خسائر الجيش التركي في سوريا وليبيا . أردوغان يعترف
كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في موقف لا يحسد عليه أمس؛ إذ مر بلحظات هي الأصعب في تاريخه. سؤال شجاع من أحد الصحافيين، أربك أردوغان، وجعل اتزانه يختل، ودفعه دون قصد إلى الاعتراف بالعدد الحقيقي للجنود الأتراك المقتولين في ليبيا.
وكانت تقارير ليبية قد أكدت، في وقت سابق، مقتل ضابطين تركيين يحمل أحدهما رتبة رفيعة ومترجما سوريا، في قصف على ميناء طرابلس البحري، في 18 فبراير الجاري.
وفي 10 يناير الماضي تحدثت مصادر مسؤولة في ليبيا عن مقتل 3 ضباط أتراك آخرين، وإصابة 6 في معارك طرابلس، قبل إعلان وقف إطلاق النار 12 يناير الماضي.
كما قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن 10 جنود أتراك قتلوا وأصيبوا بعدما شنت الطائرات السورية والروسية غارات على نقطة مراقبة في جنوبي إدلب. وأضاف المرصد أن الضربات الجوية أدت إلى إعطاب واحتراق عدة آليات تركية أيضا.
في المعتاد، يجذب أردوغان الأنظار إليه، بتصرفاته وتعامله بهدوء خلال الاجتماعات والمؤتمرات الصحافية التي ينظمها؛ إذ يسيطر على كافة وسائل الإعلام والصحف والقنوات التلفزيونية والمجلات، وحسابات مواقع التواصل الاجتماعي. واعتاد أردوغان أن يرد بالإجابات التي يريدها، على الأسئلة التي تكون مجهزة مسبقًا، ومليئة بالمدح في أردوغان وسياساته.
ولكن أمس كان يومًا من النوادر، إذ تصرف صحافي تركي بشجاعة في واقعة هي الأولى من نوعها خلال السنوات الستّ الأخيرة، وتسبب في اختلال توازن أردوغان أمام الجميع.
السؤال المحرج الذي أربك أردوغان، كان خلال بث تاريخي أمس، لقناة فوكس الناطقة بالتركية، التي تمتلكها قناة "Fox TV" الأمريكية، والتي تعرف بموقفها الداعم لأردوغان ونظامه في العديد من الموضوعات مع القليل النادر من الانتقادات لسياساته.
ما إن بدأ الصحافي باريش كايا، مراسل قناة فوكس تي في، السؤال عن الجنود الأتراك الذين سقطوا شهداء في إدلب، بدأ وجه أردوغان تتغير ألوانه من لون لآخر.
فقد قال المراسل: "لقد أعلنتم أن هناك عددًا من شهداء لنا في ليبيا، والمعارضة تتساءل عن سبب عدم الكشف عن أسماء الشهداء، هل هم من العسكريين الموظفين أم من المدنيين، ولماذا لم يتم تنظيم حفل جنازة عسكرية لهم. كما يسألون عن سبب ذهاب الجيش الوطني السوري إلى ليبيا. وينتقدون التعبيرات والكلمات التي استخدمتموها خلال دفن الشهداء. ما ردكم على ذلك؟"
لم يكن من أردوغان إلا الضجر وتغيير معالم وجهه من أجل ترهيب وتخويف المراسل، واكتفى بالرد: "كيف؟"، متظاهرًا كأنه لم يفهم السؤال!
أعاد المراسل الجزء الأخير من سؤاله، إلا أن أردوغان كان رده بغضب وكراهية شديدة، وهاجم المراسل. وقال له: "ما الذي قلته أنا؟"، أما المراسل فقد كان رده بهدوء أعصاب، الأمر الذي أثار موجة من الجدل بين الحاضرين في المؤتمر الصحافي بسبب شجاعة الصحافي، أمام أردوغان الذي كان يحاول الاستعراض.
الموقف البطولي في وجه أردوغان، والذي لم يعد معتادًا في وسائل الإعلام التركية، جعل أردوغان يكشف كل ما في جعبته من أسرار، وقال: "يا أصدقائي الأعزاء، في البداية يجب أن تكون فوكس جريدة أولًا، وأن يكون لديها فريق إعلامي حقيقي، علينا أن نوضح ذلك".
بعدها زعم أردوغان أن قناة فوكس تي في تنشر أخبارا مغلوطة وكاذبة، رغم أن أردوغان نفسه كان قد قال قبل يوم خلال افتتاح أحد الطرق، إن هناك عددًا من الشهداء في صفوف القوات التركية في ليبيا، معترفًا بأن هناك عناصر من قوات الجيش الوطني السوري يحاربون مع تركيا.
بهذا لا يكون هناك أي كذب أو مغالطة في سؤال مراسل قناة فوكس، وإنما سأل فقط عن سبب إخفاء مقتل الجنود الأتراك.
بعدها وجه أردوغان سهام انتقاداته إلى المعارضة، وقال: "ما تقوله المعارضة أيضًا لا يهمني"، أي أنه لا يمكن لأحد أن يسأله عن أي شيء يفعله، وكأن المعارضة هي معارضة دولة أخرى.
حديث أردوغان الغاضب كشف عن فكره المخفي في لاوعيه، إذ قال: "من الممكن أنني أدليت بتصريحات وسردت الأرقام والأعداد من هذا القبيل، هل ستحاسبني المعارضة وتحاكمني؟ عليهم أن يحاسبوا أنفسهم أولًا".
أظهرت كلمات أردوغان أنه يرى أن الشهداء مجرد رقم بالنسبة له، فضلًا عن أنه ظهر عليه الارتباك من خلال تكوين جملة خاطئة من حيث قواعد اللغة التركية.
أردوغان كان قد أثار الجدل قبل ذلك أيضًا من خلال تصريحاته التي قال فيها: سقط "بعض" جنودنا شهداء، كما كان استند إلى نعش أحد الشهداء وأدلى بتصريحات سياسية عقب صلاة الجنازة.
بعد التصريح الصادم من أردوغان أمس، وموقفه من قناة فوكس تي في، لا أحد يعرف ما الموقف الذي سيتخذه تجاه القناة، وأي شكل من التحقيقات سيتم فتحها في حق المراسل. ولكن هناك حقيقة معروفة: الاعترافات التي أدلى بها أردوغان تضع منصبه وتضع الدولة التركية أيضًا في المزيد من المشاكل والأزمات.
وذلك لأن أردوغان اعترف في تلك التصريحات بأن المسلحين السوريين المتعاونين مع تركيا يحاربون في ليبيا. في السياق ذاته، كان أردوغان يقول إن روسيا ترسل جنودا مرتزقة إلى ليبيا، عن طريق شركتها الأمنية المعروفة باسم فاجنر، أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فيرد على ذلك النوع من الأسئلة، قائلًا: "إنهم لا تربطهم أي علاقة بالحكومة الروسية. هناك جنود مرتزقة يقاتلون في كل مكان حول العالم"، ويتجنب تحمل أي شكل من أشكال المسؤولية في هذا السياق. على العكس تمامًا من أردوغان حيث يقول ويعترف بأن المسلحين السوريين يخضعون لتركيا ويعملون لحساب الحكومة التركية.