ماكرون أردوغان.. ما وراء مقاطعة «إلا رسول الله»
الأحد 25/أكتوبر/2020 - 04:31 م
طباعة
اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعى، بحملة مقاطعة المنتجات الفرنسية، فى رؤية من قبل القائمين والمتابعين نصرة لـ«النبى - صلى الله عليه وسلم»، وبعيدًا عن الجدلية الفقهية، ومواقف «الرسول الأعظم» فى التعامل مع من «أساء إليه»، فإن الأمر لا يعدو عن كونه حربا سياسية بصبغة دينية، تشنها تركيا على فرنسا، وفيها يحضر التنظيم الدولى للإخوان بشكل كبير، عبر جيوشه الإلكترونية الناطقة بعدة لغات، منها «العربية».
فى 2020 كانت فرنسا حاضرة، وبقوة، ضد التمدد التركى فى عدة مناطق وعدة ملفات شائكة، من أهمها ملف غاز البحر المتوسط، وليبيا وسوريا، وملف الهجرة غير الشرعية، والحرب بين أرمينيا وأذربيجان، وملف المؤسسات التركية الدينية (الملحقيات الدينية والمساجد التي تديرها أنقرة) فى فرنسا وأوروبا.
صراع الفرنسى إمانويل ماكرون، والتركى رجب طيب أردوغان، هو صراع نفوذ ومصالح، وأزمة الرسوم المسيئة ما هى إلا ورقة يستخدمها أردوغان، كما حدث فى مذبحة مسجد نيوزلندا، وتفضحه مواقف تركيا من وقائع سابقة من حرق القران أو الإساءة إلى النبى فى عدة بلدان أوروبية، منها هولندا وألمانيا، لكن لأن فرنسا تشكل السد الأوروبى الذى يريد أن يكسره أردوغان.
ليبيا تشكل أبرز الملفات بين فرنسا وتركيا، حيث تقف أنقرة إلى جانب حكومة الوفاق، وجماعة الإخوان، وميليشيات طرابلس، فيما تدعم باريس الجيش الليبى ومجلس النواب المنتخب برئاسة عقيلة صالح.
ونجحت فرنسا فى حبس أردوغان فى منطقة معزولة فى ليبيا، والتى وضحت تماما باتفاق وقف إطلاق النار، والذى رعته الأمم المتحدة فى جنيف، وهو ما رفضه أردوغان بطريقة غير مباشرة، لأن الاتفاق يشكل خسارة لكل جهود تركيا فى التمدد بليبيا، ومن ثم بمنطقة المغرب الغربى وأفريقيا.
ملف غاز شرق المتوسط، كان من الملفات ذات الأهمية والاستراتيجية لتركيا، ولكن حتى الآن فشل نظام أردوغان فى تحقيق مخططاته، بعد الموقف القوى بين التحالف الثلاثى «مصر واليونان، وقبرص»، ودعم فرنسا لليونان وقبرص فى ملف الغاز والمتوسط سياسيا وعسكريا.
سوريا لبنان، من ملفات الصراع، والتى يحاول فيها أردوغان الوصول إلى أهدافه، لكن حتى الآن يشكل التحرك الفرنسى، أكبر الحواجز أمام الفم العثمانى يحول دون ابتلاع، بل حتى قضم، المنطقة، وهو ما وضح فى أزمة مرفأ بيروت، وحضور ماكرون القوى فى شوارع العاصمة اللبنانية.
أزمة قره باغ بين أرمينيا وأذربيجان، أحد الملفات التى شهدت حضورا فى العداء المتصاعد بين باريس وأنقرة.
ملفات غاز البحر المتوسط، وليبيا وسوريا والهجرة وأرمينيا، ليست هى فقط فى دائرة الصراع بين ماكرون واردوغان، لكن يمكن القول إن قيادة فرنسا لمواجهة التمدد والنفوذ التركى فى الاتحاد الأوروبى، أزعج أردوغان، وبعثر أوراقه ومخططاته.
فرنسا وقفت مبكرا ضد الابتزاز التركى فى ملف المهاجرين، عبر التنسيق والدعم الدائم مع اليونان باعتبارها البوابة الأهم فى ملف الهجرة، وتشكيل قوات أوروبية من أجل مكافحة الهجرة غير الشرعية، وهو ما جعل ورقة المهاجرين ليست ذات القيمة التى عول عليها أردوغان فى بداية الصراع السورى، وجنى منها أموالا طائلة بابتزاه لأوروبا.
