تسلمته إيطاليا من النرويج.. من هو الملا كريكار؟
الجمعة 27/مارس/2020 - 01:57 ص
طباعة
علي رجب
في تطور ينهي سنوات من النزاع القضائي، ويحاكم اخطر المتطرفين في أوروبا، سلمت النرويج رجل الدين المتشدد ومؤسس تنظيم "انصار الإسلام" في كردستان العراق، وهو احد التنظيمات الارهابية التي ولدت من رحم جماعة الإخوان الارهبية، إلى إيطاليا، مما يضع حدا لمعركة قضائية مستمرة منذ مدة طويلة.
الحكومة الإيطالية عملت لسنوات من أجل القبض على نجم الدين فرج أحمد المعروف بـ"الملا كريكار"، و هو عراقي المولد ، بعدما صدر في إيطاليا في يوليو2019، حكم بسجنه لمدة 12 عاما كزعيم مشهور لجماعة جهادية يطلق عليها اسم “راوتي شاكس”. وجرى استئناف الحكم.
وقالت وزيرة العدل النرويجية مونيكا مايلاند، الخميس 26 مارس 2020، إنه تم تسليم المتشدد "الملا كريكار" إلى إيطاليا، دون الإدلاء بمزيد من التفاصيل، لكنها قالت إن أوسلو تلقت ضمانات بحماية الحقوق القانونية لكريكار وسلامته، وسط مخاوف متنامية بشأن تفشي فيروس كورونا المستجد في إيطاليا.
وذكرت صحيفة “في جي” النرويجية أن محامي كريكار، ويدعى برينجار ميلينج، قال إنه “يوم عار على النرويج”.
وكان مجلس الوزراء النرويجي أعطى موافقته النهائية في وقت سابق هذا الشهر لعملية التسليم بعد صدور سلسلة من الأحكام القضائية.
من هو الملا كركار؟
ولد مؤسس تنظيم أنصار الإسلام، فاتح نجم الدين فرج أحمد المعروف بـ "الملا كريكار" او "فاتح كريكار" عام 1956 من أسرة محافظة ومتواضعة الحال في مدينة السليمانية بالعراق، نشأ في قرية قرداغ بالسليمانية التي كانت تعتبر آنذاك مركزاً من مراكز الشيوعية في كردستان.
تلقى تعليمه الابتدائي والمتوسط في مدينة السليمانية، أكمل دراسته الثانوية بالفترة المسائية بمدينة آربيل أثناء تعيينه موظفاً في الأمانة العامة للشئون الاجتماعية والصحية، ولم يناهز حينها التاسعة عشرة من عمره.
وأعقب انتهاء دراسته الثانوية ثم الجامعية حتى أصبح عند تخرجه من كلية الآداب قسم اللغة العربية بجامعة صلاح الدين1982، كما حصل على درجة الماجستير في علوم الفقه والحديث الإسلامي من إحدى الجامعات الباكستانية.
في جماعة الإخوان
وفي الفترة من 1971- 1973 كان عضواً في اتحاد طلبة كردستان المنضوي تحت راية الحزب الديمقراطي الكردستاني "حدك".
وفي 1973 وجد كريكار نفسه أحد شباب الإخوان المسلمين الفعالين بعد تجاذب موجات الصراع الأيديولوجي بين الفكر الشيوعي الذي كان يتميز أعضاؤه في ذلك الوقت- حسب كريكار في كتابه "الملا كريكار من خلال كلماته"- بثقافة عالية وجرأة، كما يشغلهم أمر الصراع الطبقي، لكن فلسفتهم التي تنفي وجود إله للكون وترفض الأديان، وتهجمهم على القيم والأخلاق واستهزاءهم بالشعور القومي، كل ذلك جعله يتجه إلةى تنظيم الإخوان والفكر المتشدد.
بعد فشل المحادثات بين الحكومة العراقية والأكراد عام 1974 وتنامي مشاعر الترقب والحذر، التحق الملا كريكار بمعسكرات تدريبية تابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني تحت إشراف إدريس البرزاني، ومنذ ذلك الحين أصبح عضواً في قوات البيشمركة حتى عام 1975؛ حيث انهارت ثورة الأكراد.
