"موقع كوزر" الفرنسي يبرز مقال عبدالرحيم علي: "الإسلام الفرنسي" المختطف من تنظيم الإخوان وأردوغان
الأحد 06/ديسمبر/2020 - 10:37 ص
طباعة
أبرز موقع كوزور الفرنسي مقال عبدالرحيم علي رئيس مجلس إدارة مركز دراسات الشرق الأوسط بباريس "سيمو" حول اختطاف الإخوان وأردوغان للإسلام والمسلمين في فرنسا.
وتناول عبدالرحيم علي في مقاله محاولات تنظيم "الإخوان"، السيطرة على الإسلام في كل فرنسا، مستغلًا في ذلك مشروعات فرنسية خاصة بالمسلمين، وفي المقابل شهدت فرنسا العديد من المحاولات الهادفة إلى تنظيم "الإسلام الفرنسي"، إلا أن مصيرها آل إلى الفشل، لكونها لم تعالج لُب القضية، والتي تتعلق بكون "الإسلام" في فرنسا مختطفا من "التنظيم الإرهابي".
وسرد عبدالرحيم مختلف مشروعات فرنسا ويرى "علي" في تحليله أن مأساة أوروبا الحقيقية مع الإسلاموية بدأت مع زحف الجيل الثالث من جحافل الإخوان على القارة الأوروبية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، حيث اعتبرت الجماعة أن تلك البلدان الأوروبية غنيمة، وذلك انطلاقًا من المراحل الستة التي رسخها مؤسس الجماعة "حسن البنا"، والتي تبدأ من الإنسان المسلم، ثم الأسرة المسلمة، والمجتمع المسلم، والحكومة الإسلامية، والخلافة الإسلامية، وأستاذية العالم.
وأشار عبدالرحيم في مقاله إلى أن "الإخوان" استخدموا الاستراتيجية العنكبوتية للتنظيم في خطف الإسلام في فرنسا، حيث استفاد التنظيم من كل خطوة للاعتراف به أو وقياداته أو ممثليه بشكل رسمي من قبل السلطات كما حدث بعد مشروع ساركوزي في عام 2003 الذي منح ممثلي الجماعة حق تمثيل المسلمين أمام السلطات الفرنسية.
وينتهي عبدالرحيم علي في مقاله إلى أن تفكيك هذا التنظيم الذي يختطف الإسلام والمسلمين في فرنسا هو الحل وذلك لا يكون فقط بحظر هياكله وجمعياته وتجفيف منابع تمويله إنما أيضًا عبر تفنيد الأفكار التي يستخدمها في تجنيد عناصره، وكشف مراوغة قياداته، محددًا ثلاثة ثوابت أساسية يجب أن تلتزم بها الدولة الفرنسية وهي تواجه الإخوان هي: عدم الخلط بين الإسلام كدين وبين الإخوان كتنظيم، وأن تتم عملية المواجهة على أرضية الوحدة المجتمعية، وثالث الثوابت هو الكف عن التعامل مع قضية بناء إسلام فرنسا كما تم التعامل مع النموذج اليهودي عام 1806.
والى نص المقال:
طوال أكثر من عشرين عامًا مضت شهدت فرنسا محاولات عديدة لتنظيم "الإسلام الفرنسي"، بدأت منذ عام 1999 بمحاولة إنشاء فيدرالية تمثل المسلمين في فرنسا باقتراح لم يرَ النور من وزير داخلية فرنسا آنذاك جان بيير شوفينمان مرورًا بمشروع ساركوزي عام 2003 الذي أنشئ بمقتضاه المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، وانتهاءً بخطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "الأخير" الذي أعلن فيه أن الدين الإسلامي يمر بأزمة عالمية، مطالبًا بإعادة تنظيم العلاقة بينه وبين الدولة منعًا لما أسماه بالانفصالية، الأمر الذي أثار حفيظة عدد كبير من قادة ومفكري العالم الإسلامي وأيضا مسلمي فرنسا.
وتخلل تلك السنوات عشرات المحاولات التي بدأت بتحليل للظاهرة ووضع الحلول المفترضة لها من وجهات نظر مختلفة كل حسب موقفه الفكري من الظاهرة.
