التعديل الوزاري القطري.. محاولة للفهم

الثلاثاء 28/يناير/2020 - 11:07 م
طباعة التعديل الوزاري القطري.. أحمد نبوي
 
عيّن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني رئيسًا جديدًا للوزراء الثلاثاء 28 يناير 2020، وفق ما أفادت به وكالة الأنباء الرسمية القطرية، خلفًا للشيخ عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثاني. 
وكان رئيس الوزراء الجديد الشيخ خالد بن خليفة بن عبدالعزيز آل ثاني يتولى منصب رئيس الديوان الأميري، بحسب موقع الحكومة القطرية، وسيحل الشيخ خالد كذلك محل سلفه الشيخ عبدالله كوزير للداخلية في التعديل الحكومي، رغم أن جميع المناصب الأساسية في الحكومة لم تتغيّر، بما فيها الدفاع والمالية والطاقة. [1]
وللحقيقة، يمكن التأكيد على نقطة أولية، وهي أننا في التعامل مع نظام ملكي مغلق كالنظام القطري، يستأثرُ بالقرار فيه شخصية واحدة وهو الأمير تميم بن حمد، مع غيبة لمؤسسات حقيقية ومعايير موضوعية للاختيار، نكون مع هذه المعطيات أمام شُح في المعلومات التي نوظفها للقيام بتحليل للمشهد أو فهمه، لكن ومع ذلك فثمة مجموعة من المؤشرات نستخلصها من هنا وهناك، ونتلمس من خلالها فهم المشهد القطري والتغيير الحكومي الأخير. ونوردها هنا على شكل ملاحظات.

ملاحظة أولى: لماذا خالد بن خليفة وليس محمد بن عبد الرحمن؟
يبدو هذا السؤال من الأسئلة المهمة حول هذا التغيير، فمحمد بن عبدالرحمن وزير الخارجية هو السياسي الأبرز في الدوحة، والرجل الثاني بعد الأمير تميم، هذا بالطبع إذا استثنينا أفراد العائلة المالكة الآخرين بخلاف تميم، فأهمية الرجل ليست فقط كونه وزيرًا للخارجية ومن مهندسي السياسة الخارجية القطرية، التي تمر بتحديات جسام في الآونة الأخيرة، لكن أيضًا ولأنه بضدها تتميز الأشياء، وبتصفح السيرة الذاتية لرئيس الوزراء الجديد خالد بن خليفة فإننا نجده قد عمل في قطاع الغاز، وهو ما يثير الاستغراب والسؤال الأهم للدولة القطرية حاليًا؟ هل ملف الاقتصاد والغاز هو الأهم باعتبار قطر المُصدِر الأول للغاز المسال في العالم؟ أم ملف الأمن والسياسة الخارجية؟ اللذين تواجه فيهما قطر تحديات جسام تبدأ من الأزمة الخليجية وتنتهي بصراعاتها على جبهات خارجية عديدة.
لذا فإن سلمنا بأن الاختيار لم يُبن على الجدارة والتناسب مع اللحظة الراهنة وما تحتاجه البلاد فعلًا، فإننا ننتقل لنبحث عن أسباب أخرى للاختيار.

الملاحظة الثانية: في النظام الملكي تحدث الإقالة بكلمة
تنقل مصادر بالداخل القطري عن عبدالله بن ناصر قوله، في مجلس عزاء والدته، "أخاف نندم على جيّة الأتراك ولا يطلعون بعدين"[2] هذه الجملة إن صحت وهو المرجح، لأنه لم يتم نفيها من عبدالله نفسه أو من أي من المسؤولين الأتراك، قد تدلنا على خيط نفهم منه أسباب التعديل، ففي نظام واحدي كالنظام القطري، لا يرضى فيه الملك أن يخالفه الرأي أي من كان، خاصة إذا كان الأمر بصدد واحدة من السياسات الإستراتيجية القطرية في الانفتاح على تركيا والإسلام السياسي من ورائها. ما يعزز هذه النقطة أن أمير قطر كان قد وعد بإجراء انتخابات لمجلس الشورى في نوفمبر بحلول موعد استضافة قطر لكأس العالم 2022. [3] لكن لم يتحقق هذا إلى الآن، بل أصدر منذ أيام قانونًا يحد من حرية الرأي والتعبير، وهو ما أدانته منظمة العفو الدولية مؤخرًا، والشاهد في هذا السياق أنه في أنظمة من هذا النوع يرحل ويأتي رئيس الوزراء أحيانًا، بل كثيرًا إن صح القول بمجرد كلمة.