فرنسا أيضا عملت على مواجهة الجماعات والمؤسسات المتطرفة دينيا، بشكل قانونى ودستورى والتنسيق مع دول الاتحاد الأوروبى، فى مواجهة الجماعات الأوروبية، ما جعل استخبارات هذه الدول تفتح أعينها على الملفات الأخطر فى داخل أوروبا، ومن ثم ربط هذه الجماعات بالتحركات التركية.
وتورطت عدة منظمات وجمعيات مشبوهة قريبة من الإخوان وتركيا فى دعم خطط تسفير الشباب الأوروبى والفرنسى من بلدانهم إلى تركيا، ثم نقلهم عبر الحدود إلى مناطق النزاع فى العراق وسوريا، ما حولهم إلى وقود حرب انتهت بهم قتلى أو فى السجون، أو فى مخيمات لجوء، وبعضهم لم يستطع العودة إلى بلاده وسحبت منه الجنسية.
الامر الآخر هو مواجهة الجاليات والجمعيات التركية، وأبرزها الاتحاد الإسلامى «ديتيب»، واتحاد «أتيب»، وحركة الرؤية الوطنية «ميللى جورش»، وأخيرًا تنظيم الذئاب الرمادية، بالتعاون مع الإخوان الإرهابية، والتى تعلب دورا فى عميات التجسس لصالح أنقرة.
ووفقا لتقرير لصحيفة «نويه زوريشر» السويسرية، فإن السلطات الألمانية وجهت منذ 2016، تهم التجسس إلى 19 إماما تابعين لاتحاد «ديتيب»، بعد أن قاموا بالتجسس وكتابة تقارير موجهة للحكومة التركية عن أعضاء فى حركة الداعية فتح الله جولن.
باريس كانت أبرز العوصام الأوروبية التى واجهت أئمة تركيا فى فرنسا، فقد أعلن وزير الداخلية الفرنسى كريستوف كاستانير، فبراير 2020، أن نهاية برنامج «الأئمة المبتعثين» الذى تحدث عنه الرئيس الفرنسى الثلاثاء، مقرر فى 2024.
وفى فبراير 2020 أيضا أعلن الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون إنه سيفرض قيودا على إيفاد دول أجنبية أئمة ومعلمين إلى فرنسا.
ماكرون شدد فى تصريحاته التى تستهدف تركيا، على انه: «لن أسمح لأى دولة مهما كانت بأن تغذى الشقاق، لا يمكن أن تجد القانون التركى مطبقا على تراب فرنسى، هذا لا يمكن أن يحدث».
صراع الباريسى الإسطنبولى، امتد إلى الصناعات العسكرية التركية، مع إعلان كندا وقف تصدير بعض تكنولوجيا الطائرات المسيرة إلى تركيا، فى ظل الصراع الأرمينى الأذربيجاني، وهو ما فضح أسطورة الصناعة التركية طائرة «بيرقدار» المسيرة.
كما تربط علاقة وثيقة بين فرنسا وكندا، وهو ما يشكل أبعاد أزمة «الرسول الأعظم» التى يتاجر بها أردوغان وتنظيم الإخوان من أجل تركيع باريس.
هناك أيضا بعد آخر للأزمة، وهو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، الصراع التاريخى بين فرنسا وبريطانيا على زعامة القارة بالإضافة إلى ألمانيا، وتشكل لندن العاصمة الأبرز للإسلاميين المطلوبين للقضاء فى بلدانهم الأصلية (عربية وأجنبية)، واستهداف الاقتصادى الفرنسى يشكل مكسبا للاقتصاد البريطانى، فلا يستعبد أن يكون هناك تنسيق بين لندن وأنقرة وتنظيم الإخوان فى إدراة الأزمة وإشعالها واستثمارها لأقصى درجة فى استهداف فرنسا ماكرون.
ختامًا يقول الضابط الإنجليزى توماس راسل، حكمدار القاهرة (1902- 1946) فى مذكراته: «إذا أردت أن تشعل حربا فى الشرق، فعليك اللعب على وتر المشاعر الدينية».