الامارات والاخوان المسلمين...وتاريخ من المواقف الحاسمة
السبت 15/نوفمبر/2014 - 08:57 م
طباعة
حسام الحداد
مواقف حاسمة
ومرت مواقف الامارات مع جماعة الاخوان بعدة مراحل قبل أن تصل إلى محطتها الأخيرة بتجريمها رسميا، ويري مراقبون أن جماعة الإخوان المسلمين كانت نموذجًا واضحًا لانقلاب الجماعة على الدولة فى الامارات، رغم ما حصلت عليه الجماعة من رعاية ، إلا أنها انقلبت وخالفت الدستور وتشريعات الدولة الإمارتية، من أجل التنظيم الدولي والولاء لمبدأ السمع والطاعة لقادة الجماعة، فكان رد الدولة حازمًا، حيث تم حل مجلس إدارة "جمعية الإصلاح" الذراع المجتمعي للإخوان في الإمارات، بعد ثبوت زيف ما يدعون، وأن دعوتهم ما هي إلا ستار تختفى خلفه من أفكارهم التكفيرية المتطرفة.
بداية الاخوان في الامارات
وتعود علاقة الاخوان بالإمارات، إلى الستينيات من القرن الماضي، وكانت "قطر" أول مكانٍ انطلقوا صوب الإمارات وتحديد "دُبي"، ليبدأ نشاط الإخوان في الإمارات من مقر البعثة التعليمية القطرية عام 1962، وكان الشيخ عبد البديع صقر ضلعًا رئيسيًا في تأسيس التنظيم هناك، وقام بإرسال المدرسين من مقر البعثة التعليمية القطرية، واختارهم بعناية من الإخوان التنظميين، وكان يتردد بانتظام على الإمارات ليشرف على التأسيس بنفسه، حيث أسس أول مدرسةٍ تابعة لهم تحت اسم "مدرسة الإيمان" في منطقة الراشدية في دبي.
وبمرور الوقت، تمكن الإخوان المسلمون في الإمارات من المشاركة بوزير واحد، في أول تشكيل حكومي عام 1971، حيث جرى تعيين سعيد عبد الله سلمان، وهو من الإخوان المؤسسين لجمعية الإصلاح فيما بعد، وزيراً للإسكان .
جمعية الإصلاح
وفي عام 1974 تقدمت مجموعة من رجال الأعمال والوجهاء والمشايخ والدعاة ومنهم الإخوان القدامى مثل سلطان بن كايد القاسمي، ومحمد بن عبد الله العجلان، وعبد الرحمن البكر بطلب إلى السلطات بإشهار الجمعية تحت اسم "جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي ، وأشارت في طلبها إلى أن الجمعية حركة إماراتية دعوية اجتماعية خيرية، ذات توجه سياسي إسلامي تابعة للإخوان المسلمين وذراعها السياسي وتنتهج أسلوبًا دعويًا سلميًا إصلاحيًا وسطيًا، ويترأسها سلطان كايد القاسمي، وأسست "مجلة الإصلاح" لتكون صوتها الإعلامي، وكان دعاتها يركزون على التمسك بالهُوية العربية الإسلامية والاستفادة من العلوم العصرية في آن واحد، وتوازت مع ذلك حملات إعلامية مناهضة للفساد الأخلاقي.
مع تأسيس مجلة "الإصلاح" عام 1978، بدأت جمعية الإصلاح بالعمل على ضرب خصومها الفكريين من التيارات الأخرى، وقد دخلت الجماعة في صراع منذ بداية تأسيس الجمعية مع القوميين واليساريين، فبعد صدور المجلة نهاية السبعينيات، هاجمت خصومها التقليديين من القوميين واليساريين، وكتبت أكثر من مرة عن تغلغل الشيوعيين في مفاصل الدولة وتأثيرهم في الثقافة والتعليم، وقامت بالتشكيك في إسلام بعض مسئولي الحكومة، ونشرت المجلة فتاوى حول جواز تولي بعض المسئولين للمناصب الحكومية، وفي اتحاد الطلبة كانت الصدامات لاتتوقف بين عناصر الجماعة ومن وصفوهم بذوي التوجه اليساري، وعملت المجلة على إظهار صورة نقية للجماعة وأتباعها، بالحفاظ على قيم المجتمع والتحذير من الغزو الثقافي، الذي سيتمثل في نظرهم في إصلاحات الحكومة في مجال التعليم والمناهج، وفي وسائل الإعلام وبرامج التليفزيون المحلي.