الملاحظة الثالثة: هل المصالحة هي السبب؟
وفقاً لما تم تداوله في تقارير صحفية عدة فإن السبب وراء هذا التغيير الوزاري يعود إلى موقف رئيس الوزراء القطري السابق من المصالحة مع دول المقاطعة، وبحسب التقارير، فإنه كان من بين المؤيدين للمصالحة، وهذا ما بدا عليه في قمة الرياض إلا أن القمة انتهت دون نتيجة.
هذه التقارير في الحقيقة تحيلُ إلى سؤال أهم حول وجود خلافات في النظام القطري فيما يخص المصالحة؟ البعض يتحدث عن وجود أجنحة متضادة بالنظام القطري بعضها يدعم المصالحة والبعض الآخر يرفضها إلا إذا لبت المطالب القطرية كاملة وبدون شروط، وإذا سلمنا بوجود هذا الخلاف في الداخل القطري، وإذا سلمنا أيضًا بوجود مؤشرات برغبة رئيس الوزراء الأسبق بإحداث المصالحة وتحقيقها، فإن البعض سيكون لديه الحق في أن يذهب للقول بأن هذا الخلاف هو السبب وراء إقالة رئيس الوزراء. لكن سيُفهم من هذا أيضًا أن التوجه العام في النظام القطري معارض للمصالحة، وثمة خلاف حول التقرير بهذه الحقيقة. لأن النظام القطري ما فتئ يمسكُ العصا من المنتصف في هذا الصدد، فلا هو يؤكد رغبته في المصالحة ولا هو ينفيها.

الملاحظة الرابعة: هل التقارب مع إيران هو السبب؟
يذهب البعض للقول بأن سبب الإقالة أو الإرغام على الاستقالة، هو بسبب رفض رئيس الوزراء السابق للتقارب القطري مع إيران، لكن في الحقيقة يمكن أن أحاجج هنا بصعوبة هذا الطرح، لأن التقارب مع إيران ليس موقفًا لحظيًا للنظام القطري ورجالاته، بل موقف يمكن وصفه بالإستراتيجي، والسياسة القطرية لم تحد عن هذا التوجه في التقارب مع إيران، لذا فموقفها الأخير في أزمة مقتل سليماني لا يمكن اعتباره بالجديد، وبالتالي الذي يستحق أن يعترض عليه رئيس الوزراء السابق للحد الذي يعرضه للإقالة.

الملاحظة الخامسة: هل كأس العالم هو السبب؟
طرحٌ أخر قد يبدو غريبًا في ظاهره لكنه يستحق التفكير ولو قليلًا، وهو طرح أرى فيه أن الإقالة وتعيين رئيس وزراء يفهم أكثر في الاقتصاد والإدارة أكثر من فهمه في السياسة الخارجية والأمن والدفاع، ربما يكون مؤشرًا لاقتراب المصالحة الخليجية، وبالتالي رغبة النظام القطري في التركيز على المحفل الأهم الذي تنتظره قطر وهو تنظيم كأس العالم 2020، وبالتالي سيكون مبررًا اختيار رئيس وزراء ذي خلفية إدارية واقتصادية لإدارة هذا الملف، الذي تعتبره قطر الاستحقاق الأهم في الفترة المقبلة.
أُدعِم هذا الطرح بأن أذكر أن قطر بجانب قيامها بالتغيير الحكومي وتغيير رئيس الوزراء، غيرت أيضًا مجموعة كبيرة من الشخصيات الاقتصادية القطرية، بما يشبه إعادة هيكلة لبنية المديرين الاقتصاديين، فعينت قطر يوم الأحد الرئيس التنفيذي لأكبر بنوكها وزيرًا للتجارة والصناعة، وأعادت تشكيل مجلسي إدارة شركة قطر للبترول وجهاز قطر للاستثمار، ضمن تعديلات شملت مناصب كبيرة أخرى. [4]

الملاحظة السادسة: لا داعي للملاحظات السابقة
يذهب البعض وبعيدًا عن كل التحليلات السابقة للقول بأن التعديل الوزاري هو تعديل طبيعي ومتوقع، بل تأخر لفترة طويلة، تقول بهذا المؤسسة الرسمية القطرية وإعلامها الرسمي، وهي وجهة نظر في النهاية، لا تشي بشيء غير أن السياسة ميتة إكلينيكيا في مثل هذه الأنظمة، لذا فكل تحليلات الباحثين أو المتابعين قد تذهب أدراج الرياح بقرار شخصي مبني على الانفعالات السيكولوجية والسياق الخاص لصانع القرار، وهي أمور طبيعية في دولة تغيب عنها المؤسساتية.

قائمة المراجع
1- أمير قطر يعيّن رئيسًا جديدًا للوزراء، فرانس برس, 28/01/2020، يمكن قراءة الخبر كاملًا على الرابط التالي: https://2u.pw/m42Am
2-  تقارير: صراع الأجنحة في النظام القطري وراء تغيير رئيس الوزراء، غنوة كنعان، الرؤية، يمكن قراءة التقرير على الرابط التالي: https://2u.pw/kiqYK
3- تعديل حكومي في قطر: رئيس جديد للوزراء والمناصب الأساسية دون تغيير، مونت كارلو الدولية، 28/01/2020، يمكن قراءة الخبر كاملًا على الرابط التالي: https://2u.pw/okcpA
4-  قطر: تعديل وزاري وإعادة تشكيل مجلسي شركة البترول وجهاز الاستثمار، يورو نيوز، بتاريخ 04/11/2018، يمكن قراءة المقال كاملًا على الرابط التالي: https://2u.pw/2SzEL

شارك