مُساعدات قطر للسودان.. وجه الشر يتخفى تحت قناع الخير

الثلاثاء 28/يناير/2020 - 06:39 م
طباعة مُساعدات قطر للسودان.. مرفت زكريا
 
تُعتبر قطر من أبرز الدول التي تحاول توظيف مساعداتها الإنسانية في خدمة مصالحها السياسية؛ حيث اتخذت الدوحة المساعدات الإنسانية بمثابة منفذ للولوج للساحة السياسة في السودان، من خلال دعم منظمات المجتمع المدني، المؤسسات الخيرية وجماعات الإسلام السياسي التي عملت على تأجيج الأحداث التي أدت لانسحاب الرئيس «عمر البشير» من المشهد السوداني بإشرافها على تعزيز نفوذ جماعات وأحزاب محسوبة على تيار الإخوان.

شرور مؤسسات الخير القطرية
يوجد عددٌ كبيرٌ من المؤسسات الخيرية القطرية التي تتخفي وراء أهداف إغاثية وتقديم مساعدات إنسانية، وعلى رأس هذه المؤسسات تأتى «قطر الخيرية» و «راف القطرية»، وتأتى هذه الكيانات ضمن عدد كبير من المؤسسات التي تعمل في إطار القيام ببعض المشروعات من قبيل كفالة الأيتام ومساعدة الفقراء؛ لكنها تحمل مآرب سياسية بحتة تتمثل في دعم بعض الجماعات التي تساعد في تحقيق أهداف السياسة الخارجية القطرية. أولًا- التوظيف السياسي للمساعدات على المستوى النظري لطالما كان وراء المساعدات الإنسانية هدف سياسي بحت، غالبًا ما يكون له تأثير قوي على الاقتصاد السياسي للبلدان المتلقية، الأمر الذي يتأثر دائمًا بالاعتبارات السياسية للحكومات المانحة؛ فعلى الرغم من وجود الكثير من التصريحات والممارسات من الجهات الفاعلة التي تسعى إلى تبرير أن أعمالهم لا تقدم أي ميزة سياسية، وأنها تستند فقط على الحاجة، فإن المبادئ الإنسانية للحياد والنزاهة تتعرض لاعتداء مستمر(1).

قناع المساعدات الإنسانية
وبداية من فترة التسعينيات أصبحت المساعدات الإنسانية ومنظمات المجتمع المدني تتدخل بشكل كبير في السياسة أو بمعنى أدق تروج لقيامها بالدعم الإنساني للتخفي وراء أغراض سياسية تتمثل في تكوين جماعات سياسية أو أحزاب تابعة للجهات المانحة تعمل على تحقيق أهدافها بالداخل، ومن أمثلة هذه الدول يمكن الإشارة للتدخلات الإيرانية والقطرية في المنطقة العربية دول أفريقيا جنوب الصحراء. 
ومن ناحية أخرى، تعتبر قضية حقوق الإنسان ودعم الحريات السياسية من أهم الذرائع السياسية التي تتخذها الدول للتدخل في شؤون الدول الأخرى؛ كما يتم استغلال فترات الثورات والاضطرابات السياسية؛ وهو الأمر الذي حاولت بعض الدول توظيفه بالطريقة المثلى للتدخل في بعض دول الشرق الأوسط إبان أحداث الربيع العربي لعام 2011(2). ثانيًا- منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الخيرية القطرية في السودان تعد مؤسسة قطر الخيرية التي صنفتها دول الممانعة (مصر، المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، البحرين) على قائمة المنظمات الإرهابية من أبرز كيانات المجتمع المدني للدوحة في السودان على خلفية قيامها بمجموعة كبيرة من المشروعات الخدمية مثل كفالة الأيتام، إقامة بعض المشروعات السكنية لتسكين الشباب بأسعار رمزية. ووفقًا للإحصاءات الرسمية، فإن "قطر الخيرية" تكفل ثمانية آلاف من الأيتام والفقراء والطلاب والمعلمين والمعاقين في أكثر من عشر ولايات سودانية، كما تعمل على توفير الحياة الكريمة لفئة الأيتام وأسرهم من خلال صرف مبالغ دورية لهم عبر صرافات منتشرة بالقرب من مناطق سكنهم.