ولكن للأسف باءت جميع تلك المشروعات بالفشل لأنها لم تلتفت إلى لُب المشكلة التي يعاني منها الدين الإسلامي والمسلمين في فرنسا باعتبارهم مخطوفين "حرفيًا" من قبل التنظيم الدولي للإخوان، الذي أسلم زمام حركته مؤخرًا لتديرها خطط واستراتيجيات وطموحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
إن مأساة أوروبا الحقيقية مع الإسلاموية بدأت مع زحف الجيل الثالث من جحافل الإخوان على القارة الأوروبية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، فإلى ذلك الحين لم يكن الإسلام أو المسلمين يمثلون عبئًا أو مشكلة داخل المجتمع أو الدولة الفرنسية.
لقد توافد المسلمون العاديون على أوروبا منذ أكثر من قرن من الزمان تجارًا وعلماء ودارسين يستفيدون ويتبادلون الخبرات وينقلونها إلى بلدانهم أو يندمجون معها في تلك المجتمعات الجديدة.
بينما بدأت الأزمة الحقيقية تطفو على السطح رويدًا رويدًا بدءًا من وصول جماعة سياسية إسلامية تؤمن بأن المسلم يجب أن يسعى لتكوين دولة الإسلام في أي بقعة من الأرض يقف أو يعيش عليها.
جماعة اعتبرت أن تلك البلدان الأوروبية غنيمة يجب أن يحولوا أهلها إلى الإسلام وتدريجيًا يستولون عليها حُكامًا لها، إيمانًا بالمراحل الستة التي علمهم إياها مؤسسها "حسن البنا":
فالإخواني مأمور بتنفيذ تلك المراحل في أي بلد تواجد به وهي:
الإنسان المسلم.
الأسرة المسلمة.
المجتمع المسلم.
الحكومة الإسلامية.
الخلافة الإسلامية.
أستاذية العالم.
والمرحلة الأخيرة تعبر عن شطح وطموح مؤسس الإخوان حسن البنا بالسيطرة الكاملة على العالم، بعد أن يكون قطاره قد غادر محطات، تشكيل الحكومة وإقامة الدولة والخلافة المزعومة.
لقد غرس مؤسسو الإخوان الأوائل، البنا والهضيبي وسيد قطب وفتحي يكن، عبر برامج تربية مكثفة هذه الأفكار في عقل كل متعاطف وكل مريد للجماعة، ناهيك عن العضو العامل أو الكادر الحركي حتى باتت تلك الأفكار "قرآنًا إخوانيًا جديدًا" بديلًا عن كتاب الله الذي يؤمن به المسلمون العاديون.
لقد تعلم الإخوان في مدارسهم الفكرية أن هذه المراحل الست تأتي عبر أكثر من طريقة، تبدأ بالدعوة والتجنيد لتشكيل نظام الأسر الإخوانية، وهي هنا تغاير مفهوم العائلة، هي أقرب للخلية في التنظيمات العقائدية أو الوحدة الحزبية عند الأحزاب السياسية.
ثم تأتي خطة إعادة تشكيل المجتمع عبر إسقاط أعمدته المدنية أو العلمانية، سواء كانت جمعيات أو نقابات أو اتحادات مهنية أو طلابية ليتشرب بمفاهيم الدولة الدينية التي تعتمد المظاهر العقائدية في كل تشكيلاتها، ليس هذا وفقط وإنما تعتمد أيضًا إخوة العقيدة بديلًا عن إخوة الوطن فيصبح التمييز قائمًا على أساس الديانة ثم المذهب داخل الديانة، ثم الانحياز لمنهج الإخوان دون غيرهم من الجماعات التي تنطلق من الإسلام في فهم ظواهر الحياة والسياسة.
ثم يأتي استخدام مفهوم الديمقراطية باعتباره طريقة للاختيار وليس منهج حياة قائم على ركائز أساسية منها حرية الرأي والتعبير وحرية العقيدة، ليتحول وفق مفهوم الإخوان إلى طريقة للوصول إلى السلطة، جسر لا يسمح سوى بالمرور لمرة واحدة إلى الضفة الأخرى.
يأتي أخيرًا مفاهيم استخدام العنف وفق ما تسمح به موازين القوى في الدولة المعنية، أو إشاعة الفوضى أو إجراء التحالفات حتى ولو كانت "مع الشيطان".
