مكافحة الإرهاب وتعزيز الإصلاح.. القمة الأفريقية والتحول من الصراع إلى التنمية
الخميس 13/فبراير/2020 - 07:21 م
طباعة
مصطفى صلاح
انعقدت الأحد 9 فبراير 2020 أعمال القمة الأفريقية السنوية، التي انطلقت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وتأتي هذه القمة على خلفية العديد من الأزمات التي تشهدها القارة؛ وخاصة الأزمة الليبية والصراع المحتدم بداخلها، وعقدت القمة تحت شعار «إسكات البنادق وتهيئة الظروف للتنمية في أفريقيا»، وقد خُصصت لبحث الأزمة في ليبيا التي بدأت تتفاقم نتيجة التدخلات الخارجية في الأزمة الداخلية، كما تصدرت ملفات مثل خطة السلام الأمريكية ومكافحة التطرف ورفع اسم السودان من قائمة الإرهاب الأمريكية، كلمات الزعماء وقادة المنظمات الإقليمية والدولية في فعاليات القمة الأفريقية.
من ناحية أخرى شدد المتحدثون على أنه لا يمكن إطلاق عملية التنمية الشاملة في أفريقيا بمعزل عن إرساء دعائم الأمن والاستقرار في القارة، وطالب المتحدثون بتوثيق العمل المشترك لمعالجة التحديات الأمنية وجذور الأزمات السياسية التي تزعزع استقرار دول القارة السمراء، وتوصلت القمة التي شهدت مشاركة أفريقية ودولية واسعة، على مدار يومين، ويسعى رؤساء دول وحكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي في القمة لتعزيز مشاركتهم في الوساطات في عدد من النزاعات المسلحة التي تمزق القارة رغم الإخفاقات السابقة، وخلال القمة سلم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، خلال فعاليات الجلسة الافتتاحية، رئاسة الاتحاد للرئيس سيريل رامابوزا، رئيس دولة جنوب أفريقيا.
ملفات استثنائية
كان هناك اهتمام كبير من جانب القمة للعديد من الملفات والتي استحوذت على النصيب الأكبر في كلمات الرؤساء وممثلي الهيئات الدولية والإقليمية، وتنعقد القمة هذا العام بمشاركة أفريقية ودولية واسعة، وتركز على العديد من الملفات، أبرزها مبادرة «إسكات البنادق» في أفريقيا، وتهيئة الظروف للتنمية، بالإضافة إلى الإرهاب والأزمة الليبية وتطوير البنية التحتية في أفريقيا، ومن بين تلك الملفات:
1) مواجهة الإرهاب:
أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، إن مكافحة الإرهاب في إفريقيا شرط أساسي لتحقيق التنمية المستدامة، مضيفًا أن الشراكة الأممية مع أفريقيا بالغة الأهمية، وضمن السياق نفسه دعا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى عقد قمة أفريقية في القاهرة تبحث تشكيل قوة لمواجهة ومكافحة الإرهاب في القارة السمراء، وفي مجال مكافحة التطرف والإرهاب، أشار الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني إلى أن مجموعة دول الساحل الخمس (موريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد) وضعت مؤخرًا، بالتعاون مع شركائها، خريطة طريق تهدف إلى زيادة فعالية مواجهتها للنشاط المتنامي للحركات الإرهابية، وتأتي هذه الخطوات في إطار التحرك الموازي مع إرساء دعائم التنمية المستدامة في داخل الدول الأفريقية.
وخلال اجتماع لمجلس الأمن والسلم الأفريقي، وقبيل القمة الإفريقية في أديس أبابا، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، إن الحرب الليبية أسهمت في وصول الجماعات الإرهابية وانتشار الأسلحة، وتمثل هذه القمة في أهميتها بأنها تحاول أن تضع أجندة أفريقية خاصة لمواجهة خطر انتشار هذه الجماعات والخوف من تحول الشباب نحو التطرف.
واستكمالًا لتلك الجهود دعا الرئيس السيسي إلى التشاور المستفيض حول تلك القمة والقوة المقترحة، بمعرفة مجلس الأمن والسلم الأفريقي، والهيئات الأفريقية الأخرى فيما يخص تشكيل قوة أفريقية لمواجهة الإرهاب، على أن يعرض لاحقًا على القمة الأفريقية، لافتًا في الوقت نفسه إلى أن فترة رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي العام الماضي، اتسمت بالزخم الشديد على جميع المستويات، وأن مصر حرصت خلالها على حمل لواء الاتحاد بكل صدق وأمانة في المحافل الإقليمية والدولية، ما أدى إلى تسارع خطى القارة بكل قوة وثبات.
) الأزمة الليبية:
كان الاتحاد الأفريقي قد تعرض في الآونة الأخيرة للتجاهل بشكل منتظم في الملف الليبي الذي تديره الأمم المتحدة بشكل خاص، والذي تلعب فيه الدول الأوروبية دورًا بارزًا، وتهدف القمة الأفريقية العادية الــــ 33 بأن يكون فعالًا أكثر في المستقبل في حل النزاعات الأفريقية وإيجاد حلول أفريقية لها، وشددت كلمة رئيس مفوضية الاتحاد، موسى فكي، على ضرورة التزام الأطراف المتصارعة على السلطة في ليبيا على الحل السياسي، وعليه أبدى الأمين العام للأمم المتحدة تأييده لقيام الاتحاد الأفريقي بدور أكبر في الوساطة بالأزمة الليبية، وتثبيت وقف إطلاق النار هناك، ووقف التدخلات الخارجية في الأزمة، كما أكد أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، أن ليبيا تشهد تصعيدًا خطيرًا للأزمة، داعيًا إلى تثبيت الهدنة القائمة والوصول إلى ترتيبات دائمة لوقف إطلاق النار ومراقبته، وإيقاف كل أشكال التدخلات الخارجية في الشأن الليبي.
