تداعيات انسحاب القوات الأمريكية من غرب أفريقيا
الأحد 26/يناير/2020 - 01:48 م
طباعة
أحمد عادل
في ديسمبر عام 2019، قررت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، خفض الوجود العسكري في منطقة غرب أفريقيا، ومع الوقت ستسحب جميع القوات في الوقت الذي تشهد المنطقة زيادة في نشاط الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم داعش بقيادة جماعة بوكو حرام، وكذلك عددًا من الجماعات الموالية لتنظيم القاعدة.
وبحسب بيان البنتاجون، فإن انسحاب القوات الأمريكية من غرب أفريقيا خطوة أولى ضمن خطة إعادة نشر الآلاف من القوات الأمريكية في أنحاء أخرى من العالم، مشيرًة إلى أن الأولوية حاليًّا ليست مواجهة الإرهاب بل التفرغ لمواجهة نفوذ الصين وروسيا.
ويحذر المعارضون الأمريكيون من أن الانسحاب من غرب أفريقيا يفتح الطريق أمام الصين وروسيا، للوجود بصورة كبيرة، كما هو الحال لدى التنظيمات الإرهابية؛ حيث أصبح هناك صراع دائم مع ثنائي الشر في المنطقة «داعش – القاعدة»، ففي سنة 2019، سجّلت الجماعات المتطرفة في أفريقيا نشاطًا قياسيًّا أسفر عن مقتل ما يقرب من 10400 شخص ما بين مدني وعسكري، وأكد مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية في تقرير جديد أنّ النشاط المسجل تضاعف منذ سنة 2013.
المصالح الأمريكية:
وجه الجمهوريون والديمقراطيون تحذيرًا شديد اللهجة إلى إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من تقليص الوجود العسكري الأمريكي في أفريقيا، مشيرين إلى أن هذه الخطوة ستسلّم القارة السمراء إلى الصين وروسيا، وهو ما يتخلف مع استراتيجية الأمن القومي التي تعتمدها الولايات المتحدة، مع أفريقيا.
من جانبه، يرى السيناتور الجمهوري من أوكلاهوما، جيم اينهوف، (رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ)، أن البلدان في أفريقيا ساحة لمعركة مهمة تخوضها لتحقيق طموحها العالمي وتحدي المصالح الأمريكية.
ووجه السيناتور الجمهوري، ليندسي غراهام، وعضو مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي، كريس كونس، رسالة خاصة إلى وزير الدفاع مارك إسبر، قائلين: إن قرار الانسحاب سيؤدي إلى تصاعد هجمات المتطرفين العنيفة داخل القارة وخارجها.
الوجود الروسي
وفي 18 أبريل 2019، حضر السفير الروسي في مالي أليكسي دوليان، اجتماعًا في العاصمة المالية باماكو لحزب مجموعة الوطنيين الماليين، وهو حزب سياسي مؤيد بشكل صريح لروسيا، كما تشهد باماكو مظاهرات وحملات شعبية لتوقيع عرائض مطالبة بالتدخل الروسي.
ويبدو أن التوجه نحو روسيا انتقل إلى المستوى الرسمي في دول الساحل؛ حيث وقّعت باماكو اتفاقًا للتعاون العسكري مع روسيا في يونيو 2019، وفي المقابل، تحاول روسيا جاهدة تقديم بديل متوازن لإبراز قدرتها في مجال محاربة الإرهاب، والملاحظ أن موسكو نجحت مؤخرًا في إنشاء محور نفوذ أفريقي يربط بين ساحلي المحيط الأطلسي والبحر الأحمر عبر جمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية أفريقيا الوسطى والسودان.
الوجود الصيني
في فبراير 2019، قدمت الصين مساعدات عسكرية بقيمة 5.4 مليون دولار لدعم نيجيريا ضد جماعة بوكو حرام الإرهابية، والمتمركزة في منطقة بحيرة تشاد.