هذه الاستراتيجية العنكبوتية للتنظيم الذي يختطف الإسلام في فرنسا، تستفيد من كل خطوة للاعتراف به أو وقيادته أو ممثليه بشكل رسمي من قبل السلطات كما حدث بعد مشروع ساركوزي في عام ٢٠٠٣ الذي منح ممثلي الجماعة حق تمثيل مسلمي فرنسا أمام السلطات الفرنسية عن طريق الاختيار الحر من خلال المساجد والاتحادات، فراحوا يعقدون الصفقات مع دول بعينها لتمويل إنشاء المساجد الكبرى باعتبارها ممرًا للوصول إلى قيادة وتمثيل المسلمين في فرنسا، كما راحوا يشكلون الجمعيات والاتحادات التي تتيح لهم عبر ممثليها السيطرة الكاملة على الاتحاد الوليد، الذي أصبح هو الممثل الشرعي والوحيد للمسلمين في فرنسا.
لقد أعطى الرئيس الفرنسي الأسبق ساركوزي تنظيم الإخوان الأداة الشرعية لاختطاف الإسلام والمسلمين في فرنسا في وضح النهار، وإعادة تشكيل أطرهم التنظيمية ليصبحوا دولة داخل الدولة، تستطيع استخدام تمثيلها للمسلمين في أغراض التنظيم الانفصالية.
والدليل على ذلك أنه عندما دان زمام قيادة التنظيم الدولي للإخوان لأردوغان بعد سقوط حكمهم في مصر وحصارهم في أكثر من بلد عربي، قاموا باختيار تركي هو "أحمد أوغراس" لرئاسة المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية" في 2017 على الرغم من القلة العددية للأتراك، واستمرار سيطرة المغرب والجزائر على المجلس طوال 14 عامًا سبقت هذا التاريخ منذ إنشائه عام 2003.
لهذا كله فإن أي حل أو تعامل مع أزمة ما يسمى بالإسلام الفرنسي يجب أن يبدأ بمواجهة هذا التنظيم الإخواني وفرعه في فرنسا "اتحاد مسلمي فرنسا" وتفكيك بنيته وتجفيف منابع تمويله وحظر جمعياته، وإلا أصبح كمن يدور في الفراغ ثم يعود إلى المربع رقم واحد في كل مرة للبدء من جديد، وهو ما وقعت فيه كل تلك التجارب التي ذكرتها سابقًا، وربما تقع فيها تلك التي لم تبدأ بعد.
إن تفكيك هذا التنظيم الذي يختطف الإسلام والمسلمين في فرنسا لا يكون فقط بحظر هياكله وجمعياته وتجفيف منابع تمويله، إنما أيضًا عبر تفنيد الأفكار التي يستخدمها في تجنيد عناصره، وكذا كشف مراوغة قياداته عبر مواجهتهم في حلقات حوار جادة ومعمقة وعلنية تدور حول الأسس الفكرية التي يؤمنون بها، والتي تؤدي في نهاية المطاف إلى مفهوم الانفصالية.
ولنجاح تلك الاستراتيجية يلزم لمنفذها الالتزام بثلاثة أمور أساسية:
الأول: عدم الخلط بين الإسلام كدين وبين ذلك التنظيم الذي يختطفه والتعامل مع الأزمة باعتبارها أزمة اختطاف منظم للدين الإسلامي وليس أزمة بنوية يعاني منها الدين أو المسلمين.
إن هذه المعالجة تتفادى خطاب المظلومية والإسلاموفوبيا الذي سرعان ما ستلجأ إليه كوادر وقيادات وأبواق تنظيم الإخوان إعلاميًا في مواجهة تلك الإجراءات.
الثاني: أن تتم عملية المواجهة على أرضية الوحدة المجتمعية لأنصار ومواطني وسياسي الجمهورية الفرنسية، فلا يجوز ولا يصح أن يتخلل عملية المواجهة تلك أي نوع من الاحتراب السياسي بين المتخاصمين سياسيًا من الأحزاب والتيارات السياسية الفرنسية المختلفة، لأن القضية ببساطة تمثل قضية أمن قومي لفرنسا في المقام الأول، مثلها مثل قضية الإرهاب واستخدام العنف في مواجهة المواطنين السلميين.
الثالث: الكف عن التعامل مع قضية بناء إسلام فرنسا كما تم التعامل مع النموذج اليهودي في عام ١٨٠٦، لأنهم بذلك كمن يستخدم "وحدة قياس المسافة لقياس الكثافة"، ولهذا الموضع قراءة أخرى في موضع آخر.
رابط المقال على الموقع الفرنسي اضغط هنا