وفي عام 1975 تم تعيينه موظفاً في الأمانة العامة للشئون الاجتماعية والصحية، ولم يناهز حينها التاسعة عشرة من عمره.
وترك الملا كريكار كردستان هارباً إلى إيران عام 1982؛ لكي لا ينخرط في الخدمة العسكرية التي كانت ستفرض عليه المشاركة بالحرب التي كانت دائرة بين العراق وإيران- بعد الانتهاء من دراسته.
التقى كريكار بعض القيادات الإسلامية في إيران، منهم صلاح الدين محمد بهاء الدين الأمين العام الحالي للاتحاد الإسلامي في كردستان (وهي تتبع الإخوان المسلمين) وعدد آخر من الشخصيات الإسلامية الكردية والعربية والتركمانية.
واجتمع نحو 14 شخصية لتأسيس نواة حركة جهادية ضد النظام العراقي، لا سيما بعد أن أخذوا دعماً شفهياً من الحكومة الإيرانية، وتأسس ما يعرف بـ"جماعة الأنصار" لكن سرعان ما بدأت الحكومة الإيرانية بمضايقة التنظيم واعتقال عدد منهم؛ بتهمة الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين ومقاومة الثورة الإسلامية.
انتقل بعد ذلك إلى كراتشي بباكستان عام 1985 بعد أن تزوج من فتاة كردية.. انشغل في الدراسة وتشكلت- كما يقول- لديه رؤيته الإسلامية تجاه الغيب والمشهود، وتجاه المجتمع وطرق التغيير التي تنبثق من النظرية الإسلامية الحديثة التي صاغها وترجمها عملياً مؤسسون وقادة الجماعات الإسلامية، أمثال حسن البنا، والمودودي، وسيد قطب.. وغيرهم.
قطعت فاجعة حلبجة كل صلة تربط الملا كريكار بجماعة الإخوان المسلمين، وفكر أن ينضم إلى إحدى الجماعات التي تحمل معه عبء الفاجعة، وكان لديه خياران: أحدهما الانضمام إلى جماعة الجهاد المصرية، أو العودة لكردستان ليشكل تنظيماً مسلحا يمارس حرب العصابات، لكنه تفرغ بعد الخروج من جماعة الإخوان للعمل الإغاثي والإعلامي لنصرة الأكراد أولًا، ثم عاد إلى كردستان وانتمى إلى الحركة الإسلامية الجهادية في كردستان رغم تحفظه- كما يقول- على بعض المواقف السياسية للحركة.
استمر الملا كريكار مع الحركة الإسلامية حتى عام 2001؛ حيث انشقت الجماعة الإسلامية بقيادة علي بابير عن الحركة الإسلامية، وأدى انشقاقها إلى ظهور ثلاث مجموعات، ترأس الملا كريكار إحداها سميت في 10/12/2001 بأنصار الإسلام.
منح الملا كريكار مع أفراد عائلته عام 1991 حق اللجوء السياسي في النرويج، نتيجة ملاحقته من قبل السلطات في إقليم كردستان ومن خلفها الولايات المتحدة، وأصدر صحيفة باللغة العربية باسم (كردستان) بالمشاركة مع أخيه الشقيق (خالد فرج).
في عام 2001 عاد إلى شمال العراق لبناء مسجد كبير في مدينة السليمانية مسقط رأسه، ثم انغمس في الأمور السياسية من جديد، وقد استقبله كبار الساسة في شمال العراق لمرات عديدة، ثم انتُخب أميرًا لجماعة أنصار الإسلام عام 2002، قبيل أشهر من الاحتلال الامريكي للعراق.