وفي سبتمبر 2018، وقعت مذكرة تفاهم بين السفير الصيني ووزير الدفاع النيجيري منصور محمد علي، وأعاد السفير الصيني إلى الأذهان أن الرئيس النيجيري، محمد بخاري، كان قد شارك في قمة منتدى التعاون الصيني الأفريقي التي عقدت في بكين، وأنه أجرى مباحثات مع الرئيس الصيني، شى جين بينج، بشأن العديد من مجالات التعاون؛ خاصة المجال العسكري، وأن الصين تعهدت مبدئيًّا حينئذ بدعم الجيش النيجيري.
وفي أكتوبر 2018، لفت وزير الدفاع الوطني الصيني وي فنغ خه، بأهمية تعزيز العلاقات والتعاون على المستوى العسكري مع كمبوديا ونيجيريا، وأن القوات المسلحة الصينية مستعدة للتعاون مع نظيرتها النيجيرية؛ لتنفيذ توافق الآراء الذي توصل إليه قادة البلدين، وتوسيع التعاون العملي، وتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، ورحب وقتها بمشاركة بلاده في مبادرة الحزام والطريق (هي مبادرة صينية قامت على أنقاض طريق الحرير في القرن 19 من أجل ربط بكين بالعالم أجمع)، مؤكدًا أن الجهود التي بذلها القادة الصينيون والنيجيريون أدت إلى تقدم كبير في العلاقات بين القوات المسلحة للدولتين.
وفي مارس 2016، صرح السفير الصيني لدى نيجيريا قو شياو جيه، بأن حكومة بكين مستعدة لمساعدة القوات المسلحة النيجيرية، والتعاون في عمليات مكافحة الإرهاب ضد جماعة بوكو حرام في شمال شرق البلاد، معربًا خلال لقائه مع رئيس أركان الدفاع النيجيري الجنرال جابرييل أونيسكين، عن ثقة الحكومة في قدرة قوات الجيش النيجيري في مكافحة الإرهاب؛ لاستعادة السلام والأمن في المناطق المضطربة في دولتها.
الوجود الأمريكي
وتحضر الولايات المتحدة الأمريكية في تحالف قوات الساحل الأفريقي المعروفة بـ«G5»، والذي تم تكوينه عام 2015، ويضم «موريتانيا، ومالي، وتشاد، والنيجر، وبوركينافاسو»، ويبلغ عدد القوات الموجودة في التحالف 5000 عسكري، ويقودهم الجنرال الموريتاني، حننا ولد سيدي، وتدعمها قوات فرنسية وأخرى أمريكية، وذلك للقضاء على الإرهابيين الذين يشكلون خطرًا في تلك المنطقة، وتقدر بنحو ألفي جندي، ومهمتها هي القيام بتدريب ومساعدة قوات الأمن المحلية في دول المنطقة في مجال مكافحة الإرهاب ونشاطات الجماعات المتطرفة مثل بوكو حرام، وفروع تنظيمي القاعدة وداعش.
وأولت الولايات المتحدة اهتمامًا بمنطقة الساحل الأفريقي، وذلك عقب هجمات 11 سبتمبر 2001، في إطار حربها على الإرهاب؛ خصوصًا بعد الإعلان عن تأسيس ما سمّي بـ(تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي) بدءًا من سنة 2007، وفي فبراير 2007 أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن عن إنشاء قيادة عسكرية جديدة تخص القارة الأفريقية تحت اسم «أفريكوم» AFRICOM، وهي القوات التي مارست مهامها رسميًّا في أول أكتوبر 2008.
وتفاعلت الولايات المتحدة بشكل رسمي مع الأحداث الجارية في منطقة الساحل والصحراء، عندما تم الكشف عن هجوم إرهابي في 4 أكتوبر 2018، أدى إلى مصرع 4 جنود أمريكيين، ومؤخرًا قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإعادة هيكلة الوجود العسكري الأمريكي، ليمتلك زمام المبادرة في التدخل بالمناطق الملتهبة، دون الاعتماد على بعض القوى الإقليمية والدولية، أي أن واشنطن انتقلت من سياسة التدخل بالوكالة إلى التدخل المباشر.