تمثيل الاخوان في الحكومة
وفي عام 1977 أصبح "محمد عبد الرحمن" البكر وزيراً للعدل والشئون الإسلامية والأوقاف، بترشيح من الشيخ راشد بن سعيد أيضاً، والبكر هو ثاني وزير من جمعية الإصلاح يتولى وزارة حكومية، وفي التشكيل الحكومي الثالث في يوليو 1979، تولى سلمان وزارة التربية والتعليم ومنصب رئيس جامعة الإمارات بعد تأسيسها بسنتين.
ولم يقتصر التواجد على التمثيل فى الحكومة، وإنما برز نفوذ الإخوان افي الإمارات، بقطاع التربية، فبعد تولي عبد الله عمران وزارة التربية سعت الجماعة إلى إفشال تدريس اللغة الإنجليزية في المراحل الأولى الابتدائية، ووقفت ضد قرار توحيد لباس طلاب التعليم العام، كما وقفت ضد حصص تعليم الموسيقى، وحرّضت الطالبات وأولياء أمورهن على عدم حضور حصص الرقص والموسيقى، وتمكنوا في النهاية من إيقاف هذه الحصص، التي تقوم بها الطالبات في الأنشطة اللاصفّية، وأقامت في المدارس محاضرات وندوات حول خطر التغريب والغزو الفكري، كما قامت مجموعات من "الأخوات" والشباب بعقد مهرجانات في المدارس لجمع التبرعات للمجاهدين الأفغان ودعم الانتفاضة الفلسطينية.
حتى جاء عام 1988 حينما أصبح الإخوان المسلمون، الصوت الأوحد والأقوى في مؤسسات الدولة التعليمية وفي جامعة الإمارات وكانت الشرارة التي نبهت السلطات الإماراتية إلى تغلغل الإخوان الإماراتيين في قطاع التعليم، حين أراد أحد موظفي الحكومة الاتحادية إكمال دراساته العليا في الخارج بداية التسعينيات، فلما قدم طلبه للجنة الابتعاث، قوبل بالرفض على الرغم من أن تقديره الجامعي كان (جيد جدا)، الأمر الذي أثار تساؤلات عدة، وتحريات السلطات التي كشفت بعد ذلك سيطرة كوادر الجماعة على التعليم، ومن ضمنه الابتعاث، فلا يستحق الموافقة للابتعاث إلا من كان يدين بأفكار الإخوان، أو منتميا للجماعة، الأمر الذي أثار غضب السلطات، ودفعها لاتخاذ إجراءات لمواجهة جمعية الإصلاح وتقليص نفوذها.
الصدام مع السلطات الاماراتية
حتى اصطدم الإخوان في الإمارات مع السلطة بسبب طبيعة الجماعة القائمة على البيعة والارتباط بتنظيم خارجي، وهو ما يصطدم بالقوانين والتشريعات الاتحادية باعتبارهما اعتداء على السيادة، وحاولت الحكومة في البداية معالجة موضوع أعضاء الإخوان عبر التحاور معهم أولًا، وإقناعهم بالعدول عن هذا المنهج، تم ذلك عبر سلسلة من اللقاءات التي جرت بين كوادر الإخوان والشيخ محمد بن زايد ولي العهد عام 2003، وفى العام ذاته بدأت عملية نقل واسعة داخل وزارة التربية والتعليم، لأكثر من 170من الإخوان المسلمين وتحويلهم إلى دوائر حكومية أخرى، كان منهم 83 موظفاً، انشغلت وسائل إعلام محلية وغيرها بالحديث عنهم.
وبدأ الصدام بين الإخوان والدولة الامارتية عقب قرار الحكومة وقف مجلة "الإصلاح" الناطقة باسم الإخوان عن الصدور مدة ستة شهور منذ أكتوبر1988 حتى أبريل1989، وبعد عودتها للصدور مرة أخرى بقيت المجلة على خطها ولكن بوتيرة أكثر هدوءاً، لكنها خلال الفترة مابين 1989 حتى 1994 استمرت في الدخول في القضايا، الشائكة التي تتعارض مع التوجه العام للدولة مثل المطالبة المستمرة بترشيد السياحة وضوابطها الأخلاقية، وخطر الأجانب على الثقافة والهوية الإماراتية، مع انتقاد لبرامج وسائل الإعلام المحلية والعودة، ما بين فينة وأخرى، إلى ملف التعليم ولجنة مراجعة المناهج، حيث دعا رئيس تحرير المجلة إلى توسيع دائرة المشاركين في اللجنة الوطنية.