في النرويج
ولكن في تطورمفاجئ هرب إلى النرويج مرة أخرى عبر إيران، وفي مارس 2003 أصدرت السلطات القضائية النرويجية مذكرة اعتقال بحق ملا كريكار؛ بتهمة ضلوعه وتخطيطه لعمليات وصفتها بـ" الإرهابية "؛ حيث إن الولايات المتحدة اعتبرت جماعة أنصار الإسلام متعاونًا مع تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن، وقالت الولايات المتحدة على لسان وزير خارجيتها آنذاك كولن باول، أن جماعة أنصار الإسلام تمتلك معسكرًا لإنتاج السموم، وأن لها علاقات مع الرئيس العراقي السابق صدام حسين وهي اتهامات نفتها الجماعة.
وألقت السلطات الإيرانية القبض على كريكار، صيف 2002حين كان مسافراً إلى أوسلو عبر طهران، فقد كان اسمه مدرجاً على لائحة أمريكية لأسماء مطلوبين بتهم تتعلق بالإرهاب، وتم تسليمه إلى هولندا التي كان ينوي كريكار السفر عبرها إلى النرويج.
وبعد اعتقال استمر شهورًا تم ترحيله إلى النرويج، ولا تزال الولايات المتحدة تتهمه بأنه حلقة الوصل بين تنظيم "القاعدة" والنظام العراقي، وبأنه أخفى مواد كيماوية خطيرة في مناطق "أنصار الإسلام".
ومن التهم الأمريكية المساقة ضده إيواء بعض عناصر تنظيم "القاعدة" في شمال العراق. إلا أن أياً من هذه التهم لم يثبت عليه، وقد نفاه كريكار أكثر من مرة مؤكداً براءته.
وقد حققت معه بصورة مباشرة إلى الآن المخابرات الإيرانية والهولندية والأمريكية والألمانية والإيطالية، وبصورة غير مباشرة الإسبانية والفنلندية.
في 2003 اتخذ قرار بإبعاده عن النرويج بعد اعتباره تهديداً للأمن القومي، وقامت المحكمة العليا النرويجية بالمصادقة على القرار في 2007. ومنذ ذلك الوقت لا تزال السلطات النرويجية تتباحث مع العراق للحصول على ضمانات بأن لا يجري إعدامه بعد إعادته. في عام 2006 وضع على لوائح الإرهاب التابعة للأمم المتحدة.
في عام 2004 حصل الملا كريكار على حكم قضائي ببراءته من تهمة دعم الإرهاب، إلا أن الجماعات اليسارية النافذة في الحكومة النرويجية أصرت على استصدار قرار يقضي بطرد الملا كريكار من الأراضي النرويجية ولكنه لم ينفذ.
وفي يوليو 2017 ألقت الاستخبارات النروجية القبض على العراقي الكردي الملا كريكار المثير للجدل بعد إدانته في إيطاليا بتهمة تشكيل "عصابة إجرامية إرهابية".
وأوضحت وكالة الاستخبارات النروجية على حسابها على "تويتر" الثلاثاء أنها "بمساعدة شرطة أوسلو، أوقفت مساء الاثنين الملا كريكار بموجب مذكرة تفتيش دولية ومذكرة توقيف إيطالية".
قد أصدرت محكمة بولزانو شمال ايطاليا، في يوليو 2019 حكماً غيابياً بحقه بالسجن 12 عاماً وحكمت أيضاً على خمسة متهمين آخرين بالسجن لسنوات عدة.
وأدين الداعية المتشدد بتهمة قيادة شبكة كردية متطرفة هي "أنصار الإسلام"، يُفترض أنها مرتبطة بتنظيم داعش الإرهابي وقد تكون نفذت اعتداءات في دول غربية.
ويُعتبر كريكار تهديداً للأمن القومي النروجي واسمه مُدرج على لوائح الأمم المتحدة والولايات المتحدة للأشخاص الإرهابيين. ويواجه منذ عام 2003، أمر طرد إلى العراق لكن الأمر لم ينفذ مطلقاً بسبب عدم وجود ضمانات تتعلق بمصيره في العراق حيث يمكن أن يواجه عقوبة الإعدام.