مشاريع الوئام
كما ساهمت «قطر الخيرية» في إنشاء مشاريع مُدِرَّة للدخل للمحتاجين في عدد من ولايات السودان، ومشاريع أخرى لتوطين النازحين وحل مشكلات الفقر في دارفور أطلقت عليها اسم «مشاريع الوئام»، فضلًا عن تنفيذ مشاريع صحية ودعم القطاعات الهشة بمحطات المياه ووفرت أجهزة طبية في بعض مناطق السودان(3).
جدير بالذكر أن كل هذه الأنشطة التي تقوم بها مؤسسة «قطر الخيرية» تهدف إلى توظيفها في خدمة أهداف سياسية، وهو الأمر الذي دعا مفوضية العون الإنساني في السودان لتسليط الضوء على الطريقة التي كانت تدار وتمول بها تلك المنظمات، مما أدى لحظر 24 منظمة من المنظمات، الاتحادات والمؤسسات المسجلة في البلاد؛ حيث اتضح أن معظم تلك المنظمات كانت تمول بتدفقات قطرية مباشرة أو غير مباشرة أو عبر دفعات شهرية من ميزانية القصر الجمهوري. 
ومن بين هذه المنظمات المحظورة «سند الخيرية» والتي كانت تديرها وداد بابكر زوجة الرئيس الأسبق عمر البشير ومنظمة «البر والتواصل» المملوكة لزوجة علي عثمان طه القيادي البارز في المؤتمر الوطني(4). 
في السياق ذاته، امتد الدعم القطري المشبوه إلى عدد كبير من دول أفريقيا جنوب الصحراء، ولم يقتصر فقط على السودان؛ حيث قامت مؤسسة «راف» القطرية ببناء 6 مدارس في مختلف المراحل الدراسية بواقع مدرستين في كل من جزر القمر وتشاد وموريتانيا، ومدرسة في كل من جيبوتي والنيجر وتونس، على أن يأتي ذلك كله في إطار دعم المجال التعليمي وتوفير الدعم الاقتصادي للأسر الفقيرة لتفريغ أبنائهم للتعليم، ولكن في الواقع أن هذا الدعم يحمل خلفه العديد من علامات الاستفهام(5). 
ثالثا- جماعة الإخوان المسلمين والتدخل القطري في السودان أدى نجاح القوى السياسية بالسودان في التوقيع على الوثيقة الدستورية مع المجلس العسكري إلي إحباط مخطط الدوحة لجر السودان إلى حالة من الفوضى لإعادة إنتاج نظام الإخوان، بعد سقوط الرئيس السابق «عمر البشير»، وعليه انتقت قطر عددًا من نشطاء الجماعة من أجل مهاجمة قرارات المجلس العسكري، وتنفيذ أجندتها في السودان، فضلاً عن ادعاء السلطات القطرية بوجود مؤامرة على الخرطوم من قبل السعودية، الإمارات ومصر لإجهاد الثورة السودانية، وإبقاء المجلس العسكري في الحكم دون تقديم أي دليل؛ حيث أعلنت الدوحة إنشاء حملتين تحت مسمى FreeSudan" وBlueForSudan" بزعم تعريف العالم بحقيقة الوضع في السودان.

تكريس النفوذ القطري
يتمثل الهدف الحقيقي وراء ذلك في إعادة اختراق السودان، وتكريس النفوذ القطري فيها. يتوازى ذلك، مع قرار المجلس العسكري الانتقالي في السودان بإغلاق مكتب شبكة الجزيرة القطرية بالخرطوم وسحب تراخيص العمل لمراسليها في البلاد، بعدما اتضح دور هذه الشبكة في دعم جماعة الإخوان للوصول إلى السلطة بأي ثمن، الأمر الذي يؤكد رفض القيادة الجديدة في السودان لدور قطر المشبوه في البلاد، الذي حول السودان إلى مأوى لجماعة الإخوان في عهد الرئيس السوداني الأسبق «عمر البشير»(6). 
ومن اللافت للانتباه، إشارة الكثير من المحللين إلى أن جماعة الإخوان لطالما اعتمدوا على أن أسلوب العنف والانقلابات لا يزال هو الوسيلة الوحيدة، التي تم تجربتها لوصول تنظيمهم إلى السلطة في البلاد، وهو الأمر الذي يتم بالتعاون مع قطر ومؤسسات المجتمع المدني التابعة لها، لكن لم تجد هذه الجماعة التي تتبنى نهجا متطرفا، قبولاً كبيرًا لدى معظم شرائح الشعب السوداني الذي يميل بطبعه إلى نهج الوسطية والاعتدال في التدين. ونتيجة لذلك، يمكن القول إن جماعة الإخوان المسلمين باتوا معزولين في وسط المجتمع السوداني نتيجة لارتباطهم المشبوه بقطر، وسعيهم الدائم لتحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية على حساب المواطن السوداني الذي يعاني الوضع الاقتصادي المتدهور والحالة غير المسبوقة الاضطرابات السياسية التي سبقت خروج البشير من سدة الحكم(7). 
في النهاية: يمكن القول إن التوظيف السياسي للمساعدات بات بمثابة منفذ قوى تستخدمه كثير من الدول المارقة للتدخل في شؤون الدول الأخرى، الأمر الذي اتضح في توظيف قطر للمنظمات الخيرية ولجماعة الإخوان المسلمين لتكون بمثابة زريعة للتأثير على المشهد السياسي في السودان، ولكن من غير المتوقع أن يستمر هذا الدور المشبوه كثيرًا لاسيما في ظل وضوح ماهية الأهداف الحقيقية وراء هذا الدعم.

الهوامش:
 1.     Mohammed Haneef Atmar, Politicization of Humanitarian Aid and its Consequences for Afghans, Conference Paper, Norwegian Church


Aid Afghanistan Programme, evidence ideas change, 2001, pp. 1-6. 2.       André Pasquier, Politics and Humanitarian Aid: Debates, Dilemmas and Dissension, Commonwealth Institute, International

 Committee of the Red Cross, 2001, pp 1-8. 3.        قطر الخيرية.. أيقونة العمل الإنساني بالسودان، 22/6/2017، الجزيرة. نت، متاح على الرابط التالي https://www.aljazeera.net/news/reportsandinterviews . 4. السودان.. منظمات تاجرت بالمحتاجين عبر أموال الدوحة المسمومة، 27/11/2019، سكاي نيوز عربية، متاح على الرابط التالي https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1300965 . 5.       أذرع قطر السوداء بالقارة السمراء.."العمل الخيرى" ستار الدوحة لدعم الإرهاب بأفريقيا، 27/7/2019، اليوم السابع، متاح على الرابط التالي https://cutt.ly/1rR5HuG . 6. عادل عبدالمحسن، الصحف السودانية تفضح تمويل الدوحة لشباب الإخوان لإعادة نفوذها بالسودان، روزل اليوسف، 8/8/2019، متاح على الرابط التالي https://cutt.ly/HrR6yHq . 7.          إخوان السودان وحلم العودة على أشلاء الأبرياء، 26/7/2019، سكاي نيوز عربية، متاح على الرابط التالي https://cutt.ly/orTqzLv .    

شارك