داعش واستراتيجيات العودة
الثلاثاء 21/يوليو/2020 - 11:37 ص
طباعة
حسام الحداد
تناقش وحدة رصد اللغة الفرنسية التابعة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في تقريرها الأخير الصادر الاثنين 20 يوليو 2020، استراتيجيات تنظيم الدولة "داعش" للعودة من جديد ومحاولة كسب أراض جديدة يتمدد من خلالها.
بدأ التقرير بتذكير القارئ بأحداث الحادي عشر من سبتمبر، وغزو أفغانستان والعراق، والأزمة السوريّة، حيث كانت جميعها أحداثًا جيوسياسيّة أثارت موجات من التطرّف عانى منها العالم بأسره، وتسبّبت في سفك دماء الأبرياء. ولكن الجديد في ذلك هي جائحة "فيروس كورونا"، والذي يبدو أنّ تداعياته يمكن أن تكون أخطر بكثيرٍ من تلك الأحداث الجيوسياسيّة التي شهدها العالم قبل ظهوره.
ففي الوقت الذي تشغل فيه مكافحة انتشار "فيروس كورونا" (كوفيد-19) ومعالجة آثاره الاقتصاديّة والاجتماعيّة، كافة قادة العالم، يُراهن تنظيم "داعش" من جديد على الاستفادة من تلك الأوضاع غير المستقرة، وانخفاض درجة يقظة التعاون الدوليّ في مجال مكافحة الإرهاب؛ لاستعادة قوته وتقوية صفوفه وجاهزيته للانتقام. فالمتأمل في نشاطات الحركات والجماعات الإرهابيّة والمتطرّفة، يجد أنه منذ بداية أزمة "كورونا"، وتنظيم "داعش" يروّج لها على أنها غضب إلهي، ولا سبيل للنجاة منها إلا بالتّوبة والعودة إلى الدّين! كما يشنّ بشكل يوميّ ومتزايد هجمات أكثر عنفًا ودمويّة داخل "العراق" و"سوريا"، فهل جاءت هذه الهجمات من قبيل المصادفة؟!
فها هو تنظيم "داعش" الإرهابي، بعد سقوط آخر معاقله في "الباغوز" في مارس 2019، والإعلان عن دحره، يتمكّن خلال فترة الاختباء من إعادة هيكلة نفسه وترتيب صفوفه، مستأنفًا من جديد نشاطاته الإرهابيّة في ظل جائحة "كورونا"؛ في محاولة منه للإطلال برأسه من جديد في بلاد الشام. فعلى صعيد العراق، شنَّ التنظيم في يناير 2020، نحو 88 هجومًا، وفي فبراير نحو 93 هجومًا، وفي مارس نحو 101 هجومًا، وفي أبريل نحو 151 هجومًا. وفي مايو شنَّ التنظيم هجمات واسعة النطاق على أهداف عسكريّة في العراق، لا سيّما ذلك الاعتداء الذي نُفِّذ في محافظة "صلاح الدين"، شمالي العاصمة بغداد، والذي أسفر عن مقتل 10 أشخاص في وحدة شبه عسكريّة مندمجة في القوات النظاميّة العراقيّة.
وعلى صعيد سوريا، شنَّ تنظيم "داعش" الإرهابي في أبريل 2020، عدّة هجمات في صحراء محافظة "حمص"، بالإضافة إلى استهداف مركبة عسكريّة تابعة للجيش السوريّ، وعدّة مواقع عسكريّة في صحراء محافظة "حمص"، مما أدى إلى مقتل نحو 18 جنديًا. وفي مايو قام تنظيم "داعش" الإرهابيّ بقطع الطريق بين دمشق ومحافظة "دير الزور" شرقي سوريا، والاستيلاء على سيارة تقل ضابطًا سوريًا وامرأة، في مدينة "كاباجيب"، وأعدموهما مع شخصين آخرين في المنطقة. كل ذلك مع ظهور مقاطع فيديو دعائيّة جديدة للتنظيم، عبر الشبكة العنكبوتيّة، تُظهر مقاتلي "داعش" وهم يقومون بإعدام عدد من الأشخاص المتهمين بأنهم "جواسيس" للجيش السوريّ في مناطق "السخنة"، وهي منطقة نائية في شرق محافظة "حمص" على طريق "دير الزور".
وترجع هذه الزيادة المُطردة في هجمات تنظيم "داعش" الإرهابيّ في العراق وسوريا منذ يناير 2020، لأسباب مختلفة منها:
- الخطر الذي تُمثله جائحة "كورونا" على التضامن الوطنيّ، وعلى جهود مكافحة التطرّف، علاوة على خطر نقص التواصل والتماسك والتنسيق بين الدول، ممّا قد يسمح للإرهابيين بالتمكّن من تنفيذ هجماتهم الإرهابيّة.
- الإجراءات الوقائيّة للتصدي لفيروس "كورونا"، والتي تسبّبت في تخفيض أعداد القوات المناهضة لـ"داعش" في تلك المناطق.
- انسحاب قوات التحالف الدوليّ المناهض لـ"داعش" بقيادة الولايات المتحدة الأمريكيّة، لا سيّما من القواعد المنتشرة في غرب العراق ومحافظات "نينوى وكركوك"، تماشيًا مع الانسحاب المتوقع في أواخر عام 2020.
- استغلال مقاتلي "داعش" التضاريس الطبيعيّة في العراق وسوريا، لا سيّما الأماكن غير المأهولة بالسكان، والتي تغيب عنها التغطية الأمنيّة.
- توظيف تنظيم "داعش" الإرهابيّ آلياته الدعائيّة عبر الشبكة العنكبوتيّة لحثّ أتباعه على التخطيط لهجمات جديدة، لا سيّما في أوروبا، في إطار استراتيجيّة "الاستنزاف"، أو "الاستنفار المُجهد".
- حذو زعيم تنظيم داعش الجديد "أبي ابراهيم الهاشمي القرشي" نفس الاستراتيجيّة التي وضعها "أبو بكر البغدادي" قبل مقتله بعدة أسابيع، وهي استراتيجيّة "الثأر" القائمة على "الاستنزاف" و"الاستنفار الدائم المُجهد"، والتي تعتمد على تقسيم مقاتلي "داعش" إلى "خلايا" أو ما يُطلق عليه التنظيم "مفارز أمنيّة"، مكونة من عدد قليل من المقاتلين تعمل وفق أسلوب "حرب العصابات".
ممّا سبق يتّضح أنّ تنظيم "داعش" الإرهابيّ، رُغم سقوط معاقله في العراق وسوريا، إلا أنّ نفوذه وأيديولوجيته لا تزال تمثل تهديداً، وذلك لأن العديد من العوامل التي أفرزت تلك الدولة المزعومة، والتي أدّت إلى ظهورها لا تزال قائمة، وإن ضعفت. لذا يجب مواصلة التصدي لهذا الفكر الداعشيّ المتطرّف، إيمانًا بأنّ المواجهة الأمنيّة وحدها ليست كافية، بل لا بُد من مواجهة فكريّة وأيديولوجيّة تعمل على تفنيد هذا الفِكر المتطرّف ومواجهته.