مستقبل الميليشيات الإيرانية في سوريا.. «طهران» تستعد لشيء غامض
الأحد 26/يناير/2020 - 07:26 م
طباعة
محمد يسري
لا يمكن قراءة مستقبل الميليشيات الإيرانية في سوريا بعد مقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس مطلع العام الجاري، بمعزل عن الأحداث التي وقعت خلال عام 2019، والتصعيد المتكرر ضد الوجود الإيراني في البلاد، سواء من ناحية الولايات المتحدة الأمريكية أو استهداف مراكز القوى والمواقع المؤثرة لهذه الميليشيات، إضافة إلى الظروف الدولية والعلاقات السياسية المتباينة مع الولايات المتحدة التي اتسمت بالخطاب شديد اللهجة بشكل أكثر حدة من الأعوام السابقة.
فبعد أن أعادت إيران هيكلة توزيع أذرعها المسلحة في سوريا على خلفية انحسار خطر تنظيم «داعش»، سواء في الجنوب السوري أو الشمال الشرقي، تعرضت لفتح جبهة جديدة من الصراع، إذا تعرضت مواقعها في سوريا لعدد من الضربات الإسرائيلية منذ بداية عام 2019، خاصة مواقع «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الإيراني الذي كان يقوده وقتها قاسم سليماني بمحيط دمشق، وكان من نتيجة التصعيد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مارس 2019 أنه من الضروري الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السورية التي احتلتها إسرائيل عام 1967، وبالتالي فإن مقتل قاسم سليماني ذراع إيران لتنفيذ أجندتها في الشرق الأوسط على يد القوات الأمريكية لم يكن إلا جزءًا في سلسلة تقليم أظافر إيران.
خريطة التوزيع
وتنقسم الميليشيات الموالية لإيران في سوريا إلى قسمين، الأول: قسم محلي ولايزال يضم قوات شعبية سورية، أما القسم الثاني: الميليشيات متعددة الجنسيات الأجنبية العابرة للحدود، ويضم هذا القسم ميليشيات قادمة من كل من العراق وباكستان، وأفغانستان ولبنان وغيرها، ومن الميليشيات العراقية: حزب الله العراقي، وحركة نجباء العراق، وميليشيات الإمام الحسين، وأسود الله، وكتائب الإمام علي، واتحاد أصحاب الحق، وعصائب أهل الحق وكتائب أبوالفضل العباس وقوات فيلق بدر، أما الباكستانية، فأغلبها يتمركز في شمال حلب وجنوبها وجنوب دمشق وأبرزها لواء زينبيون. ومن أفغانستان لواء فاطميون الذي أسسه علي رضا توسلي عام 2014. ويضم عناصر شيعية من قومية الهزارة ويتركز وجوده في ريف دير الزور والغوطة الشرقية، إضافة إلى ذلك الميليشيات القادمة من لبنان والتابعة لحزب الله اللبناني.
وقد وصل عدد الميليشيات الموالية لإيران في الأراضي السورية إلى نحو 50 فصيلًا ويتجاوز عدد مسلحيها 60 ألفًا يعملون تحت قادة خبراء عسكريين، ويعتبر ريف دمشق ومحيطها أبرز مواقع تمركز الميليشيات المحلية. وتعد منطقة السيدة زينب بريف دمشق الجنوبي أول مواقع تمركزات هذه الميليشيات بعد اندلاع الثورة السورية في مارس، 2011 وبرز دور فيلق القدس بقيادة قاسم سليماني منذ البداية مستغلًا بعض العراقيين الموجودين في ريف دمشق وسط انهيار الوضع السياسي في البلاد وانعكاساته التي أدت لانعدام الأمن.
إعادة التشكيل
وبعد مرور ما يقرب من شهر على مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني، والذي يمثل ضربة قاسمة لرأس حربة النظام الإيراني في أطماعه التوسعية، بدأت الكثير من المعطيات الميدانية تظهر تغيرًا في خريطة توزيع وإستراتيجيات الميليشيات الإيرانية في سوريا.
وقد شهدت أبرز مواقع تغيرات واسعة خلال الشهر المنقضي- بحسب دراسة سورية، أعدها المركز العربي للأبحاث والدراسات السياسية- وشملت التغيرات: إغلاق بعض المراكز في كل من البوكمال والميادين والجلاء وسحب الميليشيات الأجنبية والاعتماد فقط على العناصر المحلية التابعة كل من الحرس الثوري و«لواء الفاطميون» وحركة النجباء وحزب الله العراقي و«لواء زينبيون».
أما في حلب وحمص فمازالت الميليشيا موجودة على الأرض مع إخلاء موقع مراقبة سد الوعر في حمص، وإعادة تموضع القوات إلى مطار حماة، وفي مطار التياس بحمص فمازالت الميليشيات موجودة، ولكن وجودها أصبح يقتصر على الأفراد فقط، من دون وجود لأي آليات عسكرية بالموقع.
وفي مطار دمشق فقد كشفت الدراسة التي اعتمدت على راصدين ميدانيين من سوريا أن الموقع بات فارغًا من المعدات العسكرية الضخمة، ومازالت ميليشيات للحرس الثوري وحزب الله اللبناني موجودة في قاعدة رأس الكسوة الجنوبي، والغوطة الغربية خاصة نقطة مراقبة بيت جن التي تعتمد أيضًا على ميليشيات محلية موالية لإيران.
استعدادات للمواجهة
ورغم مرور ما يقرب من شهر على واقعة مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني الذي أظهرت طهران وأذرعها في الخارج أنه مثل نقطة محورية في الصراع الإيراني الأمريكي بل والوجود الإيراني في المنطقة، فإن ردود الفعل إلى الآن لم ترق إلى قيمة حدث مثل كل هذا الحجم لطهران.
وتشير هذه التغيرات على الساحة السورية إلى وجود ترتيبات إيرانية لإعادة تنسيق أوراقها من جديد على ساحة العمل العسكري ليس في سوريا فقط ولكن أيضًا في مناطق أخرى غير متوقعة من العالم، قد تظهر في شكل تحالفات خفية من جماعات تحقق لها الانتقام لمقتل قاسمي.