طيب أردوغان، في 11 من الشهر نفسه، بمدينة بتليس: «لقد تنصت الشرطة على ولاة المدن، والحراس، والموظفين، ورؤساء المدن من أحزاب العدالة والتنمية والشعب الجمهوري والحركة القومية، والبيروقراطيين في الدولة».
وزعموا أن هناك تنظيمًا يحمل اسم تنظيم السلام والتوحيد؛ لقد استمعوا لنحو 3 آلاف شخص لمدة ثلاث سنوات...»، وأبدى ردود فعل حادة على القضايا الخاصة بهذا التنظيم، وقد أعلن أردوغان أرقامًا مضخمة حول تنصتات الشرطة القانونية من أجل تمييع القضية.
حملات إيران للسيطرة على تركيا عبر جهاز الاستخبارات التركي، انكشفت للعيان بشكل واضح، من خلال المستندات التي سربها العميل السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية إدوارد سنودن في عام 2013. حسب الوثائق المنشورة في مجلة «دير شبيجيل» الألمانية، فقد تبين وجود علاقة لحكومة حزب العدالة والتنمية بإيران، ضمن التحقيقات المتعلقة بتنظيم السلام والتوحيد.
وثيقة أخرى بتاريخ 15 أبريل 2013، كانت تحمل ختم «سري للغاية»، تناولت العلاقات بين وكالة الأمن القومي الأمريكية (NSA) وجهاز الاستخبارات التركية (MİT).
الوثيقة سلطت الضوء على علاقة رئيس جهاز الاستخبارات التركية هاكان فيدان بإيران؛ مشيرة إلى أن هذا الأمر يسبب إزعاجًا كبيرًا للإدارة الأمريكية.
وفي السياق نفسه، نشرت وسائل إعلام أمريكية فيما بعد أخبارًا ومقالاتٍ وكتاباتٍ عديدة في هذا الشأن، الأمر الذي دفع أردوغان ليقول: «لن أضحي بهاكان فيدان»، الذي يصفه بـ«جعبة أسراري».
وكانت الشرطة التركية تنصتت على مكالمات شخص يدعى «أمين» ضمن القضايا الخاصة بتنظيم السلام والتوحيد، بشبهة أنه عميل لإيران، ثم تبين أنه الاسم المستعار أو الحركي لهاكان فيدان؛ إلا أن أردوغان وصف هذه القضية بأنها مؤامرة من حركة الخدمة وملهمها الأستاذ فتح الله كولن.
وفي 7 يناير الجاري، شارك رئيس تحرير قناة «Küdüs TV» التركية الموالية لإيران، نور الدين شيرين، في برنامج على قناة «TV5» المقربة من حزب السعادة الإسلامي في تركيا، وكشف الستار عن علاقة نظام أردوغان بقاسم سليماني بشكل واضح وصريح.
شيرين خلال حواره التلفزيوني أوضح أن سليماني عمل أكثر من الجميع، من أجل إفشال محاولة انقلاب 15 يوليو 2016، قائلًا: «ماذا فعل سليماني، المولود في مدينة كرمان؟ لقد قال: لن تصلوا إلى هدفكم هذا في تركيا، طالما لم تدهسوا صدري».
موقع «The Intercept» المعروف بنشره التسريبات والوثائق السرية الخاصة بالحكومات، نشر وثائق جديدة خلال الأيام الأخيرة، تظهر تشبيه قاسم سليماني نفسه بأحمد داوود أوغلو، الذي شغل منصبي وزير الخارجية ورئيس الوزراء، وكذلك هاكان فيدان، الذي يشغل منصب رئيس جهاز الاستخبارات.
الموقع أوضح أنه حصل على معلومات سرية للغاية من داخل إيران من تقارير استخباراتية سرية مكونة من 700 صفحة، ثم يقدم الصورة التي كان يظهر بها سليماني داخل الاستخبارات الإيرانية.
الجزء الأكثر إثارة للجدل، هو الخاص بكل من أحمد داود أوغلو وهاكان فيدان؛ إذ يرد في أحد التقارير الاستخباراتية التي نشرها الموقع المذكور: «هناك صداقة قوية بين سليمان وداوود أوغلو؛ فقد كان سليماني يعقد مقارنات بين دوره في السياسات الخارجية الإيرانية ودور داود أوغلو في السياسات الخارجية التركية».
وكشف أن قاسم سليماني بدأ يرى نفسه في وقت لاحق «رئيسًا للاستخبارات ومسؤولًا عسكريًّا يمكن مقارنته بهاكان فيدان» أكثر من داود أوغلو، وذلك اعتبارًا من عام 2014؛ حيث زاد دور إيران في مكافحة تنظيم داعش في كل من سوريا والعراق.
قاسم سليماني الذي شكل شبكة علاقات سرية وعميقة في كل دول الشرق الأوسط تقريبًا، من ليبيا إلى سوريا، ومن لبنان إلى العراق، لا تزال علاقته بتركيا تخيم عليها الضبابية حتى الآن، بسبب الضغط الذي يمارسه أردوغان داخليًّا؛ ولكن هذه المستندات موجودة في أرشيفات وسجلات الدولة التركية. وسيأتي اليوم الذي تظهر فيه الجرائم التي نفذها سليماني في تركيا أيضًا؛ إضافة إلى علاقاتها في الداخل التركي؛ حيث إنه يعتبر أكثر الأسماء دموية في الشرق الأوسط.