تصريحات مثيرة للجدل
هناك العديد من التصريحات المثيرة للجدل، كما أنه متهم بتشكيل خلية إرهابية خططت لهجمات باريس الأخيرة، وهو ما أدى إلى اعتقاله، وسجن أكثر من مرة؛ ففي 2010 اعتقلته السلطات النرويجية وجه له الادعاء العام في النرويج تهمة الإرهاب إلى الملا كريكار لتهديده الساسة النرويجيين بالقتل إذا تم ترحيله من النرويج في تصريحات له عبر عدد من وسائل الإعلام.
وفيما بعد حكم عليه القضاء النرويجي، في ديسمبر 2012 بالسجن لمدة عامين وعشرة أشهر بتهمة تهديد رئيسة الوزراء، إيرنا سولبيرج، و3 نشطاء أكراد والتحريض على الإرهاب.
وفي مقابلة تلفزيونية، نحو تأييد علني وصريح للهجوم على الأسبوعية الساخرة شارلي إيبدو في باريس، كما اعتبر المهاجمين "أبطالاً دافعوا عن كرامتهم وعن مقدساتهم. هم مجاهدون بالتأكيد". وأضاف: "هؤلاء الذين يشنعون الدين وكرامتنا عليهم أن يفهموا أنّ المسألة تتعلق بحياة وموت... والرسامين يستحقون القتل". كريكار الذي ظهر في المقابلة وهو يتحدث باللغة العربية ويرتدي الملابس الكردية التقليدية، أكد أنه "فرح بالتأكيد لما جرى في فرنسا". وعند هذه الجملة أظهر التلفزيون النرويجي المتابَع من الملايين لقطةً من هجوم باريس علق عليها المحاور بالقول: "هذا هو الذي يبدي كريكار سعادته به".
وهو ما أدى إلى أن تحكم محكمة نرويجية، في 30 أكتوبر 2015 بالحبس لمدة 18 شهراً، بناء على فتواه بإباحة الاعتداء وقتل رسامي المجلة الفرنسية "شارلي إيبدو"، وذلك على خلفية توجيهه لعبارات تهديد في مقابلة تلفزيونية تم بثها على التلفزيون الوطني.
تنظيم داعش
أعلن الملا كريكار عن تعاطفه مع تنظيم "داعش" الارهابي، وهو ما أدى إلى أن يُتهم بتجنيد الشباب لصالح "داعش"، وذكرت صحيفة 'لاستامبا' الإيطالية أن مكافحة الإرهاب في إيطاليا قبضت على 7 أكراد مقيمين فيها بعد مراقبة واختراقات انطلقت منذ 2010 على خلفية التحقيقات التي كانت تقوم بها السلطات المعنية بموقع على الإنترنت يدعى "جي ارشيف دوت انفو" الذي تخصص في الدعاية والترويج للإرهاب والشبكات الإرهابية في سوريا والعراق منذ سنوات.
وبحسب الصحيفة فإن عملاء المخابرات الإيطالية واعتمادًا على التحقيقات الأولية نجحوا في كشف شبكة متكاملة تعمل في كامل أنحاء القارة الأوروبية لاستقطاب الإرهابيين وتجنيدهم، لفائدة القاعدة وتنظيم "داعش"، خاصة في أوساط الجالية الكردية المنتشرة في أوروبا وبقيادة الملا كريكار الهارب من العراق إلى النرويج التي سجنته قبل الإفراج عنه في بداية 2015.
كما اتهم بأنه العقل المدبر لهجمات باريس التي وقعت 13 نوفمبر 2015.
مؤلفاته
الملا كريكار، بالإضافة إلى دوره السياسي المعروف، فهو كاتب وشاعر وخطيب مفوه يجيد الكلام بعدة لغات، وله عشرات الكتيبات الدينية باللغة الكردية، إلا أن أهم مؤلفاته هي ديوانه الشعري (ألم الولادة) و(ألم البقاء) وهما باللغة الكردية ويتحدث فيهما عن مآسي الشعب الكردي عمومًا، ومأساة حلبجة بشكل خاص.