وفي 16 مايو 2010، عندما أذاعت قناة "الحوار" حلقة من برنامج "أبعاد خليجية" وكان موضوعها (دعوة الإصلاح في الإمارات، ماذا تريد؟) واستضافت الحلقة اثنين من قيادات جماعة الإخوان المسلمين في الإمارات، وكانت هي المرة الأولى التي تقرر فيها الجماعة الظهور على الإعلام المرئي لشرح أفكارها، وتوضيح حقيقة انتمائها الفكري والسياسي والعقدي، ليصل الصدام إلى اقصاه عقب إصدار ناشطين وأكاديميين إماراتيين ينتمي غالبيتهم لفكر الإخوان المسلمين ـ بالتزامن مع ثورات الربيع العربي ـ عريضة "تعرف بعريضة الثالث من مارس2011، طالبوا فيها بإجراء انتخابات لأعضاء المجلس الوطني الاتحادي، وبتعديل دستوري يكفل له الصلاحيات التشريعية والرقابية الكاملة.
تصاعد الصدام مع الاخوان
وفى السنوات الأخيرة، تطور الصدام بين الاخوان والامارات، بعد أن اعتبر الشيخ عبد الله بن زايد وزير الخارجية الإماراتي في أكتوبر 2012، أن جماعة الإخوان المسلمين، لا يحترمون السيادة الوطنية، ويعملون على اختراق هيبة الدول وقوانينها، وأثارت تصريحات وزير الخارجية الإماراتي أزمة مشتعلة داخل مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين بمصر، فاجتمع خيرت الشاطر نائب المرشد العام للجماعة بأعضاء مكتب الإرشاد في ساعة متأخرة من ذات اليوم، لمناقشة الموقف الرسمي للجماعة من تصريحات المسئولين الإماراتيين، وكشفت مصادر صحفية وقتها أن الشاطر قرر التوجه للإمارات بعد يومين من تصريحات الشيخ عبد الله بن زايد، حاملًا ملفًا خاصًا بأسماء قيادات إخوان مصر، وأماكن إقامتهم في دول العالم والخليج، خاصة الإمارات، لإثبات براءة الجماعة من التهم الأخيرة في قضية قلب نظام الحكم بالإمارات، لكن الحكومة الإماراتية رفضت مقابلة الشاطر رغم جهود الوساطة التي بذلها مرشد الجماعة الدكتور محمد بديع لإنجاح اللقاء.
من جانبه حاول الشاطر مرة أخرى التوسط لدى السلطات الإماراتية، من أجل الإفراج عن المعتقلين من الشبكة التنظيمية من الإخوان الإماراتيين (60 عضوًا) لكن الإمارات رفضت وساطة الشاطر، لأن القضية برمتها أصبحت في عهدة القضاء الإماراتي ولا يمكن لأي أحد أن يتدخل في سير العدالة.
لائحة الاتهامات للخلية الاخوانية
ومن الاتهامات الموجهة لجماعة الاخوان في هذه القضية، مناهضة المبادئ التي يقوم عليها نظام الحكم في الدولة، السعي إلى الاستيلاء على الحكم، الارتباط بمنظمات خارجية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين في مصر وقطر، وجمع أموال في سبيل دعم أنشطة التنظيم، إلى جانب إقامة مجلس إدارة للتنظيم ولجان تنظيمية ومجلس شورى ولجنة موارد ومكاتب إدارية، إقامة مجلس نسائي ومجلس لشورى النساء وعدد من اللجان المركزية، وأيضا استقطاب الأفراد بحيث يكون الولاء للتنظيم لا للدولة.
وجاء قرار السلطات الاماراتية مؤخرا، ليكشف عن فصل جديد من حسم الامارات لمواقف عديدة مع جماعة الاخوان، وتم ادراجها رسميا فى القوائم الارهابية.