معوقات محاربة الإرهاب في دول الساحل والصحراء الأفريقية
الأحد 26/يناير/2020 - 01:47 م
طباعة
محمد يسري
باتت قارة أفريقيا من أنشط البؤر التي تُعاني من الإرهاب في العالم حاليًّا، وتُعد منطقة دول الساحل والصحراء الكبرى مسرحًا كبيرًا للجماعات المسلحة التي تؤرق العالم، الأمر الذي استدعى تأسيس قوة عسكرية دولية مشتركة لمواجهة هذه الجماعات، التي يزداد نشاطها يومًا بعد يوم.
وقد أعلنت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي خلال زيارتها إلى العاصمة المالية باماكو في 21 من يناير 2020 أنّ مثلث الحدود بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر سيشهد قريبًا عمليات عسكرية جديدة ضدّ الجماعات الإرهابية، على خلفية تزايد نشاطات هذه الجماعات ضد قوات التحالف.
ويؤكد ذلك أنه مازال هناك الكثير من المعوقات التي تقف حائلًا ضد الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب في أفريقيا.
ضحايا الإرهاب
رصد تقرير أعدته المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا وقوع 2200 هجوم خلال الأعوام الأربعة الأخيرة، أسفرت هذه الهجمات عن وقوع 11 ألفًا و500 قتيل وآلاف الجرحى وملايين النازحين إضافة إلى وقوع خسائر اقتصادية ضخمة لهذه الدول.
عُرض هذا التقرير في قمة المجموعة الاقتصادية في سبتمبر 2019 بحضور رؤساء ورؤساء حكومات الدول الأعضاء، ووضع روش مارك كريستيان رئيس بوركينا يده على أهم المعوقات التي تواجه مكافحة الإرهاب في إفريقيا مؤكدًا: «أن أخطار الإرهاب باتت عابرة للحدود».
طبيعة الحدود
تتفق كل الجماعات الإرهابية على هدف واحد، وهو إقامة ما يسمونه «دولة الخلافة العابرة للحدود»- بحسب مفهوم التنظيمات الإرهابية على اختلافها، وتسعى لتحقيق ذلك في مناطق الاضطرابات التي تخلق داخلها ما يمكن أن يُطلق عليه مصطلح «أراض بلا صاحب»، والتي تعد ملعبًا خصبًا لممارسة أنشطتها، إلا أن منطقة الصحراء الكبرى والساحل الإفريقي لها خصوصية فريدة إذ تقف بعض العوامل السياسية والحدودية على رأس التحديات التي تواجه جهود مكافحة هذه الجماعات، فالجماعات الإرهابية تمرح بين الحدود في هذه الدول تحت غطاء قانوني يسمح بحرية حركة الأفراد والتنقل بينها دون قيود أو رقابة طبقًا لعدد من الاتفاقيات الدولية بين هذه الدول خاصة مثلث مالي وبوركينافاسو والنيجر، وأعضاء منظمة إيكواس (وهي منظمة اقتصادية تأسست عام 1975) وتضم حاليا 14 دولة إفريقية وهي: بنين، وبوركينا فاسو، والرأس الأخضر، وساحل العاج، وغامبيا، وغانا، وغينيا بيساو، وليبيريا، ومالي، والنيجر، ونيجيريا، والسنغال، وسيراليون، وتوجو.
وكشف هذه المشكلة مبكرًا، إبراهيم كانتي المدرس في جامعة باموكو في مالي، خلال ندوة بمركز المستقبل للأبحاث المتقدمة، وأكد أن سهولة الحصول على إذن سفر وجنسية إحدى الدول الـ15 بمنظمة إيكواس، سهلت حركة المجموعات المتطرفة، والتي بدأت بالأساس في الجزائر مطلع التسعينيات من القرن الماضي، ثم انتقلت لكل من السودان وأفغانستان، لتعود مجددًا إلى حيث المنشأ، في جنوب الجزائر ولتتوغل في منطقة الساحل والصحراء التي أضحت من أكبر البؤر المفرغة للجماعات الإرهابية في أفريقيا.
جذور الجماعات الإرهابية خارج القارة
ولا تعمل الجماعات الإرهابية في أفريقيا في جزر منعزلة عن مراكزها الأصلية خارج القارة، خاصة تنظيم القاعدة الذي يهيمن على أغلبها، رغم أنها الآن تشكل بؤرًا لا مركزية، تظهر وكأنها منفصلة تمامًا عن التنظيم الأم، إلا أن عددًا من العمليات الإرهابية تكشف أن هذه الكيانات تتلقى تعليماتها مباشرة من الخارج فعلى سبيل المثال في مطلع عام 2019 نفذت ما تسمى «كتيبة الشهيد صالح النبهاني»، التابعة لتنظيم القاعدة الإرهابي، الهجوم، الذي أسفر عن سقوط أكثر من 50 قتيلًا، وعشرات المصابين في مجمع «ريفر سايد درايف» في العاصمة الكينية نيروبي، الذي يرتاده الأجانب.
وأكدت الكتيبة، في بيان لها، أن العملية جاءت استجابة لتعليمات أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة، وبين الحين والحين تنطلق عمليات لجماعات أخرى تحمل العنوان نفسه الذي أطلقه أيمن الظواهري، وكان آخرها العملية التي استهدفت القوات الأمريكية في خليج ماندا الكيني في الخامس من يناير الجاري.
شبكة عنكبوتية
وتمثل هذه الجماعات شبكة عنكبوتية ذات علاقات فكرية وتنظيمية متشابكة تضم إليها الجماعات الإرهابية في القارة، إذ تعتبر«القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»؛ امتدادًا للجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية، والتي أعلنت انضمامها لتنظيم القاعدة عام 2006، كما تتوالد هذه الكيانات من بعضها البعض، مثلًا وكتيبة «المرابطون» التي نشأت عام 2013 من اندماج جماعة «الموقعون بالدم. بزعامة مختار بلمختار»، مع «حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا».
الاستغلال السياسي
وتشكل هذه الجماعات أهم المغريات لدى الدول ذات الأطماع التوسعية في أفريقيا، مثل إيران وتركيا، وتستخدمها بشكل كبير في تنفيذ أجنداتها والاستفادة منها، وقد كشف تقرير أممي في أكتوبر 2018، العلاقات المشبوهة بين إيران وحركة الشباب الصومالية، وأكد أن هذه العلاقات ضمت عمليات تجارية مُزيفة، باستخدام شعار «صُنع في إيران» لتمرير مساعدات للحركة مقابل الحصول على اليورانيوم الذي استولت عليه الحركة لدعم برنامج إيران النووي».