جهود التنمية
إن القارة الأفريقية بحاجة ماسة إلى الحرية وإن التوترات في القارة الأفريقية تؤثر على الدول الأعضاء فيما يتعلق بالاستمرار في تحقيق التنمية المستدامة، وتهدف القمة إلى تهيئة الظروف الإقليمية والدولية لتحقيق جهود التنمية، ودمج الشباب في مبادرة إسكات البنادق للوصول إلى حالة من الدمج بينهم وبين خطط التنمية للحيلولة دون انضمامهم إلى الجماعات المتطرفة، وكذلك الاهتمام بقطاع الزراعة والصناعة وتطوير البنية التحتية الأفريقية.
دعا زعماء أفارقة ومنظمات دولية، من بينها الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وبنك التنمية الأفريقي، الدول الأفريقية إلى تسريع عملية التحولات الاقتصادية، مشيدين بالتقدم الملحوظ الذى حققته دول القارة بشان تنفيذ «أجندة أفريقيا 2063» بعدما حققت تقدمًا ملحوظًا خلال الفترة من عام 2013 حتى 2019 فيما يتعلق بتنفيذ الأهداف الواردة في أجندة 2063.
صفقة القرن
يمثل حضور الرئيس الفلسطيني أعمال القمة الأفريقية دلالة مهمة في التعبير عن رؤية دول القارة للمقترح الأمريكي بخطة السلام بين إسرائيل والجانب الفلسطيني، والتي عبرت عنها سياسة الدول الأفريقية، كما إنّ خطة السلام الأمريكية المقترحة المعروفة إعلاميًّا بـ«صفقة القرن»، ستفاقم من الأوضاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأن الاتحاد لن يقبل بها خاصة أن الخطة لن تساهم في حل الصراع الفسلطيني الإسرائيلي، وأنها تمت في غياب الطرف الفلسطيني، ومن ثم انعقدت جلسة مفتوحة حضرها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وأمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط، وسكرتير عام الأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش لبحث تداعيات الخطة الأمريكية، وجدد الاتحاد الأفريقي في بيان رئيس المفوضية تضامنه مع الشعب الفلسطيني في سعيه المشروع لإقامة دولة مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية، ومذكرًا بقرارات الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ذات الصلة.
تداعيات محتملة
من المحتمل أن تنعكس مخرجات القمة الأفريقية على الكثير من الملفات الإقليمية والدولية؛ وخاصة تلك المرتبطة بصورة أساسية بأمن واستقرار دول القارة، فمن ناحية تمثل القمة امتدادًا للجهود الإقليمية والدولية المعنية بملفات القارة وتوجهاتها نحو التنمية المستدامة، ولتحقيق ذلك أكد مفوض السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي، انعقاد قمة غير عادية في جنوب أفريقيا خلال شهر مايو 2020، لمتابعة الأوضاع فى القارة؛ حيث لا يزال الطريق طويلًا أمام تنفيذ جميع الأهداف الواردة بالأجندة المتعلقة بالقارة، التي تحمل رؤية القارة الأفريقية لتحقيق تنميتها المستدامة، وتتكامل مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030؛ وبخاصة تلك المشروعات التي تقع ضمن أولويات برنامج تنمية البنية التحتية بالاتحاد الأفريقي، وعلى رأسها محور القاهرة – كيب تاون لربط شمال القارة بجنوبها، ومشروعات توليد الطاقة المتجددة وكل مشروعات الطرق والربط عبر خطوط السكك الحديدية، هذا بالنسبة للجانب التنموي، أما بالنسبة لجانب الصراعات فإن القمة تمثل استعادة لدور الدول الأفريقية فيما يتعلق بالعديد من الأزمات التي تواجهها القارة فيما يخص الأزمة الليبية وانتشار الجماعات الإرهابية المسلحة ومواجهتها على صعيد التنمية وكذلك على الصعيد التعاون والتنسيق الأمني المشترك، وهذا الأمر ظهر من خلال العديد من المبادرات الأفريقية الخاصة بتكوين قوات أمنية أفريقية مشتركة لمساعدة الدول على مواجهة تلك التنظيمات ومن جانب آخر سد الطريق أمام التدخلات الخارجية.
المراجع:
1) المفوضية الأفريقية تؤكد على الحل السياسي في ليبيا، على الرابط: https://bit.ly/2w8fVpX
2) زعماء أفارقة يدعون إلى تسريع التحولات الاقتصادية في القارة، على الرابط: https://bit.ly/2OHcsom
3) القمة الأفريقية تواصل أعمالها في أديس أبابا، على الرابط: https://bit.ly/2OIswX1
4) القمة الأفريقية.. الحلول السياسية بدل العسكرية لحل أزمة ليبيا، على الرابط: https://bit.ly/39nQsqA